كيف تضرب الأزمات السياسية ركائز الاقتصاد المحلي؟

شخص متخصصون بالاقتصاد، ما يمكن أن تلحقه الأزمات السياسية من ضرر في اقتصاد البلد، مؤكدين…

شخص متخصصون بالاقتصاد، ما يمكن أن تلحقه الأزمات السياسية من ضرر في اقتصاد البلد، مؤكدين أن الأزمات تؤدي إلى فقدان الفرد الثقة بالمؤسسات، وتجعل خياراته “غير آمنة”، ما يؤدي إلى سحب مبالغ كبيرة من الأرصدة في المصارف، وهو ما تترتب عليه مخاطر تطال القطاعات الأعلى شأنا، سواء على مستوى الاتفاقيات أو الخطط المصرفية.

وتقول المدير المفوض للمصرف الإسلامي الدولي سها الكفائي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الاقتصاد ونمو الأعمال يستهدف بيئة آمنة مستقرة، وارتباك الوضع السياسي والأمني يخلق حالة من التخوف على المدخرات والسيولة، ما يؤدي إلى تزايد الطلب على العملة الأجنبية، وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار، وبالتالي صعود أسعار المواد الأساسية في الأسواق لأن أغلبها مستورد”.

وتوضح الكفائي، أن “ارتباك الوضع السياسي يتسبب بتخوف أصحاب الودائع والحسابات الجارية من فرض حظر تجوال طويل، ما يؤدي إلى سحب عال للسيولة من المصارف، فيرتبك العمل المصرفي ويؤثر بشكل سلبي على استقرار العمل واختلال التوازنات المصرفية نتيجة مخاطر متنوعة، وعلى رأسها مخاطر سعر الصرف ومخاطر تقلبات البيئة الخارجية وحالة الطوارئ غير المتوقعة”.

وتضيف “من جهة أخرى، تؤثر الأزمات السياسية على الاتفاقات والصفقات المبرمة، حيث يتم العزوف عن التنفيذ أو التأجيل في تنفيذ الدفوعات والتسديدات بكافة أنواعها، ومن الثابت في الاقتصاد أن التخوف من الإقدام على عقد اتفاقات مخطط لها والتراجع عن تنفيذها يربك القطاعات الاقتصادية المتنوعة”، مشيرة إلى أن “حظر التجوال الذي يفرض عادة في الاضطرابات الشديدة، يسبب إغلاق المتاجر والشركات والتوقف المفاجئ للحركة الاقتصادية، وكل ذلك يقود إلى خسائر بعضها منظور والبعض الآخر غير منظور”.

وشهدت العاصمة بغداد ومحافظات الوسط والجنوب يوما عصيبا، بدأ من ظهر الإثنين واستمر لصباح أمس الثلاثاء، حيث هاجم أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر كافة مؤسسات الدولة واشتبكوا بالسلاح مع الأجهزة الأمنية، ما أدى إلى سقوط نحو 15 قتيلا من صفوف التيار ومئات الجرحى، نتيجة للاشتباكات.

وقد استخدمت في الاشتباكات الصواريخ أيضا، ومنها الكاتيوشا والمحمولة على الكتف، كما فعلت السفارة الأمريكية منظومة السيرام لصدها.

وعلى خلفية تلك الأزمة، أعلنت الحكومة فرض حظر للتجوال، وحسب الإعلان في حينها فأنه يستمر لإشعار آخر، قبل أن يرفع يوم أمس بعد كلمة الصدر، الذي أوقف إطلاق النار وسحب معتصمي التيار من أمام البرلمان.

من جانبها، تعلق الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأزمات السياسية تتسبب بتأزم الوضع الاقتصادي أيضا، ولو تكررت الأزمة الأخيرة في قادم الأيام، فسوف تترتب عليها الآثار ذاتها، لأن حالة عدم اليقين هي التي تدفع الناس إلى زيادة الطلب على الغذاء والأدوية والمياه، وكذلك الدولار والذهب باعتبارهما ملاذا آمنا لحفظ المدخرات، فالدينار العراقي ليس عملة آمنة لأنه معرض للانحدار في الظروف العصيبة”.

وتبين سميسم، أن “عدم اليقين يظهر عندما تكون هناك أي حالة خطر سياسي أو اقتصادي أو أمني يؤدي إلى أن يصبح الفرد غير آمن في خياراته الاقتصادية ولا يعلم ما سيحصل في اليوم التالي”، موضحة أن “عدم اليقين يزداد أكثر عندما لا تكون هناك حكومة، لأن الفرد يبقى يواجه المجهول، ولا يعلم الموظف هل سيتسلم راتبه أم لا، وكذلك المتقاعد والعامل وغيرهم”.

وعقب بدء الأزمة، ارتفع مباشرة سعر صرف الدولار في الأسواق المحلية ليصل إلى 150 ألف دينار لكل 100 دولار، بعد أن كان 147 ألف دينار لكل 100 دولار، كما شهدت الأسواق زخما كبيرا من قبل المواطنين، الذين اتجهوا إلى تخزين المواد الغذائية وشراء الخبز والطحين.

وصبيحة يوم أمس، ارتفعت أسعار الخضر في السوق إلى مستويات كبيرة، بنحو 5 أضعاف سعرها، وذلك قبل رفع حظر التجوال وعودة الحياة لطبيعتها.

ومن الآثار الأخرى الناتجة عن الأزمة السياسية القائمة، هو ما صرح به رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي قبل أيام، بأن “وضع البلد لا يمكن أن يستمر في هذه الحالة، وما وصلنا إليه اليوم يمثل تراجعا عما كنا عليه”، مضيفا أنه “في نهاية هذا العام لا تستطيع الحكومة أن تنفق أي أموال من دون موازنة”.

وفي السياق ذاته، يفيد الصحفي الاقتصادي علي كريم اذهيب خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “الاقتصاد العراقي ريعي معتمد على النفط كما هو معروف، وهو أحادي الجانب ويعتمد على مورد واحد ويتأثر بأي أزمة داخلية أو خارجية لها تداعيات على سوق النفط كما حصل خلال جائحة كورونا ووصلت الحكومة إلى عجز كبير حتى في توفير رواتب موظفي الدولة، ما دفعها إلى رفع سعر الصرف”.

ويتابع اذهيب، أن “أية أحداث مستقبلية تشبه الأحداث التي وقعت في اليومين الماضيين ستؤثر بشكل كبير على الاقتصاد والأسعار، لأن السوق العراقية غير مراقبة بالشكل المطلوب ولا يوجد تحديد للأسعار خاصة بعد ٢٠٠٣، ما يجعل التلاعب بها أمر ممكن، إضافة إلى أن هذه الأحداث تصعب استيراد الحاجات الأساسية التي تغذي ٩٥ بالمئة من السوق، ما يشجع التجار على رفع أسعار البضائع الموجودة بحوزتهم”.

ويضيف “لاحظنا في الأزمة الأخيرة ارتفاع سعر الدولار إلى 150 ألف دينار لكل 100 دولار، وكان يمكن أن يرتفع أكثر لو طال أمد الأزمة، وارتفاع سعر الدولار يؤدي بالنتيجة إلى ارتفاع أسعار المواد المستوردة”، منوها إلى أن “الأزمات السياسية الحادة في العراق قد تخل حتى بتوازن الأسواق العالمية للنفط، فإغلاق مواقع إنتاج وتصدير النفط في العراق تحت أي ظرف كان سيتسبب بنقص في الإمدادات العالمية، لأن صادرات العراق تشكل من 5 إلى 7 بالمئة من الاحتياج العالمي للنفط”.

يذكر أن المادة 13 أولا من قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019 تنص على أنه “في حالة تأخر إقرار الموازنة العامة الاتحادية حتى 31 كانون الأول ديسمبر من السنة السابقة لسنة إعداد الموازنة يصدر وزير المالية إعماما بالصرف بنسبة 1 على 12 فما دون من إجمالي المصروفات الفعلية للنفقات الجارية للسنة المالية السابقة بعد استبعاد المصروفات غير المتكررة على أساس شهري ولحين المصادقة على الموازنة العامة الاتحادية”.

وكان المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، أكد في تصريح لـ”العالم الجديد” في 12 آب أغسطس الحالي، أن رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين مؤمنة بالكامل خلال العام المقبل، وتأخير إقرار الموازنة لعام 2023 لن يؤثر على صرف الرواتب.

إقرأ أيضا