بلومبيرغ: هل أصبح ألدّ أعداء الصدر نفاد صبره؟

نشر موقع “بلومبيرغ” البريطاني، مقالا تترجمه “العالم الجديد”، حول الأحداث الأخيرة التي قادها زعيم التيار…

نشر موقع “بلومبيرغ” البريطاني، مقالا تترجمه “العالم الجديد”، حول الأحداث الأخيرة التي قادها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر في العراق، وجاء بعنوان “لم يستطع الصدر السيطرة على الديمقراطية.. وربما يسحقها”، تطرق فيه إلى ملامح نهايات النظام السياسي، في ظل افتقار الصدر المتحمس للإجهاز عليه إلى رؤية واضحة تمكنه من إعداد نظام بديل.

ويقول كاتب المقال الصحفي الأمريكي اللبناني حسين يوسف كمال إيبش: “بعد ليلتين من أعمال العنف التي خلفت أكثر من 20 قتيلاً في المنطقة الخضراء المحصنة ببغداد، والتي تضم معظم أجهزة الحكومة العراقية، أصبح النظام السياسي الذي ظهر بعد الغزو الأمريكي عام 2003 على حافة الانهيار”.

ويلفت كاتب المقال، إلى أنها “لم تكن الأزمة الأولى من نوعها، لكنها الأخطر منذ سنوات عديدة، إذ يبدو أن الشخصية السياسية الأكثر نفوذاً في العراق، رجل الدين الشيعي الزئبقي مقتدى الصدر، على استعداد لإسقاط نظام أخفق في إتقانه”.

ويشير إلى أن “مسيرة الصدر بُنيت على إرث والده وعمه، وهما اثنان من أكثر المراجع الدينية الشيعية احتراماً في جيلهم، في حين يفتقر هو إلى سعة الاطلاع والمؤهلات الدينية، وليس لديه خبرة حكومية، لكنه نجح في بناء سلطة دينية وسياسية جنبا إلى جنب، يكمل كل منهما الآخر، الأمر الذي جعله شخصية مؤثرة بشكل ملحوظ في العراق الجديد”.

بعد الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول أكتوبر 2021 ، نال أنصار الصدر، وهم الفصيل الشيعي الأساسي المناهض لإيران في السياسة العراقية، 73 مقعداً، أي ضعف عدد أقرب منافس له، كما يرى الكاتب الأمريكي، منوها إلى أنه “أمضى شهوراً في محاولة تشكيل حكومة، إلا أنه فشل في مهمته، وأدى إحباطه إلى سلسلة من الحسابات الخاطئة المذهلة، والتي بلغت ذروتها هذا الصيف، لاسيما بعد الإعلان المفاجئ عن اعتزاله السياسة، ومهاجمة أنصاره الغاضبين القصر الحكومي، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات”.

ويردف “لإنقاذ سمعته، اعتذر الصدر بدهاء للشعب العراقي عن إراقة الدماء، وهي لفتة رائعة في بلد يتمتع بتقاليد قوية من القادة ذوي التفكير الاستبدادي، وأمر أتباعه بمغادرة المنطقة الخضراء، وفعلوا ذلك يوم الثلاثاء الماضي، وأنهوا الاشتباكات، وأكدوا قدرته الفريدة على قيادة ليس فقط الميليشيات المسلحة، ولكن الحشود الكبيرة والمتفانية”.

مع ذلك، ومنذ فوزه في انتخابات تشرين الأول أكتوبر الماضي، وهو يواصل الإخفاق بشدة في تحويل مزاياه التنافسية إلى قوة سياسية عملية، إلا أنه ليس الملام الوحيد، بل إن خصومه الشيعة الموالين لإيران أكثر تهوراً وخطورة وعنفا، فالجماعات الكردية منقسمة بشكل ميؤوس منه، في حين تنقسم الفصائل السنية الى حد كبير مابين حلفاء متفرقين لدول في الخليج العربي”.

ويتساءل “لطالما كان النظام السياسي العراقي بعد عام 2003 بائساً، لكن لماذا أصبح الصدر الآن فقط، جاهزاً وراغباً وقادراً على دفعه للانهيار”، ليجيب عن ذلك بقوله، إن “قوة الصدر السياسية لا يمكنها أن تُكسِبهُ أكثر من ما تعطيه سلطته كرجل دين، إلا أن صفاته الدينية لم تساعده في إتقان إدارة المال والمحسوبية التي ينطوي عليها تشكيل حكومة في نظام برلماني، لذا فإن جهود الصدر فشلت في الجمع بين السلطة الدينية القائمة بشكل أساسي على أسلافِه وبين سلطته السياسية القائمة على العمل خلف الكواليس، في نظام تكون فيه السلطة الإدارية بيد الوزارات والمكاتب الحكومية”.

 

من غير المحتمل للصدر أو أية شخصية سياسية أخرى أن يحصل في أي وقت قريب على سيطرة مباشرة على 73 مقعداً في البرلمان المؤلف من 329 عضوا، كما يتابع الموقع البريطاني، لكن نفاد الصبر كان ألد أعداء الصدر، فكما يفتقر الى السلطة الدينية الشيعية التي يطمح اليها، فشل في تحمل المفاوضات الطويلة والمحبطة لتشكيل حكومة، والتي يفترض أن يكون هو المسؤول عن تشكيلها”.

ويدعي الصدر الآن أنه اعتزل السياسة، لكن أحدا لن يصدقه، على حد تعبير الكاتب، فعلى الرغم من أنه قالها عدة مرات سابقا، إلا أنه ما يزال الشخصية السياسية الأهم في العراق، ويبدو أكثر إصرارا هذه المرة على ضرورة رحيل نظام ما بعد عام 2003، لأنه من الواضح قد فشل (أي النظام) في خدمة مصالحه.

ويضيف المقال “يبدو أن الصدر يفتقر إلى خطة لإعداد هيكل سياسي وطني بديل، ناهيك عن كونها خطة قابلة أو غير قابلة للتطبيق”، لافتا إلى أن “أي جهد للجمع رسمياً بين السلطة الدينية والسياسية في العراق، على غرار الطريقة الإيرانية، محكوم عليه بالفشل، لأن الشعب العراقي لا يضم أغلبية شيعية كبيرة بما يكفي، حيث يشكل المسلمون السنة 35 بالمئة على الأقل من السكان، بالإضافة إلى المعارضة القوية لمثل هذا النمط من الحكم داخل المجتمع الشيعي نفسه”.

ويرى كاتب المقال، أن “لكل من إيران والولايات المتحدة مصلحة راسخة في إنقاذ النظام السياسي، حيث أن كليهما سيشعر بقلق عميق بسبب تزايد عدم الاستقرار في العراق، ومع ذلك، أعطت إيران الضوء الأخضر لوكلائها لمواجهة الصدر سياسياً، بينما تحافظ الولايات المتحدة بحكمة على عدم لفت الأنظار، مع العمل بلا شك خلف الكواليس لتقوية رئيس الوزراء المؤقت مصطفى الكاظمي”.

ويختتم موقع “بلومبيرغ” مقاله بالقول “سيتعين على العراقيين استعادة توازنهم، إذ لا أحد غيرهم قادر على فعل ذلك من أجلهم”، منوها إلى أن “جهود الصدر في الجمع بين طموحاته الدينية والسياسية، والتي كانت متناقضة الى حد ما، قد وصلت فيما يبدو إلى طريق مسدود، وأن العراق هو من يدفع الثمن”.

إقرأ أيضا