“تشرين” تعود.. وتتوعد

من ساحة النسور غربي بغداد، لوحت “تشرين” بتلويحة سريعة قد تخفي الكثير، وعلى الرغم من…

من ساحة النسور غربي بغداد، لوحت “تشرين” بتلويحة سريعة قد تخفي الكثير، وعلى الرغم من أن بعض التنسيقيات التشرينية ما زالت رافضة العودة إلى الشارع، إلا أنها تدرس الخيار مع التنسيقيات المؤيدة، على أمل التوصل إلى صيغة تمنع تحويل الحراك الاحتجاجي إلى أداة تستخدمها الجهات السياسية، وفيما يؤكد ناشط بارز في احتجاجات تشرين عدم وجود أي تنسيق مع التيار الصدري بشأن التظاهرات المزمع تنظيمها بعد الزيارة الأربعينية، يتوقع محلل سياسي عودة تشرين بحلتها المليونية في قادم الأيام.

ويقول الناشط البارز في تظاهرات تشرين ضرغام ماجد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أعداد المشاركين في تظاهرات ساحة النسور كانت جيدة ولكنها ليست كبيرة جدا، لأن الدعوة إلى التظاهر سبقت الموعد بوقت قصير، إلا أن الأعداد في قادم الأيام ستكون أضعاف هذه الأعداد، كما كانت أيام ذروة تشرين”.

ويبين ماجد، أن “التظاهرات المرتقبة في المرحلة المقبلة، ستكون تظاهرات شعبية بعيدة عن أية جهة سياسية مهما كانت، وساحة الاحتجاج مفتوحة لكل عراقي، بعيدا عن أي انتماء، ولا يوجد أي تنسيق مع التيار الصدري بشأن التظاهرات المقبلة”.

ويضيف أن “التظاهرات المقبلة بعد انتهاء زيارة أربعينية الإمام الحسين، ستكون حاشدة، وهذا الضغط الشعبي سيبقى مستمرا ومتواصلا لحين تحقيق المطالب، ولا نخشى أي قمع كما حصل معنا في تظاهرات 2019، فلا تراجع عن الإصلاح والتغيير الجذري”.

وكان مئات ممن يمثلون تيارات متعددة بينها قوى تشرين تظاهروا يوم الجمعة الماضي (2 أيلول سبتمبر 2022)، في ساحة النسور غربي بغداد للمطالبة بإسقاط النظام السياسي، ثم أنهوا التظاهرة وانصرفوا بعد مرور نحو ساعة.

وفي ختام التظاهرة، تمت قراءة بيان مشترك طالب الكتل السياسية بترك السلطة وإغلاق مقارها والانسحاب من العملية السياسية دون رجعة، والمجتمع الدولي بسحب الشرعية عن هذه “الطبقة الفاسدة”، وإيقاف العمل بالدستور، وتشكيل حكومة إنقاذ وطنية بعيدة عن حكم الكاظمي، تشكلها الكفاءات ممن لم يشتركوا بالعملية السياسية بعد 2003، لتكون حكومة كاملة الصلاحيات تأخذ على عاتقها إعادة كتابة الدستور بما يتسق مع طموحات الشعب وتعدد أطيافه، وتغير شكل نظام الحكم إلى رئاسي أو شبه رئاسي وتهيئ لانتخابات سريعة.

وتعد هذه أول تظاهرة تشهدها بغداد بعد انسحاب أنصار التيار الصدري وأنصار الإطار التنسيقي من تظاهراتهم واعتصاماتهم داخل المنطقة الخضراء، والتي تحولت إلى اشتباكات مسلحة الأسبوع الماضي دفعت زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى الإيعاز لأنصاره بالانسحاب، ليتخذ الإطار خطوة مماثلة.

من جهته، يوضح الناشط في الاحتجاجات، علي الناصري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك اختلافا في وجهات النظر والآراء بين “تنسيقيات تشرين” بشأن التظاهرات الشعبية المؤمل خروجها بعد انتهاء زيارة أربعينية الإمام الحسين، فهناك من يدعم الخروج وهناك من يرفض ذلك”.

ويشير الناصري، إلى أن “الهدف من الاعتراض على خروج تظاهرات التشرينيين، هو منع استغلالها من قبل التيار الصدري، الذي يرغب بالنزول إلى الشارع من جديد، ضمن صراعه السياسي مع الإطار التنسيقي، ولهذا نحن لا نريد أن نكون أدوات لهذا الصراع السياسي، الذي سينتهي بعد تقسيم المناصب والمغانم بين الطرفين”.

ويتابع أن “التواصل والاتصالات مستمرة مع غالبية تنسيقيات تشرين في المحافظات كافة من أجل محاولة توحيد المواقف بشأن الحراك الاحتجاجي في قادم الأيام، حتى لا يتم استغلال التشرينيين كما حصل سابقا من قبل التيار الصدري وغيره”.

وكان ممثلون لساحات التظاهر عقدوا، في 2 آب أغسطس 2022، اجتماعا موسعا في ناحية الدبوني بمحافظة واسط، وأصدروا بيانا موحدا بخصوص الأوضاع على الساحة العراقية، أكدوا فيه عزمهم المشاركة بتظاهرات التيار الصدري آنذاك ودخول المنطقة الخضراء، مطالبين بتطمينات من الصدر للاستمرار في الاحتجاج بسبب “انعدام الثقة بالتيار الصدري”، كونه “جزءا من منظومة الحكومات الفاسدة المتعاقبة، فضلا عن الانسحاب المخيب للآمال لاحتجاجات 2016 والتي شارك فيها الشعب ثقة بالتيار الصدري للخلاص من المنظومة السياسية الفاسدة، يتبعها عدة مواقف تحوم خلالها شبهات القتل والقمع حول التيار الصدري، فضلا عن تذبذب القرارات القيادية للتيار وعدم وجود خارطة طريق واضحة للاحتجاجات الحالية”، على حد تعبيرهم.

وأجمل بيان المتظاهرين، تلك التطمينات بنقاط أبرزها “محاسبة فاسدي التيار، وتعهد الصدر بتحقيق جزء من المطالب الشعبية الملحة، كحل أزمة الماء أو توزيع البطاقة التموينية، وتقديم خارطة طريق واضحة المعالم للخطوات والبدائل القادمة”، معلنا تأييدهم لـ”مطالب تغيير شكل النظام وإعادة كتابة الدستور ومحاسبة الفاسدين”.

في حين، رفض متظاهرون في ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية (جنوبي البلاد)، وهي إحدى أيقونات تظاهرات تشرين، في بيان لهم، بتاريخ 3 آب أغسطس الماضي، أية مشاركة في التظاهرات الصدرية، لأنها عبارة عن “صراع من أجل المناصب والمكاسب في حكومة الأحزاب والطبقة السياسية الفاسدة، وليست للشعب فيها مصلحة أو فائدة”، على حد تعبير البيان، الذي أشار أيضا إلى أن “ثوار ساحة الحبوبي لن يكونوا جزءا من هذا الصراع ولن يكونوا حطبا في محرقة الأحزاب التي عاثت في بلدنا الخراب والفساد على مدى 19 سنة”، منوها إلى أن “تشرين هي الصادقة بإسقاط النظام وهي الصادقة بالتغيير الجذري ولا ننتظر من جهة أو حزب أن يتبنى هذه المطالب وهو جزء من هذا النظام الفاسد”.

إلى ذلك، يرى المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عودة تظاهرات تشرين إلى الساحة العراقية في ظل الأزمة الحالية، سيكون لها أثر كبير في التأثير على المشهد، خصوصا إذا ما عادت تشرين المليونية في قادم الأيام، وإذا دعمت من قبل أنصار التيار الصدري”.

ويلفت البيدر إلى أن “عودة تشرين مرة أخرى بنفس الزخم البشري أمر وارد جدا، خصوصا في ظل الأزمة السياسية وفشل القوى السياسية في الوصول لأي حلول طيلة الأشهر الماضية واستمرار الإخفاق في توفير أبسط متطلبات المواطنين، وربما تعود احتجاجات تشرين أقوى من السابق، خصوصا أن ما حصل سابقا يمكن أن يكون درسا حتى لا تتكرر بعض الأخطاء”.

ويضيف أن “الكل يدرك جيدا أن أي حراك شعبي لا يكون سلميا سيكون مصيره الفشل، ولهذا ستكون عودة تشرين سلمية، والتحاق الصدريين بهذه التظاهرات سيكون سلميا، كما أنهم لن يشاركوا بأي عنوان سياسي وإنما يندمجون مع متظاهري تشرين، وهذا ما سيولد ضغطا شعبيا كبيرا على الطبقة السياسية”.

ويمر العراق بأزمة سياسية خانقة بدأت تتفاقم بعد إعلان نتائج انتخابات تشرين الأول أكتوبر 2021، حيث فازت الكتلة الصدرية بأعلى عدد من المقاعد البرلمانية بين بقية الكتل، ما أثار استياء الإطار التنسيقي الذي يضم معظم القوى الشيعية المقربة من إيران والفصائل المسلحة، فطعن بالنتائج زاعما أن الانتخابات مزورة.

وسعى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى تشكيل حكومة أغلبية بالالتحام مع تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن المحكمة الاتحادية تلقت طلبا بتفسير المادة الدستورية المتعلقة بنصاب جلسة البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية، فجاء التفسير مشترطا حضور ثلثي أعضاء البرلمان لتحقق النصاب، ما مكن الإطار من تشكيل “ثلث معطل” أحبط أكثر من جلسة لانتخاب الرئيس والمضي في تشكيل الحكومة.

وفي إثر ذلك، قرر الصدر سحب نوابه من البرلمان، فقدموا استقالاتهم في 12 حزيران يونيو 2022، فسارع الإطار إلى شغل مقاعدهم وتكوين أغلبية برلمانية قادرة على تشكيل الحكومة، لكن الصدر قرر مواجهتهم بقوة الشارع، فقد اقتحم أنصاره مبنى البرلمان في 27 تموز 2022 ثم اعتصموا حوله، ما أدى إلى تعطله.

جدير بالذكر، أن تشرين الأول أكتوبر 2019، شهد أكبر حراك احتجاجي، عبر تظاهرات أطلق عليها “ثورة تشرين”، لكن سرعان ما واجهتها الأجهزة الأمنية بالعنف، ما أدى إلى مقتل أكثر من 600 متظاهر وإصابة نحو 26 ألفا آخرين، كما أسفرت عن استقالة رئيس الحكومة في حينها عادل عبد المهدي، حتى تم التصويت على حكومة مصطفى الكاظمي في أيار مايو 2020.

إقرأ أيضا