صفحة الاغتيالات تتكرر.. هل بدأ العد التنازلي لـ”حرب الإخوة”؟

اغتيالات مرت بصمت في بغداد طالت عناصر في فصائل مناوئة للتيار الصدري، لكنه صمت قد…

اغتيالات مرت بصمت في بغداد طالت عناصر في فصائل مناوئة للتيار الصدري، لكنه صمت قد لا يطول، في ظل تأكيد خبير أمني على استحالة منع الاغتيالات في العراق لعدم توفر وسائل إنجاح هكذا قرار، وفيما يبدي الإطار التنسيقي تفاؤله بأن التهدئة ستغلب التوتر، يشير محلل سياسي إلى أن خيار الاستقرار والفوضى بيد القوى المهيمنة على المشهد العراقي.

ويقول الخبير الأمني عماد علو خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الأجهزة الأمنية لا تستطيع السيطرة على عمليات الاغتيال، لأنها شبيهة بالأعمال الإجرامية، فهي ليست عمليات يسبقها إعلان أو تحرك يمكن تتبعه، ما يجعل التصدي لها صعبا”.

وشهدت محافظة ميسان جنوبي البلاد، موجة اغتيالات متبادلة في شباط فبراير الماضي، بين سرايا السلام وعصائب أهل الحق، أودى بحياة عدد من الأشخاص، ولم تنته إلا بتدخل مباشر من زعيمي الجماعتين، مقتدر الصدر وقيس الخزعلي، وتشكيل لجنة صلح بين سرايا السلام، وجماعة “عصائب أهل الحق”، توسط لأجلها رجال دين ومسؤولون أمنيون.

تكرار هذه الصفحة سرا كما تشير مصادر أمنية مختلفة، تزامنت مع تحذير برقية أمنية صادرة في بغداد، تفيد بأخذ الاحتياطات من أي اختلالات أمنية، تتمثل بمحاولات استهداف بعض القيادات وعناصر الفصائل المسلحة أو التيار الصدري، مبينة أن “العمليات قد تنفذ بواسطة عجلات لا تحمل لوحات مرورية وعجلات مظلة، ودرجات نارية يستقلها أكثر من شخص واحد”، داعية إلى “تدقيق المعلومات واتخاذ الإجراءات اللازمة“.

ويشدد علو على “ضرورة الوصول إلى تفاهمات سياسية لكبح الأعمال المسلحة، وعدا ذلك لا توجد دولة أو أجهزة أمنية في العالم تستطيع استباق الاغتيالات ومنعها إلا بعد الحصول على معلومات استخباراتية دقيقة، والكل يعلم أن البيئة العراقية مليئة بالفوضى وتداخل الخنادق، لذلك ستستمر الاغتيالات”.

ويبين أن “السبيل الوحيد حاليا لمنع الاغتيالات في العراق هو السيطرة على السلاح المنفلت، وعلى الرغم من أن هذا الكلام يبدو مجرد شعار، لكن تنفيذه غير مستحيل، وإذا نفذ القانون بحق حملة السلاح خارج نطاق الدولة ستنتهي الاغتيالات”.

وكانت الخلافات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي بلغت مرحلة الاشتباك المسلح الأسبوع الماضي داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد، وقد عده مراقبون على نطاق واسع بداية لحرب أهلية طاحنة في العراق.

وبدأت أحداث المنطقة الخضراء، ظهر الإثنين (29 آب أغسطس الماضي)، مع بيان للمرجع الديني كاظم الحائري، الذي أعلن فيه اعتزاله عن دوره كمرجع ديني بشكل تام، داعيا إلى طاعة “قائد الثورة الإسلامية” في إيران علي خامنئي، كما أشار في بيانه إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عبر قوله “على أبناء الشهيدين الصدرين أن يعرفوا أن حب الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقي لأهدافهما التي ضحيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرد الادعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين، أو يتصدى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية فهو -في الحقيقة- ليس صدريا مهما ادعى أو انتسب”.

ورد الصدر على بيان الحائري، قائلا “يظن الكثيرون بما فيهم السيد الحائري أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم، كلا، إن ذلك بفضل ربي أولا ومن فيوضات السيد الوالد قدس سره الذي لم يتخل عن العراق وشعبه.. على الرغم من استقالته، فإن النجف الأشرف هي المقر الأكبر للمرجعية كما هو الحال دوما.. وإنني لم أدع يوما العصمة أو الاجتهاد ولا حتى (القيادة) إنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر ولله عاقبة الأمور”.

وتابع الصدر في بيانه “على الرغم من تصوري أن اعتزال المرجع لم يك من محض إرادته، وما صدر من بيان عنه كان كذلك أيضا، إلا إنني كنت قد قررت عدم التدخل في الشؤون السياسية، فإنني الآن أعلن الاعتزال النهائي وغلق كافة المؤسسات إلا المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر الكرام، والكل في حل مني، وإن مت أو قتلت فأسالكم الفاتحة والدعاء”.

ولم يمر سوى وقت قليل جدا بعد بيان الصدر، حتى توجه الآلاف من أنصار التيار الصدري إلى المنطقة الخضراء، وبدأوا مرحلة تصعيدية، تمثلت بالدخول للقصر الجمهوري والقصر الحكومي، والسيطرة على القصرين، وسط انفلات أمني كبير حصل مباشرة بعد بيان الصدر.

وبلغت الأزمة ذروتها بعد نحو الساعة السابعة من مساء الإثنين، حيث اشتدت المواجهات بين سرايا السلام وبين الفصائل المسلحة والقوات الأمنية، سواء في بغداد أو المحافظات الجنوبية، واستمرت حتى صباح الثلاثاء، قبل أن يظهر الصدر في مؤتمر صحفي في الساعة 11 صباحا ليأمر أتباعه بالانسحاب خلال مدة لا تزيد عن 60 دقيقة، وقد انسحبوا بالفعل تنفيذا لأمره.

إلى ذلك، يفيد القيادي في الإطار التنسيقي وائل الركابي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “الأمور ستمضي إلى التهدئة والحوار بحسب توقعاتنا، لأن من غير المعقول أن يمضي البلد بفرض إرادة معينة”، لافتا إلى أن “ما مر به الشارع من أحداث، وصولا إلى أحداث المنطقة الخضراء، سيدفع العقلاء الذين يعرفون تداعيات التوتر والتشنج إلى إحلال السلام بين جميع الأطراف”.

ويضيف الركابي، أن “هناك أجندات خارجية تعمل على موضوع الاغتيالات، لأن الدم العراقي غال ولا يمكن أن يستباح”، مشددا على أن “التصفية الجسدية مرفوضة شرعا وأخلاقا وقانونا وإنسانيا، فلا يجوز تحت أي ظرف اللجوء إلى التصفيات الجسدية ضد المعارضين السياسيين”.

وشهدت البصرة، ليل الأربعاء 31 آب أغسطس 2022، اشتباكات مسلحة امتدت حتى صباح الخميس، قتل خلالها اثنان من عناصر سرايا السلام على الأقل، فيما تحدثت تقارير عن مقتل 4 مسلحين من طرفي الاشتباك.

وفي إثر اشتباكات البصرة، نشر صالح محمد العراقي، الشخصية الافتراضية الناطقة باسم الصدر، تغريدة قال فيها “أحذرك يا قيس إذا لم تكبح جماح مليشياتك الوقحة وإذا لم تتبرأ من القتلة والمجرمين التابعين لك أو تثبت أنهم لا ينتمون إليك فأنت أيضا وقح.. كفاك استهتارا بدماء الشعب أيا كانوا، فإن أعطيت لنفسك الولاية بقتل أتباعك مثل (أبا ذر) فلا يعني أنك تنصب نفسك جلادا لكي تغتال كلابك المسعورة الأسود، والحشد براء منك أيها الوقح”.

ورد الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، على تغريدة “وزير القائد” بتغريدة دعا فيها أتباعه إلى عدم الرد على “الإساءات التي توجه إلي شخصيا”، فيما أوعز بغلق مقرات العصائب حتى إشعار آخر، مشيرا إلى أن “أي مكتب يراد حرقه فليحرقوه ولا تهتموا لذلك”.

من جهته، يرى المحلل السياسي علي البيدر خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق الآن يعيش نصف حرب ونصف سلام، ونصف استقرار مقابل نصف فوضى، وإذا استطاعت القوى السياسية المهيمنة على المشهد أن تسيطر على جزء كبير من السلطة، وأن تسيطر على الخلافات في ما بينها، يمكن كبح جزء كبير من الحرب والاقتتال الداخلي، ويمكن إيصال البلاد إلى حالة من الاستقرار”، مستدركا “إذا حصل العكس سوف نجد حالة من التشنج الذي قد يؤدي إلى تجدد الفوضى مستقبلا وزيادة وتيرتها أكثر من السابق”.

وبشأن التدخل الدولي لتهدئة الصراع في العراق، ينوه البيدر، إلى أنه “ليس بإمكان سفير دولة أن يواجه زعيم ميليشيا مثلا، وحتى الحضور الأمريكي وغيره في العراق لا يمكن أن يسيطر على جزء من الأزمة وتقليل حدتها بعد أن صار السلاح من أدوات الصراع، فذلك يقوض التوجهات الدبلوماسية والتحركات الدولية الساعية إلى التهدئة، كما أن القوى الكبرى قد تكون مستفيدة من فوضى العراق أكثر من استقراره”.

وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي تلقى، في 31 آب أغسطس 2022، مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي جو بايدن لمناقشة دعم الولايات المتحدة “لعراق مستقل وذي سيادة”، وفق بيان للسفارة الأمريكية في بغداد أشار أيضا إلى أن “بايدن أشاد بأداء القوات الأمنية العراقية خلال اشتباكات المنطقة الخضراء ورحب بعودة الأمن إلى الشوارع، ودعا جميع القادة العراقيين إلى الانخراط في حوار وطني لصياغة طريق مشترك للمضي قدما يتفق مع دستور العراق وقوانينه”.

يذكر أن الصدر على خصومة قديمة مع رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وأمين عام عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، حيث شن المالكي حربا على “جيش المهدي” الذراع المسلح السابق للتيار الصدري عام 2008 في عملية سميت “صولة الفرسان”، بينما انشق الخزعلي عن التيار الصدري بعد عام 2006، ليؤسس عصائب أهل الحق، بعد أن كان منتميا لجيش المهدي.

وخاض التيار الصدري والعصائب صراعا مسلحا في فترات لاحقة للانشقاق بينهما في أكثر من مدينة، بينها العاصمة بغداد، فيما استعر الخلاف بينهما بعد اغتيال القيادي في العصائب وسام العلياوي وشقيقه، خلال تظاهرات تشرين، وتحديدا في 25 تشرين الأول أكتوبر 2019 حيث اتهم القتلة بارتباطهم بالتيار الصدري.

إقرأ أيضا