بين تحريك السوق وتضخم العملة.. ما تأثير القروض المصرفية على الاقتصاد؟

مع زيادة القروض المصرفية الممنوحة للمواطنين، يسلط خبراء في الاقتصاد الضوء على أبرز إيجابياتها وسلبياتها،…

مع زيادة القروض المصرفية الممنوحة للمواطنين، يسلط خبراء في الاقتصاد الضوء على أبرز إيجابياتها وسلبياتها، معرّجين على الضمانات غير المعقولة والفوائد المبالغ بها الخاصة بتلك القروض، ومدى تأثيرها على أسعار العقارات ومستويات التضخم.

ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “من إيجابيات القروض منح فرصة للمواطنين لإنشاء مشاريع أو الحصول على سكن، لكن سلبياتها كثيرة، ومنها أن الضمانات المطلوبة لتغطية القرض أكبر من قيمة القرض ذاته”.

ويوضح المشهداني، أن “قروض المشاريع الصغيرة لا تتجاوز 50 مليون دينار، والمتوسطة لا تتجاوز 250 مليون دينار، أما قروض المشاريع الكبيرة فيمكن أن تبلغ أكثر من مليار دينار، لكن المشكلة أن من يحصل على قرض عليه تقديم ضمان عقاري، ويتم احتساب سعر العقار وفقا للدفتر الضريبي، فمثلا تبلغ القيمة الضريبية للمتر المربع الواحد في منطقة المنصور ببغداد 750 ألف دينار، بينما تصل قيمته في السوق إلى سبعة ملايين و500 ألف دينار، وبالتالي فإن من يحصل على قرض قيمته مليار دينار ولديه عقار قيمته السوقية مليار دينار لا يستطيع استخدامه كضمان، لأن البنك سيحتسب قيمته بـ100 مليون دينار فقط، استنادا إلى القيمة الضريبية، ما يجعل المقترض بحاجة إلى 10 عقارات قيمة كل واحد مليار دينار ليغطي قرضا قيمته مليار دينار، وذلك عدا سعر الفائدة”.

وتعلن المصارف العراقية، لاسيما الحكومية منها، بشكل شبه يومي عن إطلاق قروض وسلف، آخرها إعلان مصرف الرافدين، في 4 أيلول سبتمبر 2022، إطلاق وجبة جديدة من سلف المتقاعدين التي تبدأ من 5 ملايين دينار وحتى 25 مليون دينار، بعد استكمال كافة إجراءات المنح، وفق الضوابط والتعليمات، فيما أشار إلى أن فروعه ما زالت مستمرة في استقبال طلبات معاملات الترويج عن السلف للموظفين والعقود ومنتسبي القوات الأمنية والمتقاعدين.

ويشير المشهداني، إلى أن “قطاع السكن كان الأنشط في استيعاب مبادرة البنك المركزي للإقراض، ولكن مع ذلك كانت مبالغ القروض قليلة ومدة السداد قصيرة، والآن تم رفع المبلغ إلى 150 مليون دينار، لكن شروطه تناسب فئة صغيرة من الموظفين، إذ يجب أن يتقاضى الموظف راتبا لا يقل عن 3 ملايين و500 ألف دينار شهريا ليحصل على هذا القرض، لأن أقساطه الشهرية تبلغ مليونا و500 ألف دينار”، معتبرا أن “فئة القروض بين 50 و100 مليون دينار كانت مناسبة وساهمت نوعا ما في تخفيف حدة أزمة السكن، لأنها مولت حتى الأراضي والمنازل بمساحة 50 مترا مربعا، لكنها أدت إلى تشويه الأحياء السكنية بفعل تقطيع الأراضي والمنازل إلى مساحات ضيقة للغاية”.

ويضيف أن “مبادرة البنك المركزي للإقراض معقولة، فمدة السداد تصل إلى 15 سنة وبفائدة كلية تبلغ 30 بالمئة، أي أن من يقترض 100 مليون دينار يسدد 130 مليونا على مدى 15 سنة، وهذا مناسب”، مبينا أن “القروض ليست سببا رئيسا في ارتفاع أسعار العقارات في العراق، فمبادرة الإقراض موجودة قبل ارتفاع الأسعار، ولو عدنا إلى مبادرة البنك المركزي فكل ما تم صرفه لا يتجاوز 3 ترليونات دينار منذ عام 2016 لغاية عام 2022، أي خلال 6 سنوات، وهذا ليس برقم كبير”.

وكانت رئيسة هيئة الاستثمار سها النجار أكدت، في 20 حزيران يونيو 2022، وجود تعاون مع البنك المركزي بخصوص المشاريع السكنية، إذ سيلتزم المستثمر بسعر الوحدة السكنية وفق عقد ولا يتمكن من رفع السعر، مشيرة إلى أن تدخل الهيئة والبنوك في تحديد سعر الوحدة مع المستثمر سيكون له دور كبير في عدم رفع الأسعار.

وتعد أسعار العقارات في العراق مقارنة بالوضع الخدمي المتردي، أعلى من بعض دول المنطقة، التي تشهد تطورا كبيرا في الخدمات واستقرارا أمنيا ملحوظا، مثل تركيا، حيث يبلغ متوسط سعر الإيجار في العاصمة الاقتصادية اسطنبول، والتي تعد مركز جذب سياحي عالمي نحو 500 دولار، فيما تتراوح أسعار الإيجارات في المدن الأخرى بين 150 و300 دولار، مع توفر كافة الخدمات، في حين تتراوح أسعار الشقق في تركيا بين 40 و80 ألف دولار، سواء في اسطنبول أو المدن الأخرى.

من جهته، يفيد الخبير الاقتصادي ملاذ الأمين خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “من إيجابيات منح القروض للمواطنين هو تحريك السوق، فالسوق يتحرك عند ضخ كميات من الأموال فيه”، مشيرا إلى أن “من سلبيات القروض أنها تسبب تضخما في أسعار السلع، فضلا عن الفوائد المبالغ فيها التي تفرضها البنوك على المقترضين، والتي تجعل القروض مفيدة لأصحاب رؤوس الأموال والبنوك وليس للمواطنين”.

ويتابع الأمين، أن “القروض من الأسباب الرئيسة لارتفاع أسعار العقارات، فعندما يعطي المصرف قرضا يصل إلى 150 مليون دينار سيرتفع الطلب على العقارات، ما يتسبب بارتفاع أسعارها”، مقترحا “احتساب الفوائد على ما يتبقى من مبلغ القرض بعد تسديد جزء منه وليس على المبلغ الأصلي له”.

وأعلن مصرف الرافدين، في 28 آب أغسطس 2022، أن القروض الممنوحة والمنجزة بلغت 187 قرضا تنوعت ما بين قروض الترميم والتأهيل وقروض إسكان المواطنين وقروض المشاريع الصغيرة وقروض شراء الدور السكنية، وفيما أشار إلى منح 24 قرضا للترميم والتأهيل وإسكان المواطنين و163 قرضا لتمويل المشاريع الصغيرة، أوضح أنه تم منح 63 قرضا من قروض الـ150 مليون دينار لشراء دار سكن للمواطنين والموظفين والمتقاعدين.

وكان البنك المركزي العراقي أعلن، في 16 كانون الثاني يناير 2022، زيادة مبلغ مبادرته لإقراض المشاريع الصغيرة والمتوسطة بمبلغ تريليون دينار ليصبح إجمالي المبلغ المخصص لهذا الهدف تريليوني دينار.

إلى ذلك، تبين الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “للقروض دورا كبيرا في تحريك عجلة الاقتصاد في البلد، ولكن في هذه المرحلة تحديدا يشكل أي قرض زيادة في ضخ النقود في السوق، وهذا يؤدي إلى زيادة التضخم”.

وتضيف سميسم، أنه “يمكن للقروض أن تساهم في تأسيس مشاريع مربحة كما هو الحال في العالم العربي، ولكن يجب أن تكون هناك بيئة وقوانين فاعلة، ولكننا لدينا قوانين الكفالة وغيرها ما زالت كلها تسير وفق البيروقراطية القديمة، إضافة إلى وجود شبكات من المعقبين وغيرهم يأخذون عمولات، ما يجعل العملية غير اقتصادية”.

وبحسب بيانات البنك المركزي، أسهمت المبادرات الإقراضية في دعم قطاعات الصناعة والزراعة والإسكان والتجارة، وأصبحت تشكل ما يقرب من 30 بالمئة من إجمالي الائتمان الممنوح للقطاع الخاص، كما أسهمت في خلق آلاف فرص العمل، وتمويل ما يقرب من ثلاثة آلاف وحدة سكنية في عموم العراق.

يذكر أن البنك المركزي أطلق مبادرات إقراضية متعددة، منها مبادرة تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومبادرة المشاريع الكبيرة البالغة 5 تريليونات دينار لتمويل المصارف المتخصصة، فضلا عن 3 تريليونات دينار لدعم القطاع العقاري، وأخيرا مبادرة تمويل الطاقة النظيفة بمبلغ تريليون دينار ليصبح إجمالي المبالغ المخصصة للمبادرات التنموية أكثر من 15 تريليون دينار عراقي.

وتجدر الإشارة إلى أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أعلنت، في 15 أيار مايو 2022، عن تمكنها منذ العام 2003 ولغاية نهاية العام 2021 من إطلاق نحو 60 ألف قرض للباحثين عن العمل والخريجين، معتمدة نظام النقاط والأسبقية والحالة الاجتماعية والشهادة في عملية منح القروض، بينما أطلقت 35 وجبة للقروض الصغيرة على مدار السنوات الماضية.

إقرأ أيضا