الجفاف يعصف ببابل ويحرمها الزراعة الصيفية.. فما الحل؟

​​​​​​​أزمة جفاف حادة تضرب مناطق شمال وجنوب محافظة بابل، بعد الانخفاض الكبير في مناسيب المياه…

أزمة جفاف حادة تضرب مناطق شمال وجنوب محافظة بابل، بعد الانخفاض الكبير في مناسيب المياه الواصلة إليها، ما أدى، وفقا لمسؤولين وخبراء بالمياه، إلى تأثر الزراعة بشكل كبير، وغياب الخطة الصيفية بالكامل عنها، إلى جانب ارتفاع نسبة الملوحة في المياه القليلة التي تصلها، فيما دعا خبير مائي للإسراع بتشكيل لجنة عليا تقضي على التجاوزات لتخفيف وطأة العجز المائي.

ويقول نائب رئيس مجلس محافظة بابل سابقا عقيل الربيعي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “شح المياه لم يعد حديثا أو مستجدا، وخاصة في بابل التي عانت من انخفاض مناسيب المعدلات الطبيعية للمياه، فقد انخفض منسوب شط الحلة من 180 مترا إلى ما دون 110 أمتار”.

ويتابع الربيعي “بالنسبة للزراعة، فإن مشروع المسيب مستمر بتوفير المياه لتواصل أعمال الكري فيه، لكن المشاكل تبدأ من جداول المحاويل وامتدادا إلى مناطق جنوب بابل”، موضحا أن “قنوات الحلة الأساسية الأربع تبدأ من المحاويل ومنطقة العبارة التي تضم 16 كلم من الأراضي لم يصلها ماء سوى بارتفاع 50 سم، نزولا إلى جدول بابل ومشاكلها”.

ويبين أن “حلول المحافظين لهذه الأزمة تكون غير علمية عادة، فمثلا يقومون بكسر القناة أحيانا، غير مهتمين لخطط وزارة الموارد المائية والميزانيات الدورية المنظمة من قبلها، وهذه المشكلة تكررت مرتين، الأولى حدثت قبل 5 سنوات والثانية قبل أشهر عدة”، لافتا إلى أن “قنوات الجربوعية والمجفية في جنوب بابل لا يصلها شيء من المياه، وبسبب وجود أراض زراعية واسعة هناك، عمد المزارعون إلى حفر آبار وقنوات غير أصولية تأخذ المياه من شط الحلة تحت حماية متنفذين، وخارج الضوابط والحصص المحددة من وزارة الموارد المائية”.

ويلفت إلى أن “بابل تتأثر بحالة الجفاف في عموم العراق، لذا فإن الحل بيد الحكومة الاتحادية، التي ينبغي عليها تفعيل دور المفاوضين مع دول المنبع لتأمين حصص العراق العادلة من المياه، حتى يتم توزيعها بين المحافظات بشكل عادل، أما أن تبقى إدارة المياه بيد أصحاب النفوذ، فهذا لن يؤدي إلى أي حل”.

ومنذ أشهر عدة، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى النصف في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.

يذكر أن إيران قطعت المياه المتدفقة إلى سد دربندخان بالكامل، مطلع أيار مايو الماضي، ما أدى لأزمة كبيرة في حوض نهر ديالى الذي انخفضت مناسيبه بنسبة 75 بالمئة، وذلك بحسب تصريحات مسؤولين في المحافظة.

كما أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

من جهة أخرى، يفيد مصدر مسؤول في بابل خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “مقدار المياه التي تدخل المحافظة من سدة الهندية حاليا يبلغ 90 مترا مكعبا بالثانية، حصة بابل منها 45 بالمئة، في حين كانت سابقا 200 متر مكعب”.

ويضيف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “لشح المياه تأثيرا كبيرا على الزراعة، حيث أن خطة الموسم الشتوي الماضي انخفضت إلى 50 بالمئة، بينما في الموسم الصيفي لا توجد خطة نهائيا”، مشيرا إلى أن “أساس المشكلة هي قلة المياه الواصلة من تركيا وإيران إلى العراق”.

يذكر أن العراق ومنذ العام الماضي، قلص المساحات المزروعة إلى 50 بالمئة بسبب شح المياه، ما أدى إلى تراجع كبير في الإنتاج الزراعي، كما يعاني القطاع الزراعي من تدهور حاد.

من جانبه، يوضح الخبير المائي عادل المختار خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “قبل ثلاث سنوات مضت حذرنا من هذا الواقع المأساوي الذي يمر به العراق الآن، وقلنا إنه سيكون هناك عجز مائي كبير”، مؤكدا أن “هذا الشح سوف ينعكس على الخطة الزراعية، وهذا بالنتيجة يؤثر على زيادة الهجرة من الريف إلى المدينة وارتفاع مستويات التلوث وزيادة مساحات الأراضي المتصحرة التي وصلت نسبتها إلى 70 بالمئة”.

ويشير المختار، إلى أن “الحل يكمن في تشكيل خلية أزمة تتألف من خبراء لديهم خبرة لقيادة هذا العمل، لأن الوضع حرج جدا، فعلى سبيل المثال يجب على وزارتي الدفاع والداخلية إزالة جميع التجاوزات على الحصص المائية، وإيقاف تربية الأسماك، وتغيير نمط الزراعة إلى البستنة، وهذا بحد ذاته سوف يوفر 3 مليارات متر مكعب”، مبينا “إذا توقفنا عن تربية الأسماك سوف يكون هناك فارق بمعدل مليار ونصف مليار متر مكعب من المياه، وهذه الفروقات سوف تدعم العجز المائي وتقلل كميات الهدر في القطاع الزراعي تحديدا، وقد تتوفر مياه للأهوار مع تدعيم الوضع المائي عموما في المحافظات الجنوبية”.

ويردف “العراق يهدر كميات كبيرة من المياه، وهذا الهدر يجب أن يتوقف، لأننا مررنا بسنتين جافتين، بينما من المتوقع أن يكون الشتاء المقبل جافا أيضا، ما يفاقم من الأزمة، لذا ليس أمامنا خيار سوى ترشيد الاستهلاك”، لافتا إلى أن “دول المنبع لا يعول عليها لأن وزير الموارد المائية العراقي سبق وأن صرح بأن هذه الدول تعاني الجفاف أيضا، لذا علينا أن لا نتوقع أن ترفدنا بكميات أكبر من المياه”.

وكانت بحيرة ساوة في محافظة المثنى، من أبرز شواهد الجفاف، حيث جفت بالكامل قبل أشهر عدة، الأمر الذي أثار فزع الرأي العام في العراق، وأكد مدير بيئة المحافظة مثنى سوادي في حينها أن هناك 3 عوامل رئيسة وراء الجفاف الذي أصاب البحيرة، منها التغير المناخي الذي أصاب العالم، والعراق من أكثر البلدان تأثرا به، وتغير الصفائح الزلزالية التي غيرت المجرى الطبيعي لها تحت الأرض، فضلا عن قيام العشرات من الفلاحين وأصحاب المصانع والمعامل بإنشاء الآبار الارتوازية التي أسرفت في استخدام المياه الجوفية، ما أسهم في انخفاض الكميات الواصلة إليها بشكل كبير جدا.

يشار إلى أن المياه بدأت بالعودة إلى بحيرة ساوة بشكل تدريجي، بعد أن تم إيقاف عمل الآبار التي حفرت قربها، وامتناع المزارعين عن استخدامها، حتى تذهب المياه للبحيرة مجددا.

إقرأ أيضا