بعد وعيده الصوتي.. هل يُخرج “داعش” عناصره من “بطن الحوت”؟

بعد صمت طويل، نشر تنظيم “داعش” تسجيلا صوتيا من 36 دقيقة للمتحدث باسمه “أبو عمر…

بعد صمت طويل، نشر تنظيم “داعش” تسجيلا صوتيا من 36 دقيقة للمتحدث باسمه “أبو عمر المهاجر”، توعد فيه باقتحام السجون التي يقبع فيها عناصره، ومنها سجن الحوت في ذي قار جنوبي العراق، وهو تهديد دعا خبراء أمنيون إلى أخذه على محمل الجد، على الرغم من تقليلهم من قدرة التنظيم على تنفيذ عمليات كبرى في المناطق المؤمنة بشكل تام، وفيما شكك محلل سياسي بصحة التسجيل، أشار إلى أن الغاية منه، إذا كان صحيحا، زيادة إرباك المشهد العراقي المرتبك أصلا.

ويقول الخبير الأمني محمد الكحلاوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هذا الموضوع ليس بجديد، فداعش دائما يهدد ويتوعد، وذلك من خلال وجود داعمين له سواء لوجستيا أو ماليا، أما توقيت خطابه فيرتبط بالأزمات التي تضرب العراق وضعف الجهاز الأمني وعدم الاهتمام بما يجري على ساحة العراق الأمنية والانشغال الكبير للقطعات العسكرية بتأمين طرق الزوار، ناهيك عن تراخي بعض الجهات الأمنية”.

ويشير الكحلاوي، إلى أن “داعش عبارة عن عصابات تطل برأسها بين مدة وأخرى، وعلى القطعات العسكرية الثابتة أن تفهم بأن داعش يحاول إرباك الوضع الأمني في العراق، وأن تأخذ التهديدات على محمل الجد، وذلك عبر الاهتمام بنصب الكاميرات الحرارية والرصد الجوي، إضافة إلى تحريك بعض القطعات الآلية، حيث أن هناك عدم جدية بهذه الإجراءات”، مبينا أن “هناك مناطق غير مؤمنة في كركوك وديالى يتحرك فيها داعش بحرية بسبب عدم سماح البيشمركة أو الحشد الشعبي للقطعات بتأمينها”.

ويتابع أن “ما ورد في تسجيل داعش من تهديده للسجون، خاصة في جنوب العراق، مجرد تهديدات شكلية لإرباك الوضع، لأنهم لا يستطيعون فعل شيء في الجنوب المؤمن بشكل جيد وفيه الكثير من القطعات التي تحميه”، معتبرا أن “ما يجري هو بث الإشاعات لإضعاف قدرات القوات الأمنية وإشعارها بأنها مهددة”.

وكان “المهاجر” تحدث في التسجيل لمدة 8 دقائق بشكل موسع عن السجون، وأشار إلى عملية كبرى على غرار عملية “هدم الأسوار”، واعدا عناصر التنظيم داخل السجون بـ”الخلاص قريبا”، وهو ما عده مراقبون مؤشرا خطيرا عن نية التنظيم استغلال أي ثغرة أمنية نتيجة الصراع على السلطة لمهاجمة السجون، وخصوصا سجن الحوت في ذي قار.

بحث عن حواضن

من جهته، يفيد الخبير العسكري عدنان الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “تنظيم داعش الإرهابي يعتقد أن المناطق السنية مضافات وحواضن له، بينما تشكلت صحوات في هذه المناطق”، مشيرا إلى أن “الصحوات جعلت داعش يخسر عامل قوته وحدت من تحركاته، لذا يحاول التأثير عليها إعلاميا وأمنيا وبالقتل”.

ويضيف الكناني، أن “الصحوات حاليا ليست في أفضل أحوالها، فهي كسائر المؤسسات العسكرية تعاني من الفساد المتفشي”، لافتا إلى أن “بعض شيوخ العشائر ومن لديهم علاقات معهم جيروا الصحوات لمصالحهم الشخصية وبدأوا يستعرضون بها ويستثمرونها بالشكل الخاطئ”.

ويوضح أن “لدى الصحوات هيكلية ونظام داخلي أسوة بالجيش أو أي قيادة أخرى، وترتبط بالناحية التنظيمية بوزارة الداخلية أو الدفاع بحسب الأهمية والهرم الوظيفي، وعليه فإن هذا الهيكل يجب أن يكون له رأس هرم وأمن وقائي لتشخيص الخلل، فمن أمن العقاب أساء الأدب، وغياب العقاب يشجع على استثمار الصحوات لتحقيق مصالح شخصية”.

وفي موضع آخر من التسجيل، يتحدث “المهاجر” بما يشبه التوسل مخاطبا أبناء المناطق السنية بأن يقبلوا بوجود التنظيم مرة أخرى ويوفروا الحواضن له، محاولا استمالتهم بالإشارة إلى صراع الأحزاب الشيعية على السلطة من دون الاكتراث للأحزاب الممثلة للمكون السني، بينما هاجم أكثر من مرة الصحوات في العراق وسوريا ووصف عناصرها بـ”العبيد” وتوعد باستهدافها.

استثمار الصراع

إلى ذلك، يذكر الكاتب والمحلل السياسي فلاح المشعل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العدو يستفيد من أي خصومة سياسية في النظام، فكيف إذا كانت هذه الخصومة قائمة منذ بدء العملية السياسية في 2003 حتى الآن”، مضيفا أن “تسجيل داعش مشكوك بصحته لأن التزييف بات أمرا شائعا في وسائل الإعلام، ولكن على العموم فإن التيار والإطار كليهما عدوان لداعش، ومثل هكذا تصريحات وفي هذا الوقت هي محاولة لوضع شبهات إضافية إلى المشهد السياسي”.

ويشدد المشعل، على أن “وجود داعش صار مرفوضا بالمطلق في المناطق السنية وفي جميع مناطق العراق لما ارتكبه من جرائم وفضائع، لذا فإن محاولته استمالة أبناء المناطق السنية هي محاولة يائسة لا تفضي إلى نتيجة”، مبينا أن “داعش يحاول استثمار الصراع السياسي عبر إظهاره على أنه صراع طائفي، ولكن العراقيين ما عادوا يكترثون للألاعيب الطائفية من أي طرف كانوا، لأنهم أدركوا تماما أن الطائفية وسيلة للوصول إلى السلطة والمكاسب ليس إلا”.

وتعود جذور “داعش” إلى فرع تنظيم القاعدة “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” والمعروفة أكثر باسم تنظيم القاعدة في العراق، وهي التي شكلها أبو مصعب الزرقاوي في عام 2004 لقتال القوات التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها العراقيون عقب الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، لكن بعد اضطلاع التنظيم بدور في الحرب الأهلية بسوريا، انشق عن القاعدة، وبات يسيطر على مساحات من العراق وسوريا.

وبلغ التنظيم ذروة قوته عام 2014 عندما احتل محافظة نينوى بالكامل، فضلا عن مساحات واسعة من الأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك، مقابل احتلاله مناطق واسعة في سوريا، بقيادة زعيمه المقتول أبي بكر البغدادي.

وفي 2017 تمكنت القوات العراقية من تحرير معظم المناطق التي كانت خاضعة للتنظيم، ومنها نينوى، ليتقهقر بعدها ويعود إلى أسلوب الكر والفر عبر خلاياه المختبئة في المناطق ذات التضاريس الصعبة مثل التلال والهضاب والصحارى.

إقرأ أيضا