ما علاقة الكاظمي بكوثراني.. وكيف تسلم صحفي لبناني مسؤولية إعلام رئيس الوزراء؟

فيما يشد رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي الرحال إلى الولايات المتحدة، يزداد العضو البارز بحزب…

فيما يشد رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي الرحال إلى الولايات المتحدة، يزداد العضو البارز بحزب الله اللبناني والمطلوب أمريكيا، الشيخ محمد كوثراني نفوذا داخل مكتب الكاظمي، بفعل العلاقة والمصالح المشتركة بين الطرفين، والتي ترسخت عبر سلسلة لقاءات واتصالات وقرارات كان آخرها تعيين صحفي مقرب من الحزب اللبناني الموالي لإيران كمسؤول للمكتب الإعلامي للكاظمي، في واحدة من مفارقات السلطة في العراق.

وتفيد مصادر عدة من داخل مكتب رئيس الوزراء لـ”العالم الجديد”، بأن “الكاظمي التقى كوثراني أكثر من مرة، ولم ينقطع التواصل بينهما منذ عودته إلى العراق لأول مرة بعد أن غادره إلى موطنه لبنان في العام 2020 ومكوثه هناك لفترة طويلة، بسبب جائحة كورونا، والصدود الذي واجهه من قبل كتل وشخصيات سياسية شيعية فاعلة، ضاقت ذرعا بتدخلاته، فضلا عن خشيته من تأثير المكافأة المالية الكبيرة التي وضعتها الولايات المتحدة آنذاك لمن يدلي بمعلومات تقود لاعتقاله”.

وأعلنت الولايات المتحدة، في نيسان أبريل 2020 مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار لمن يوفر معلومات عن كوثراني، المعروف بنشاطه السياسي في العراق، والمقرب من قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، الذي اغتيل في غارة أمريكية بالعراق مطلع العام 2020.

وكانت واشنطن، قد أضافت كوثراني إلى قائمة الإرهاب العالمية في العام 2013، واتهمته بتمويل الجماعات المسلحة في العراق والمساعدة في نقل المقاتلين العراقيين إلى سوريا للقتال مع صفوف الرئيس السوري بشار الأسد التي استهدفت القضاء على الجماعات المسلحة المعارضة.

وأكد زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، في حوار متلفز العام الماضي، طرده كوثراني من مكتبه، دون ذكر اسمه في اللقاء، غير أن المؤشرات بالإضافة إلى مصدر سياسي، أكد لـ”العالم الجديد”، في تقرير سابق، بأنه كان يقصد الشخصية اللبنانية المثيرة للجدل، نظرا لدعمه بقاء مصطفى الكاظمي لولاية ثانية.

يذكر أن المالكي كان الطرف “الشيعي” الوحيد الذي عارض تكليف الكاظمي رئيسا للوزراء في نيسان أبريل 2020، فيما حضرت مراسم التكليف جميع الأطراف الأخرى بما فيها قوى الإطار التنسيقي والتيار الصدري.

وتضيف المصادر، أن “الكاظمي، وخلافا للصورة التي تُشاع عن توجهاته، بات وثيق الصلة بكوثراني الذي بدأ بنسج خيوط الثقة معه منذ إقناعه بدعم بقائه في المنصب، والاستفادة من علاقاته (أي كوثراني) بأطراف مؤثرة داخل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني الفاعل داخل القرار الإيراني المتعلق بدول المنطقة، وهو ما اعتبره الكاظمي طوق نجاة بسبب قلقه من فكرة خلعه عن رأس السلطة التنفيذية التي عمل على الوصول إليها بقوة في الكواليس، وسط ضياع بوصلته بين الكتل السياسية المتناحرة وتوجهاتها الغامضة، فيما بعد”.

كوثراني رجل حزب الله اللبناني المخضرم، وجد نفسه أمام شخصية “سهلة” على حد تعبير أحد المصادر المقربة من صنع القرار، حيث مكنه ذلك من تمرير الكثير من أجنداته السياسية ومصالحه التجارية المتمثلة بشراكات واستثمارات مالية ضخمة مع عدد من قيادات الأحزاب وأذرعها العسكرية، مقابل وعود البقاء في السلطة.

رجل الدين المولود بمحافظة النجف (حسب بيانات وزارة الخزانة الأمريكية)، يعتبر من الجيل الأول لحزب الله اللبناني، وكان له دور بارز في العراق منذ السنوات الأولى التي تلت عام 2003، بعد تكليفه من قبل الأمين العام للحزب حسن نصرالله، بإدارة ما يسمى “الملف العراقي”.

العودة القوية لرجل الدين اللبناني المثير للجدل عبر بوابة رئيس الحكومة، غذّت لديه نزعة النفوذ داخل أعلى هرم للسلطة في البلاد المثقلة بالصراع وتناقض الإرادات الدولية، الأمر الذي شجعه على استثمار تلك العلاقة الوطيدة في تعيين صحفي مقرب منه ومن حزب الله اللبناني داخل المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء المتماهي مع طلباته.

وتفيد المعلومات الواردة من مكتب رئيس الحكومة، أن “الكاظمي استجاب لطلب كوثراني، بالتعاقد مع صحفي لبناني مغمور كان يعمل في السنوات الأخيرة محررا بجريدة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله”، مبينة أن “هذا التطور جاء بعد أن علم كوثراني خلال إحدى اللقاءات مع الكاظمي بتعاقد المكتب الإعلامي مع كاتب وصحفي لبناني آخر يدعى (م.ف) يكتب لصحيفة سعودية، دون معرفة عمله، فطالب بتعيين (ن.أ) ليحقق التوازن السياسي المطلوب داخل مكتبه”.

وصل الصحفي (ن.أ) إلى بغداد في صيف العام الماضي، ليباشر عمله رسميا بعد ذلك بفترة وجيزة، كموظف في المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء براتب شهري قدره 4500 دولار، أسوة بزميله الآخر، بحسب مصدر مطلع داخل مكتب رئيس الوزراء، دون أن تتأكد “العالم الجديد” من مصدر آخر، حول دقة الرقم.

وسرعان ما تبوأ (ن.أ) موقع المسؤول الأول في المكتب الإعلامي، بعد قيامه باستثمار شبكة علاقاته داخل الإعلام اللبناني بهدف الاستفادة منها في الترويج للكاظمي بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك عبر استمالة وسائل الإعلام من خلال تسريب معلومات حصرية تخص العلاقة بين البلدين أو سائر الملفات الإقليمية والدولية، أو تقديم المنح المالية لبعض تلك الوسائل، كما تفيد المصادر.

وبعد تعيينه في المكتب الإعلامي، نجح الوافد الجديد بفرض سطوته، فطالب بحصر العمل الإعلامي بيده بعد حصوله على الضوء الأخضر من الكاظمي، ليقود ذلك إلى صراع مع منافسه السابق (ح.ح)، الموظف الذي يدير مئات الصفحات والحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تسمى بـ”الجيوش الإلكترونية”، التي تعمل لصالح رئيس الحكومة، بهدف التأثير في الرأي العام المحلي والعربي، كما تقول المصادر.

وتوضح أن “الخلاف نشب بين الشخصين المقربين من الكاظمي، بعد مطالبة (ن.أ) لـ(ح.ح) بتسليمه أسماء أصحاب الصفحات والحسابات والمواقع التي تتقاضى أموالا من المكتب، بوصفه المسؤول الأول عن نشاطها، وأن من الضروري إشرافه المباشر على عملها، وهو أمر لم يتمكن الثاني من رفضه، بسبب معرفته بحصول (ن.أ) على إذن مطلق من الكاظمي بكامل الصلاحيات، وترقيته إلى مسؤول في المكتب الإعلامي، حيث بات صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيه، فيما تم نقل خدمات (ح.ح) إلى مؤسسة أخرى خارج مجلس الوزراء”.

لم يكتفِ (ن.أ) بتوجيه أصحاب الصفحات والحسابات الخفية على مواقع التواصل الاجتماعي أو ما تسمى عراقياً بـ”الجيوش الإلكترونية” وحسب، بل تعداها إلى توجيه المحللين السياسيين والكتاب الذين يرتبطون بمكتب رئيس الوزراء، ويظهرون على الفضائيات، في حادثة لم تحدث سابقا، ما ولّد انزعاجا واضحا من قبل هذه الشريحة، حتى أن أحدهم عبّر لمراسل “العالم الجديد” عن ذلك الانزعاج بالقول “تالي عمري يتصل بي واحد يعلمني كيف أتكلم..”.

وأضاف بالقول شريطة عدم ذكر اسمه، بأن “الأسلوب الذي يتبعه المكتب الإعلامي مؤخرا، بات مستفزا للغاية، حيث لم يكن أحد يجرؤ على تلقيني بما أتحدث به منذ أن ارتبطت بهذا المكتب، باستثناء الاتفاق على بعض الخطوط العريضة والعامة، أما المسؤول الجديد غير العراقي فقد زاد من لغة الإملاء المنفرة”، لافتا إلى أن “استمرار هذا النهج سوف يجبرني على قطع صلتي بالمكتب تماما”.

اللافت هو إحجام خصوم الكاظمي المتربصين بأخطائه وزلاته، عن تعيين موظف غير عراقي، مسؤولا لإعلام أعلى هرم بالسلطة التنفيذية، في ظل صمت مستشاري الكاظمي الذين كثيرا ما حاولوا إظهار أنفسهم كنخبة رافضة للتدخلات الخارجية في العراق، على حد تعبير الكاتب والمحلل.

في الختام، يتساءل أحد المصادر السياسية، حول “شيزوفرينيا السلطة” في العراق، قائلا “أليس غريبا أن تجد رئيس حكومة وطاقمه من مستشارين وموظفين رفيعين ينتقدون التدخل الخارجي في العراق نهارا، ويصمتون ليلا عن العلاقة الغامضة لهم بواحد من أكثر الأقطاب المتهمة بتنفيذ أجندة في العراق، والمطلوب أمريكيا، بل أكثر من ذلك، بتسهيل نفوذه داخل مكتبه”.

توجهت “العالم الجديد” إلى مكتب رئيس الوزراء بهذه المعلومات، إلا أنه رفض التعليق.

إقرأ أيضا