تلاعب وشبهات فساد في خطابات الضمان المقدمة من المصارف للمقاولين؟

دهاليز الفساد في العراق لا تعد ولا تحصى، وقد أثير الحديث مؤخرا حول وجود شبهات…

دهاليز الفساد في العراق لا تعد ولا تحصى، وقد أثير الحديث مؤخرا حول وجود شبهات فساد في خطابات الضمان الممنوحة من المصارف للمقاولين ورجال الأعمال، والتي من المفترض أن تمنعهم من قبض أموال المناقصات والمشاريع والهرب بها، لكن متخصصين في الشأن الاقتصادي، أشاروا إلى أن هذه الحالات كانت تحدث في الماضي، عندما كانت الخطابات تمنح لمن ليس لديهم حسابات في المصارف الضامنة، فيما أوضحوا أن عقوبات شديدة تنتظر أي مصرف يتلاعب بخطابات الضمان قد تصل إلى سحب إجازته.

ويقول الخبير المالي همام الشماع، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “خطاب الضمان عبارة عن تعهد صادر عن أي مصرف، ويشترط توافر التوقيعات، والخطاب يتضمن مبلغا ماليا محددا يدفع للمستفيد عند المطالبة به”.

ويضيف الشماع، أن “المصرف يضمن عميله المقاول أو المتعهد بأن يسدد في حالة إخفاقه في الالتزام بتعهده، ولا يوجد نصب واحتيال في خطابات الضمان الصادرة عن مصرف مجاز، ولكن المتعهد قد يقوم بتزوير خطاب ضمان، ولمنع ذلك يجب التأكد من المصرف بكتاب صحة صدور”.

ويشير إلى أن “هناك عمليات نصب حصلت في بعض خطابات الضمان بسبب تزويرها لأنها غير صادرة عن مصرف مجاز رسميا، فلا يمكن للمصارف التلاعب بخطابات الضمان، لأنها بذلك تتحمل مسؤولية كبيرة، وربما يصل الأمر إلى سحب الإجازة المصرفية منها”.

وكان متخصصون بالشأن المصرفي ذكروا أن خطابات الضمان المصرفية في العراق هي إحدى أدوات النصب والاحتيال التي يمارسها القطاع المصرفي بالتعاون مع الشركات والأفراد العاملين بالقطاع الحكومي بعلم وزراة المالية وإدارة المصرف المركزي وإدارات المصارف وبعلم الجهات المستفيدة من المشاريع التي تقبل خطابات ضمان مصرفية من دون غطاء مالي حقيقي.

ومن جملة اتهاماتهم، هي أن “مؤسسات الدولة تطلب من الشركات والمقاولين خطاب ضمان لدخول المناقصة، ونطلب خطابا آخر لحسن تنفيذ العمل، إلا أن بعض المصارف تبيع خطابات مزيفة للشركات والمقاولين ومن ثم تقوم بإلغائها، فتتمكن الشركة أو المقاول من قبض سلفة المشروع والهرب بها من دون إنجاز أي شيء، وهذا من الأسباب الرئيسة لتلكؤ المشاريع أو تركها غير مكتملة”.

من جهته، يبين الخبير المصرفي ناصر الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “خطابات الضمان لا تمنح إلا بين مصرفين، المصرف الذي يوافق على خطاب الضمان والآخر الذي يصدره”، مشيرا إلى أن “المصرف المصدر لخطاب الضمان هو من يتحمل كل الأضرار الناتجة عن هذا الخطاب، خصوصا إذا كان هناك فساد بين العميل والمصرفين، وبصراحة هناك حالات سجلت خلال الفترات الماضية من هذا النوع”.

ويؤكد الكناني، أن “تورط أي مصرف في قضايا التلاعب والفساد في خطابات الضمان يعرضه إلى عقوبات كبيرة غير المالية، فربما يصل الأمر إلى سحب الإجازة عنه من قبل البنك المركزي العراقي، فهذه قضايا فساد مصرفية خطيرة جدا”.

وكان متخصصون بالمجال المالي تحدثوا في تقرير سابق لـ”العالم الجديد” عن تراجع وتردي القطاع المصرفي في العراق، عازين إياه إلى العزلة التي عاشها البلد منذ أكثر من 30 عاما، بالإضافة إلى جملة أسباب تقع على عاتق مسؤولي المصارف الذين “حولوها إلى واجهة لجني الأرباح من بيع العملة فقط من دون تطوير حقيقي”.

يشار إلى أن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وعد في برنامجه الحكومي بتطوير الأداء المصرفي العراقي من خلال تعزيز الثقة بالمصارف العامة والخاصة، بما يشمل نشر التكنولوجيا المصرفية، وربط الأنشطة الاقتصادية بالمصادر واعتماد الرقم الوظيفي، على أن يتولى البنك المركزي العراقي وضع خطة بسقف زمني مداه عام واحد لتطبيق المكننة في المصارف، لكن هذه الخطة لم تتحقق على الرغم من مرور عامين على حكومة الكاظمي، بحسب ما رصدته “العالم الجديد” في تقريرها الموسع “الكاظمي ميتر”.

وفي السياق ذاته، يوضح الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “خطاب الضمان يصدر عن أي مصرف لصالح عميل لديه جهة أخرى، وهذا الأمر دائما يحدث مع المقاولين ورجال الأعمال عند سعيهم للحصول على مشاريع، فخطاب الضمان أحد شروط الحصول على المناقصة لأي مشروع، وهذا الخطاب يصدر عن أي مصرف بطلب من العميل لدى المصرف الذي هو زبون لديه”.

ويتابع المشهداني أن “خطاب الضمان لا يمنح من قبل المصرف لأي شخص، بل يمنح للأشخاص الذين لديهم حساب في المصرف، على أن يغطي هذا الحساب قيمة خطاب الضمان، وأن يكون العميل مستمرا في التعامل مع المصرف، خصوصا أنه في الفترة الأخيرة اشترط البنك المركزي على المصارف منح خطاب الضمان للزبائن ليس على الأموال فقط في المصرف، بل على رهن بعض العقارات، فالمقاولات مبالغها كبيرة جدا”.

ويلفت إلى أن “المصرف يستفيد من منح زبائنه خطابات الضمان، فهو يأخذ عمولة مالية بنسبة من خطاب الضمان تصل إلى 10 بالمئة من المبلغ، وبعض خطابات الضمان تعطي أرباحا للمصارف على المشاريع الكبيرة تصل إلى أكثر من 100 مليون دينار، ولهذا فإن المصارف تستفيد من إصدار خطابات الضمان”.

ويضيف المشهداني أنه “في السنوات السابقة، من 2006 إلى 2018، كانت الكثير من المصارف تمنح خطابات ضمان مقابل عمولة ونسبة لمقاولين وشخصيات ليس لديهم حسابات فيها، وهذا سبب كوارث كبيرة، فالشخص عندما يأخذ خطاب الضمان ويحصل على المشروع، يأخذ الدفعة الأولى من قيمة المشروع، ثم يختفي، والمصرف ليس لديه أي أوليات عن الشخص وخطاب الضمان، كونها خطابات وهمية ولا سند لها، على الرغم من أن المصرف يتحمل المسؤولية القانونية لذلك”.

ويضم العراق، بحسب موقع البنك المركزي العراقي، 80 مصرفا عاملا، منها 62 محليا و18 مصرفا عبارة عن فروع لمصارف أجنبية.

يشار إلى أن القطاع المصرفي العراقي، مهمل أيضا من قبل المواطنين الذين فقدوا الثقة به، وبحسب أرقام البنك الدولي الصادرة العام الماضي، فإن 23 بالمئة فقط من الأسر العراقية لديها حساب في مؤسسة مالية، وهي نسبة من بين الأدنى في العالم العربي، ولاسيما أن أصحاب تلك الحسابات هم من موظفي الدولة الذين توزع رواتبهم على المصارف العامة نهاية كل شهر، لكن هذه الرواتب أيضا لا تبقى طويلا في الحسابات، إذ سرعان ما تتشكل طوابير أمام المصارف من الموظفين الذين يسحبون رواتبهم نقدا ويفضلون إبقاءها في بيوتهم.

إقرأ أيضا