تكلف مئات ملايين الدولارات.. الدراسات في الخارج تنهك خزينة العراق

مئات الملايين من الدولارات ينفقها الطلبة العراقيون سنويا على الدراسات العليا في خارج العراق، وهو…

مئات الملايين من الدولارات ينفقها الطلبة العراقيون سنويا على الدراسات العليا في خارج العراق، وهو ما دفع أكاديميين ومتخصصين بالشأن الاقتصادي إلى اقتراح استثمار هذه الأموال داخل العراق عبر توفير نظام دراسات عليا رصين عبر الجامعات والكليات الأهلية، بينما انتقد بعضهم سعي عشرات الآلاف سنويا للحصول على شهادات عليا، ورأوا أنه سيملأ المجتمع بأشخاص غير كفوئين.

ويقول الأستاذ المساعد الدكتور محمد سلمان الجميلي، رئيس قسم القانون في كلية دجلة الجامعة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أكثر من 12 ألف طالب تم قبولهم للعام الدراسي الحالي في مقاعد الدراسات العليا بمختلف الاختصاصات في الجامعات الحكومية العراقية، وهذا الرقم لا يكفي لتغطية طلبات ورغبات الموظفين، ولذلك شرع الباقي منهم بالذهاب إلى خارج العراق من أجل الدراسة”.

ويوضح الجميلي، أن “الجامعات الأهلية، وفقا لقانون الجامعات العراقية لسنة 2016، حددت بالدراسات الأولية ولا يحق لها توفير الدراسات العليا”، لافتا إلى أن “المناخ التعليمي في الجامعات الأهلية يؤهلها لافتتاح دراسات عليا بوجود كوادر من حملة ألقاب علمية جيدة، وبذلك لا يضطر الموظفون إلى إكمال دراستهم في الخارج، مع ضرورة تحقيق المعايير المطلوبة في الجامعات الأهلية وتوأمتها مع الجامعات الحكومية من ناحية الوحدات الدراسية والألقاب العملية واللجان الامتحانية، لتكون الخطوة ناجحة”.

وكان مدير دائرة البعثات والعلاقات الثقافية في وزارة التعليم العالي حازم باقر ذكر، في آذار مارس 2022، أن 33 ألف طالب عراقي يدرسون في الخارج من الذين فتحوا ملفات لهم بوزارة التعليم، فيما يوجد قرابة 100 ألف طالب عراقي يدرسون في الخارج من دون ملفات في الوزارة، مشيرا إلى أن هناك 50 ألف طالب دراسات عليا في داخل العراق.

من جانبه، يفيد علي المعموري، طالب دكتوراه في مصر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “هناك نحو 20 ألف طالب عراقي بين دراسات عليا وبكالورويس في مصر، وهذا الرقم ليس بالهين، حيث يمكن للحكومة العراقية أن تفتح كليات أهلية وأقساما علمية لاحتواء هذا العدد الكبير وتوفير المشقة والعناء والأموال علينا”.

ويبين المعموري، أن “تكاليف الدراسة في مصر مرتفعة، حيث أن معدل الإنفاق الشهري لا يقل عن 600 دولار، بالإضافة إلى تكاليف السفر والأقساط السنوية التي تصل إلى نحو 4500 دولار لكل مرحلة من مراحل الدراسات”.

وانتشرت في العراق، ظاهرة الحصول على شهادات عليا من بعض البلدان، أبرزها لبنان وتركيا وإيران، فضلا عن أوكرانيا وروسيا والهند، مقابل مبالغ تعتبر منخفضة، بعد تعثرهم في الحصول عليها داخل العراق نتيجة لمعدلاتهم الواطئة.

وعند كتابة “الدراسة خارج العراق” في محرك البحث غوغل، ستظهر مئات الجامعات التي تقدم عروضها لأجل نيل شهادات عليا، وتحمل أسماء متنوعة، وأغلبها تعتمد الدراسة عن بعد “أون لاين”، وذلك مقابل 2000- 4000 دولار.

إلى ذلك، توضح أستاذة علم النفس في جامعة بغداد شيماء عبد العزيز، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الغاية من الدراسات العليا تخريج طبقة نخبوية تتمتع بعلم وإمكانيات حقيقية، ولكن ما يحدث في العراق حاليا هو البحث عن اللقب فقط، ولذلك يلجأ غير المؤهلين إلى الدراسة في الخارج في جامعات همها الوحيد قبض الأموال، وتعطي الشهادات لأي شخص يدفع حتى لو لم ينجح في الاختبارات”.

وتضيف عبد العزيز، أن “أصحاب الأولوية في الدراسات العليا خارج العراق هم المتفوقون من ذوي المعدلات العالية، فهؤلاء يمكن الاستفادة منهم عندما يحصلون على شهادات عليا لأنهم سيحصلون عليها بجدارة وبإمكانياتهم الذهنية المميزة”، مشيرة إلى أن “إدخال مئات الآلاف إلى الدراسات العليا أمر غير صحيح، لأن هؤلاء سيواجهون البطالة في النهاية”.

وتستدرك أن “الرغبة بالتعليم حق مشروع، ولكن يجب أن يتمتع من يسعى إلى الدراسات العليا بقدرات عقلية تؤهله لذلك، لا أن يكون معدله 50 بالمئة ويريد نيل الماجستير والدكتوراه”، مبينة أن “منح الشهادات العليا لغير من يستحقونها تترتب عليه آثار اجتماعية سلبية ستظهر عاجلا أم آجلا، لأن المجتمع سيمتلئ بأشخاص غير كفوئين”.

يشار إلى أن الجامعات العراقية الحكومية والأهلية، لها حضور في تصنيفات عالمية، ولاسيما تصنيف The Times)) الذي تتواجد فيها ثلاث جامعات وتصنيف (QS) الذي تتواجد فيه جامعتان وتصنيف (Scimago) الذي تتواجد فيه 18 جامعة وتصنيف (Greenmetric) الذي دخلت فيها 60 جامعة وتصنيف URAP الذي تتواجد فيه 4 جامعات وتصنيف (Webometrics)، ما سجل حضور وتنافس 79 جامعة.

وعلى الرغم من دخول الجامعات العراقية في التصنيفات الدولية، إلا أن الدراسة في الخارج قائمة وتنتشر بشكل كبير جدا، ولاسيما مع وجود تسهيلات من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، حيث أنها تعترف بتلك الشهادات بشكل رسمي.

وبشأن الناحية الاقتصادية للموضوع، يبين المحلل الاقتصادي ضياء المحسن خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “دراسة الطلبة في خارج العراق تعني استنزافا كبيرا للعملة الصعبة التي نحن في أمس الحاجة لها، كما أن الموضوع الآخر والأهم هو الجدوى من هذه الدراسات، وما إذا كانت تصنع بالفعل كفاءات علمية للبلد”.

ويتابع المحسن “لو افترضنا أن كل طالب يدفع 3 آلاف دولار، فإن مجموع ما يدفعه 100 ألف طالب سيكون 300 مليون دولار، وذلك ما عدا النفقات والتكاليف والإقامة”، لافتا إلى أن “هذا الرقم ليس بالهين أن يخرج من الخزينة العامة إلى خارج العراق، وبالتالي فإن على وزارة التعليم أن تضع تعليمات صارمة للدراسة خارج العراق”.

وكان أكاديميون أفادوا خلال تصريحات سابقة لـ”العالم الجديد”، بأن موضوع التعليم يحتاج إلى لجان خاصة لمتابعته وتنظيم العمل وتنشيط الحركة العلمية في العراق، لافتين إلى أن هذه الأمور تشهد ترهلا، إضافة إلى انشغال الوزارات بأعمال أخرى، في حين ما تزال المدارس باقية لغاية الآن سائرة على المناهج التقليدية والنمطية، في وقت هي بحاجة إلى تغيير عبر جهد حكومي ومنظمات قانونية ومجتمع مدني.

يذكر أن بعض الجامعات العراقية تمنح بين مدة وأخرى، مقاعد دراسات عليا لطلبة عرب، وهي مقاعد ليست مجانية فقط وإنما ترافقها منح مالية للحائزين عليها لأغراض الإقامة وتكاليف المعيشة، بداعي السعي إلى الحصول على مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية، وهو ما يثير امتعاض الطلبة العراقيين الذين يرون أن منحهم الفرصة أهم من التصنيفات.

إقرأ أيضا