خطة إنعاش الأهوار.. ترقيعية أم حقيقية؟

تسبب إطلاق وزارة الموارد المائية خطة لإنعاش الأهوار، بانقسام في الآراء بين المتخصصين والمسؤولين، ففيما…

تسبب إطلاق وزارة الموارد المائية خطة لإنعاش الأهوار، بانقسام في الآراء بين المتخصصين والمسؤولين، ففيما هاجم بعضهم الخطة ووصفها بـ”الترقيعية” وشبهها بما جرى في تسعينيات القرن الماضي، رأى آخرون، أنها قد تأتي بنتائج إيجابية وتساهم بالحفاظ على سكان الأهوار وعودة المهاجرين منهم.

ويقول رئيس منظمة طبيعة العراق جاسم الأسدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “وزارة الموارد المائية أدارت ظهرها للأهوار منذ صيف العام الماضي، ولم تلتزم بحصتها من المياه، وللأسف الشديد كانت إدارة الموارد المائية للأهوار خلال السنتين الماضيتين من أسوأ الإدارات التي مرت على العراق بعد عام 2003”.

ويوضح الأسدي، أن “مساحة الأهوار المغمورة حاليا لا تتعدى 8 بالمئة من أصل الهدف الذي وضعته وزراة الموارد المائية متمثلة بمركز إنعاش الأهوار والأراضي الرطبة العراقية عام 2005″، مشيرا إلى أن “تعميق المغذيات مطلوب، لكنه ليس الحل، فوزارة الموارد المائية لا تمتلك خطة لإنعاش الأهوار، وقد فعلت ما لم يفعله صدام حسين في تسعينيات القرن الماضي، فصدام لم يستطع تجفيف هور الحويزة وبقي يحتوي على مياه بنسبة 10 بالمئة، بينما وزارة الموارد المائية جففت هور الحويزة بالكامل هذا العام، كما جففت أشهر بحيرة وهي بحيرة أم  النعاج”.

ويلفت إلى أن “هناك أساليب دعم لا ترتبط بالمياه يجب تقديمها لسكان الأهوار، مثل إشراكهم في شبكة الرعاية الاجتماعية ومنحهم رواتب لحين تحسن الوضع المائي، إضافة إلى تفعيل قرار التعويضات عن سنوات الجفاف، ودعم أسعار أعلاف الجاموس وتنشيط البيطرة لمتابعة حال الجاموس”، مبينا أن “بالإمكان توزيع الإطلاقات المائية بشكل عادل إذا لم يكن تأمين حصة كاملة للأهوار ممكنا، فمن غير المعقول إطلاق 95 متر مكعب لشط العرب لصد اللسان الملحي وتزويد هور الحويزة بمتر مكعب واحد”.

وكان مدير مركز إنعاش الأهوار والأراضي الرطبة في وزارة الموارد المائية حسين علي الكناني، أعلن يوم أمس أن الوزارة باشرت بتنفيذ أعمال خطة من أجل الحيلولة دون هجرة سكان الأهوار المحليين، ولاسيما الصيادين ومربي المواشي والجاموس، وتتضمن الخطة تعميق وتوسيع مغذيات أيمن نهر الفرات وأيسره كي تكون بمساحة جديدة أطول وأكبر من السابق، وتصبح أنهارا كبيرة تتغذى من أيمن وأيسر الفرات لتغطي وبنسبة كبيرة من المياه ما يحتاجه سكان الأهوار الأصليون والمحليون.

يشار إلى أن “العالم الجديد” سلطت الضوء الشهر الماضي، على واقع الأهوار في البصرة وذي قار وواسط، عبر سلسلة تقارير، وفيها كشفت عن آثار كارثية تعرضت لها الاهوار، ففي البصرة لم يتبق سوى 25 بالمائة منها مغمورة بالمياه، وذات الشيء في المحافظات الأخرى التي شهدت جفاف أكثر من 70 بالمائة من الأهوار، فضلا عن تدمير قطاع تربية الجاموس.

يذكر أن الأمم المتحدة اعتبرت عمليات تجفيف الأهوار العراقية في تسعينيات القرن الماضي، من أكبر الكوارث البيئية التي حدثت في القرن العشرين، وتقارنها بما جرى في البرازيل من قطع الأشجار بحوض الأمازون.

ويتعرض العراق لمخاطر التصحر بسبب موجات الجفاف الناتجة عن قلة الحصة المائية لنهري دجلة والفرات بعد بناء عدة سدود عليهما من قبل دول الجوار على الرغم من وجود اتفاقيات ومعاهدات دولية تنظم ذلك مثل معاهدة “رامسار” للأراضي الرطبة التي انطلقت عام 1971 في إيران وأصبحت سارية المفعول عام 1975، وتتخذ من مدينة جنيف مقرا لها، وانضم إليها العراق عام 2007.

من جهته، يذكر مدير الإعلام والعلاقات في منظمة “المناخ الأخضر” العراقية مهدي ليث، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “وزارة الموارد المائية تحاول أن تعالج مشاكل عديدة ظهرت منذ سنوات عديدة وليس قبل سنة أو سنتين، وواحدة من هذه المشاكل عدم استخدام المياه بالصورة الصحيحة وعدم وجود السدود لخزن المياه وعدم استخدام السقي المناسب في الزراعة، وكذلك موضوع المياه التي تدخل في أماكن غير مفيدة وبالتالي تتبخر”.

ويشير ليث إلى أنه “كما حدثت هجرة في التسعينيات بسبب تجفيف الأهوار من قبل النظام السابق ومن ثم عودة الكثير من العوائل بعد عام 2003 ورجوع المياه، نتوقع أن السكان الذين غادروا الأهوار سيعودون إليها مرة أخرى إذا تأكدوا من عودة المياه وانتهاء الأزمة”.

وكانت وكالة الأنباء الفرنسية وثقت العام الماضي “جريمة بيئية” في أهوار العراق، بسبب مياه المجاري الثقيلة التي تتدفق لها من أنابيب الصرف الصحي مباشرة، ما أدى إلى نفوق كميات كبيرة من الأسماك.

وعادت المياه إلى الأهوار بعد عام 2003، عق إزالة السدود الترابية التي بنيت في فترة رئيس النظام السابق صدام حسين، وعاد إلى المنطقة أكثر من 200 نوع من الطيور وعشرات الأنواع من الحيوانات البرية.

وسلطت “العالم الجديد” في حزيران يونيو الماضي، الضوء على تناقص أعداد الجاموس في البلد، من ملايين إلى آلاف فقط، بسبب الجفاف وأرتفاع أسعار الأعلاف، حيث كان سابقا في العراق 12 مليون رأس جاموس والآن 30 ألفا فقط.

إلى ذلك، يوضح معاون محافظ ذي قار عباس جابر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “موضوع تعميق وكري الأنهار الجانبية هي معالجة ترقيعية لجفاف الأهوار، لسبب مهم هو أن الحاجة مستمرة للإطلاقات المائية وليس كري الأنهار فقط، حيث أن كميات المياه القليلة لا تكفي لسد الحاجة الفعلية لمياه الشرب الآن”.

ويتابع جابر، أن “هناك تقصيرا كبيرا من الوزارة والحكومات المتعاقبة تجاه الأهوار، حيث أنها انضمت إلى لائحة التراث العالمي، ولم نر أي جدية للمحافظة على هذا المكسب الذي جعل من الأهوار قبلة للمنظمات العالمية”.

يذكر أن منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة (فاو) دقت ناقوس الخطر، وحذرت في تقرير نشر منتصف تموز يوليو الماضي، من أن الأهوار “واحدة من أفقر المناطق في العراق وإحدى أكثر المناطق تضررا من تغير المناخ ونقص المياه”، مشيرة إلى آثار كارثية على سبل عيش أكثر من ستة آلاف أسرة ريفية، إذ أنها فقدت جواميسها التي تعد مصدر رزقهم الوحيد.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) قد وافقت في عام 2016 على إدراج الأهوار في قائمة التراث العالمي، محمية طبيعية دولية، بالإضافة إلى مدن أثرية قديمة قريبة منها مثل أور وأريدو والوركاء.

وحذرت مديرة قسم الأهوار والإدارة المستدامة للنظم البيئية الطبيعية في وزارة البيئة نجلة الوائلي، في كانون الأول ديسمبر 2021، من سحب موقع هور الحويزة من لائحة التراث العالمي، بعد أن أدرج فيها عام 2016 مع ثلاثة أهوار أخرى بسبب الجفاف، مؤكدة أنه لا يمكن للعراق الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية ثم التخلي عنها بعد ذلك، إذ لديه مشاريع ممولة من قبل المنظمات الدولية بعد دخول تلك المناطق في لائحة التراث العالمي.

إقرأ أيضا