عمالة الأطفال.. مشكلة سائدة وحلول غائبة

حاملا مجموعة من الأقراص الليزرية، يتجول الطفل محمد أحمد ذو العشر سنوات بين السيارات في…

يتجول الطفل محمد أحمد ذو العشرة أعوام بين السيارات في أحد شوارع منطقة المنصور غربي بغداد، يحدوه الأمل في الحصول على بضعة دنانير من بيع الأقراص الليزرية التي يحملها بيديه الصغيرتين.

يعيش محمد مع أبيه وإخوته في منزل متواضع بأحد الأحياء الفقيرة بالعاصمة، ولا يملك خيارا سوى العمل ببيع أقراص الأغاني ليجلب لقمة العيش له ولأسرته.

ويقول محمد خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أبي مشلول، وأمي انفصلت عنه وتزوجت من رجل آخر وتركتنا، ولم يعد بوسعي سوى العمل لإعالة أسرتي”.

ويضيف “أبدأ العمل منذ الثالثة عصرا حتى 12 ليلا، وفي صباح اليوم التالي، أذهب إلى المدرسة، وأربح يوميا مبلغا بسيطا بالكاد يكفي لسد حاجاتنا الأساسية”.

ويعكس محمد صورة لظاهرة عمالة الأطفال في العراق، الموجودة منذ زمن بعيد من دون وضع حلول ناجعة لها من السلطات المعنية.

وقدرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق العام الماضي، نسبة عمالة الأطفال بـ2 بالمئة، أي أن عدد الأطفال العاملين في البلاد يصل إلى أكثر من 700 ألف طفل، في وقت تشير فيه منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” إلى أن نحو 90 بالمئة من الأطفال العراقيين لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر، وعلى الرغم من زيادة معدل التحاق الأطفال بالتعليم الابتدائي عند مستوى 92 بالمئة، فإن إكمال المرحلة الابتدائية بين أطفال الأسر الفقيرة لا يتجاوز 54 بالمئة.

وبحسب إحصاءات اليونيسف، فإن ثلث أطفال العراق يمرون بظروف اقتصادية صعبة تضعهم أمام متطلبات العمل لإعانة عائلاتهم، وتوضح أن أطفال العراق يواجهون أعلى زيادة في معدلات الفقر، حيث يوجد طفلان فقيران بين كل 5 أطفال.

ويقول الضابط في الشرطة المجتمعية الرائد صادق علي الكعبي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إنه “حتى الآن لا يوجد أي تشريع أو نص قانوني يحدد عمرا معينا للعمل، وهذه القوانين من مهام السلطة التشريعية، إذ يجب أن تشرع وفق ضوابط وأطر تراعي الوضع الاقتصادي للدولة”.

ويشير الكعبي، إلى أن “كثيرا من الدول لا تسلط الضوء على عمالة الأطفال، ولا توجد أي رقابة دولية أو محلية تحد من هذه الظاهرة، فعلى سبيل المثال في دول أفريقيا وبعض من دول آسيا نرى اتساع ظاهرة عمالة الأطفال بسبب تردي الوضع الاقتصادي”.

أما دوليا، فإن اتفاقية حقوق الطفل في المادة (32-1) تقول “تعترف الدول الأطراف بحق الأطفال في حمايتهم من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي”.

كما أشار آخر تقرير مشترك صادر عن منظمة العمل الدولية ويونيسف، في وقت سابق، إلى أن عدد الأطفال العاملين في أنحاء العالم خلال السنوات الأربع الماضية بلغ 160 مليون طفل، حيث زاد عددهم 8.4 ملايين طفل عامل.

من جهته، يفيد الباحث النفسي والاجتماعي أحمد مهودر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “آثارا خطيرة تترتب على عمالة الأطفال، وهي تنسحب على المجتمع والأسرة والطفل نفسه، لأن الطفل لم يبلغ مرحلة من النضوج الجسدي والنفسي يؤهله للعمل ومواجهة مصاعب الحياة والاختلاط بالناس الغرباء في الشارع، الذين قد يكون بينهم المنحرف والمجرم والمدمن وما إلى ذلك”.

ويبين مهودر أن “الطفل العامل ليس بالضرورة أن ينتهي به المطاف منجرفا مع جماعات منحرفة أو عصابات أو ما شابه، فهناك تجارب كثيرة عن أطفال عاملين نجحوا في إعالة أسرهم من دون الانحراف عن جادة الصواب، ولكن بشكل عام فإن الطفل عندما يدخل سوق العمل ومعترك الحياة يفقد طفولته، بينما علماء النفس يشددون على أن يعيش الإنسان مراحله الطبيعية، وأهمها مرحلة الطفولة، لأنها مرحلة بناء الشخصية”، لافتا إلى أن “عمل الأطفال يتركز غالبا في أماكن غير منظمة مؤسساتيا كالبيع في الشوارع أو العمل في ورش تصليح السيارات، فلا يوجد تنظيم لعمل الأفراد ولا ضمان لحقوقهم، وهذا يفاقم من مشكلة عمالة الأطفال”.

وكانت وزارة العمل، عدت منتصف العام الحالي، تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال بأنها “الأسوأ في تاريخ العراق”، معلنة عن إطلاق حملة وطنية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية تتضمن سلسلة من الأنشطة الهادفة  للتصدي لأسوأ أشكال عمالة الأطفال في البلد.

إلى ذلك، يوضح الخبير القانوني علي التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الدستور أوجب رعاية الطفولة والأسرة والأمومة وفق المادة 29، كما أن قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 منع تشغيل الصغار دون 15 سنة”.

ويضيف التميمي أن “قانون العمل ألزم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالتنسيق مع وزارة الداخلية لمنع ذلك وإنذار أرباب العمل ممن يشغلون الأطفال، وذلك في المادة 95 من القانون، وفي حال الإصرار على المخالفة يحال الموضوع إلى محكمة العمل لمحاسبة أصحاب العمل”.

يشار إلى أن لجنة حقوق الإنسان النيابية السابقة طالبت في أيار مايو 2021، بمنع عمالة الأطفال في البلاد، كما طالبت الحكومة العراقية والبرلمان بوقف استغلال الأطفال في مهن شاقة، وذلك من خلال إصدار قرارات ملزمة بهذا الشأن.

وفي السياق، يرى الباحث النفسي أحمد الذهبي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عمالة الأطفال في العراق تعتبر قضية أمن وطن، وهنا نتحدث عن عواقب وآثار نفسية لهذه العمالة لأنها تصدر للمجتمع انحرافات أخلاقية وشذوذا واضطرابات نفسية”.

ويتابع الذهبي أن “عمالة الأطفال هي الجزء المشوه للنفس الإنسانية، وهي المعول الذي نهدم به المجتمع بسبب الانحرافات التي ستكون المصير في نهاية المطاف، إذ سنشهد تخريج مجرمين وسراق وغير ذلك نتيجة هذه الظاهرة”، مشيرا إلى أن “الطفل العامل ستتولد لديه انحرافات في القيم والأخلاق مستقبلا، لأنه يقضي معظم وقته في الشارع وينتهج سلوك الشارع وألفاظه ونفسيته العدوانية، وبالمحصلة سيكون الطفل عندما يكبر عدوا للمجتمع بالدرجة الأولى”.

جدير بالذكر، أن الجهاز المركزي للإحصاء، كشف في 2019 أن العام الدراسي 2017-2018 هو أكثر الأعوام تسربا للطلبة من المرحلة الابتدائية، بحسب إحصائية أجراها على جميع المحافظات، واتضح أن أغلب المتسربين من المدارس الابتدائية دون سن 15 عاما، بواقع 131 ألفا و368 طالبا، نسبة الإناث منهم 47 بالمئة، فيما كان عدد المتسربين للعام الدراسي 2016-2017 هو 126 ألفا و694 طالبا.

إقرأ أيضا