“الحل في البحر”.. شح المياه يضيق الخناق على الزرع

ينذر الموقف المائي في العراق بشتاء شحيح الزرع، فخطة الموسم الشتوي قد تنخفض إلى 25…

ينذر الموقف المائي في العراق بشتاء شحيح الزرع، فخطة الموسم الشتوي قد تنخفض إلى 25 بالمئة من مساحات الأراضي المقترحة من وزارة الزراعة لزراعتها، ومع ذلك تأمل الوزارة أن يكون الواقع أفضل من التوقعات، وهو أمل تغذيه تنبؤات الطقس في ذروة الشتاء، حيث من المفترض أن تتزايد الأمطار، بينما يذهب أحد الاقتصاديين بأفكاره نحو البحر، مقترحا تحلية مياهه للخروج من المأزق.

ويقول المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الحديث عن هبوط نسبة الخطة الزراعية الشتوية إلى 25 بالمئة هو توقعات مبنية على المعطيات المائية الحالية، حيث أن وزارة الموارد المائية أعلنت أن خزين المياه انخفض بنسبة 60 بالمئة عن العام الماضي، ولكن نأمل أن تتحسن الأمور ولا تنخفض نسبة الخطة الزراعية إلى المستوى المتدني المتوقع”.

ويوضح النايف، أن “ما نقصده بنسبة الخطة الزراعية هي النسبة التي تحددها وزارة الموارد المائية للمساحات المقدمة من وزارة الزراعة، أي أن وزارة الزراعة إذا اقترحت -مثلا- زراعة مليون دونم وحددت الموارد المائية نسبة 25 بالمئة للخطة الزراعية تتم زراعة 250 ألف دونم فقط، ولا علاقة للأمر بالعام الماضي”.

ويبين أن “الخطة الشتوية المقدمة من وزارة الزراعة هذا العام تتضمن زراعة 4 ملايين و500 ألف دونم من الحنطة، و3 ملايين دونم من الشعير، و6 ملايين دونم من الزراعة الديمية و3 ملايين دونم من الزراعة المعتمدة على الآبار، فيكون المجموع 16 مليونا و500 ألف دونم، وإذا حددت الموارد المائية النسبة بـ25 بالمئة فستبلغ المساحات المسموح بزراعتها 4 ملايين و125 ألف دونم”.

وكانت وزارة الموارد المائية، أعلنت يوم أمس، أن الخريف الحالي سيكون جافا ويرفع مستوى تهديد الزراعة الشتوية.

ومنذ أشهر عدة، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.

من جانبه، يفيد المنبئ الجوي صادق عطية خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “انخفاض كميات الأمطار عن معدلاتها في موسم الخريف أو الشتاء لا يعني أن هذا الموسم جاف”، مبينا أن “بداية الموسم المطري المقبل ستشهد انخفاضا في معدل الأمطار، ولكن نأمل خيرا في شهري كانون الأول وكانون الثاني، حيث سيحدث تغيير في المنظومة الجوية يؤدي إلى تحسن الأمطار”.

ويشير عطية إلى أن “عوامل قلة الأمطار كثيرة لا حصر لها، إلا أنها تتعلق بالدرجة الأساس بظاهرة الاحتباس الحراري وتأثيرها على كل بقاع العالم وليس العراق فقط، أما ما يتم طرحه من نظريات مؤامرة عن قيام بعض الدول باستخدام سلاح المناخ ضد دول أخرى فهو غير صحيح، لأن الغلاف الجوي لا حدود فيه لحصر تأثيره على منطقة دون غيرها”.

يذكر أن إيران قطعت المياه المتدفقة إلى سد دربندخان بالكامل، مطلع أيار مايو الماضي، ما أدى لأزمة كبيرة في حوض نهر ديالى الذي انخفضت مناسيبه بنسبة 75 بالمئة، وذلك بحسب تصريحات مسؤولين في المحافظة.

يشار إلى أن إيران غيرت مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة.

وفي السياق ذاته، يبين الخبير الاقتصادي ضياء المحسن، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأمن الغذائي يجب أن يحظى بأولوية لدى الجهات الحكومية، وكان يجب وضع كل الخطط اللازمة لتأمين الحنطة والشعير قبل أي شيء، ولكن يبدو أن الوزارات المعنية لم تهتم بهذا الجانب”.

ويضيف المحسن أنه “كان بإمكان الحكومة اتخاذ إجراءات بديلة في ظل الجفاف وتقليل الإطلاقات المائية من دول المنبع، فهي تتحدث دائما عن وجود فائض مالي يزيد على 80 مليار دولار، وكان يمكنها تخصيص 10 مليارات دولار من هذا الفائض لإنشاء مشاريع لتحلية مياه البحر وتوفير الماء للمزارعين بدلا من تخفيض مساحات الأراضي المزروعة”

ويتابع أن “الاستمرار في تخفيض نسب الخطط الزراعية سينتهي بانعدام الزراعة بعد سنوات قليلة”، مشددا على ضرورة “استعمال الطرق الحديثة في الري، فصحيح هناك جفاف ولكن بالمقابل هناك تبذير في المياه”.

جدير بالذكر، أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

ولغاية الآن لم يحسم ملف المياه مع تركيا، وخلال الأيام الماضية، صدرت العديد من المواقف تجاه هذا الملف، حيث بدأت بإعلان وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني، عن دخول مذكرة التفاهم بين العراق وتركيا بشأن زيادة الإطلاقات المائية حيز التنفيذ، بعد توقيعها من قبل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وفي هذا الصدد، يوضح رئيس الجمعيات الفلاحية في ديالى رعد التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تحديد الخطة الزراعية الشتوية بـ25 بالمئة لا يفي بأي غرض”، مطالبا السلطات بـ”الاعتناء بملف الزراعة لارتباطه المباشر بالأمن الغذائي”.

ويواصل التميمي، أنه “في ظل الأزمة العالمية الحالية، كان يجب أن يتم توسيع المساحات المزروعة وليس تقليلها”، مشيرا إلى أن “قضاءي المقدادية وبلدروز في ديالى انتهت الزراعة فيهما تماما بسبب عدم توفر مياه السقي”.

وتعصف بالعالم أزمات متعددة، على مستوى الأمن الغذائي والطاقة، بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أدت إلى منع أغلب الدول تصدير المحاصيل الزراعية بغية تأمين احتياجاتها، فضلا عن أرتفاع الأسعار عالميا، وفرض عقوبات على روسيا منعتها من التصدير أيضا.

ويشغل ملف الأمن الغذائي قادة الدول، وقد نوقش في قمم عديدة عقدت في المنطقة العربية، كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن نيته عقد مؤتمر في الشرق الأوسط على غرار مؤتمر بغداد، بهدف مناقشة الأمن الغذائي.

إقرأ أيضا