بعد عامين على الوعود.. “متحف تشرين” حبر على ورق “المطعم التركي”

إنشاء متحف خاص باحتجاجات تشرين الأول أكتوبر 2019 داخل مبنى “المطعم التركي” قبالة ساحة التحرير،…

إنشاء متحف خاص باحتجاجات تشرين الأول أكتوبر 2019 داخل مبنى “المطعم التركي” قبالة ساحة التحرير، كان أحد أبرز الوعود التي أطلقها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، إلا أن المبنى لم يشهد أي عملية تطوير أو تأهيل، بل تحول إلى ما يشبه ثكنة عسكرية تضم قوات عسكرية وأمنية لمنع الوصول إليه من قبل أي متظاهر، الأمر الذي اعتبره ناشطون احتجاجيون “هالة إعلامية” فقط، متهمين الكاظمي بأنه من “ألد أعداء” انتفاضة تشرين.

ويقول الناشط الاحتجاجي ليث الحيالي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “إنشاء متحف لتشرين مهم جدا، ولكن الكاظمي أطلق وعودا كثيرة للمحتجين غير أنه لم ينفذ أيا منها، وأغلب وعوده عبارة عن هالات إعلامية يطلقها مكتبه ويتم الترويج لها على أنها إنجاز”.

ويبين الحيالي، أن “بناية المطعم التركي خربة، وفيها لافتة على أنها متحف إلا أنها مدمرة ولا يوجد فيها أي عمل حقيقي ولا حتى إضاءة”، متسائلا “عن أي متحف يتحدث عنه الكاظمي وهو لم ينفذ أي تفصيلة فيه، بل لا توجد أي دلائل على الشروع ببناء هذا المتحف”.

ويوضح أن “تشرين ليست منظمة أو مؤسسة أو كيانا سياسيا، بل هي شريحة اجتماعية كبيرة تكاد تكون عبارة عن جماهير شعبية لا ضابط لها، والانتماء الوطني هو من يجمعها، وتطمح للتغيير الشامل في العراق، وعليه فإن أي أشخاص من المشاركين بالاحتجاج لا يمثلون الشارع الاحتجاجي في تعاملاتهم السياسية، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يختزل تشرين ويمثلها ويتفق مع الحكومة على إنشاء متحف يخصها”.

يشار إلى أن الكاظمي وجه، في تشرين الثاني نوفمبر 2020، بتحويل بناية المطعم التركي في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد إلى متحف لاحتجاجات تشرين، وتم في حينها وضع يافطة على البناية مكتوب عليها “متحف تشرين”، وتسربت أنباء عن أن الكاظمي أوكل مهمة الإشراف على المشروع لمدير مكتبه السابق رائد جوحي.

وتطل بناية المطعم التركي على ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد من جهة، والمنطقة الخضراء من جهة ثانية، وقد تحولت خلال تظاهرات تشرين 2019، إلى أيقونة للتظاهرات، بعد سيطرة المتظاهرين عليها وتسميتها باسم “جبل أحد”.

كما استخدمت بناية المطعم موقعا للقوات الأمنية والمسؤولين خلال عمليات قمع المتظاهرين، سواء قبل سيطرة المتظاهرين عليها أو بعدها، ولغاية الآن تشغل البناية عناصر أمنية، لكن بشكل غير علني.

وأطلق اسم “المطعم التركي” على هذه البناية التي شيدت في ثمانينيات القرن الماضي والمطلة على ساحة التحرير لأنها كانت تضم مطعما تركيا في الطابق الأعلى من المبنى الذي يتميز بموقعه الاستراتيجي، ما جعله هدفا للمحتجين ليراقبوا منه حركة التظاهرات وقوات الأمن التي قد تتقدم باتجاههم.

واتخذت لجنة الدعم اللوجستي التي تضم ناشطين مقرا لها في الطابق الأرضي، حيث تقوم بتوفير إسعافات وأغذية وأفرشة للمتظاهرين.

وأصبح المبنى بمثابة برج مراقبة وقلعة يحتمي بها المتظاهرون، كما استخدمته القوات الأمنية عام 2011 في مواجهة التظاهرات الشعبية التي خرجت في ذلك الوقت ضد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، لكن المبنى لم يتحول في حينها إلى أيقونة.

إلى ذلك، يشير الناشط بشير الحجيمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “الكاظمي من ألد أعداء تشرين، ومن غير المعقول الطلب من عدو أن يحقق إنجازا وهو من تستر على القتلة وساهم بتقريب مستشاريه وأوكل إليهم مهمة تفتيت تشرين ولا يمكن أن نطالبه ببناء متحف لتشرين”.

ويضيف الحجيمي، أن “المانع الأول لإنشاء متحف تشرين هو أن الكاظمي تعود على الجعجعة الإعلامية، حيث يقول شيئا ويفعل ضده، وهو من دمر العراق خلال العامين الماضيين”، متهما إياه بمحاولة “طمس آثار ثورة تشرين وليس إنشاء متحف لتمجيدها، أما بالنسبة للمطعم التركي فقد تحول إلى ثكنة عسكرية”.

وكان مبنى المطعم التركي اتخذ في عام 2001 مقرا لهيئة الشباب والرياضة العراقية لإطلالته على المراكز الأمنية الحساسة ومنها القصر الجمهوري آنذاك والوزارات المهمة، وهو اليوم هو مطل على بوابة المنطقة الخضراء.

وقد تعرض “المطعم التركي” لقصف أمريكي خلال حرب الكويت عام 1991 وحرب عام 2003، لكنه تحول بعد ذلك إلى مبنى مهجور بعد أن أصابته القوات الأمريكية بقذائف صاروخية عند اقتحام بغداد ضد المسلحين المقاومين لها المتمترسين فيه.

وفي هذا الصدد، يذكر الناشط في الاحتجاجات صلاح الجراح خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “كل الوعود ما بعد تشرين هي لأجل امتصاص الزخم من الجماهير والناشطين حتى يكون هناك نوع من التهدئة، ومن ضمن تلك الوعود إنشاء متحف وتعويض الشهداء وغير ذلك، إلا أنها كلها لم يتم الوفاء بها”.

ويتابع الجراح، أن “هذا كله من أجل خداع الجماهير، وبالنسبة للمتحف فإن الجماهير هي من ستقوم بإنشائه وليس السلطة”، لافتا إلى أنه “لم يكن أي طرف من تشرين طلب من الحكومة تحويل المطعم التركي إلى متحف، وإنما كان اقتراحا من وزارة الثقافة، على اعتبار أن وزير الثقافة كان قريبا من تشرين”.

ويواصل أن “هناك موانع عدة لإنشاء المتحف، فعند الكلام عن تشرين فإننا نتكلم عن جهات قوية تحاربها من مليشيات وقوى خارج الدولة وفاسدين، وهؤلاء لا يؤيدون إقامة هكذا معلم من الممكن أن يجعل الجماهير تتفاعل معه أو بث الروح الثورية داخل المجتمع، كما أن هناك أطرافا حكومية لا تريد هي الأخرى إنشاء هذا المتحف”.

وقبل 3 أعوام من الآن، وفي الأول من تشرين الأول أكتوبر 2019، انطلقت تظاهرات شعبية للمطالبة بتوفير الخدمات وإبعاد الفاسدين عن سدة الحكم، لكن سرعان ما تحولت هذه التظاهرات إلى انتفاضة شعبية بدأت من بغداد، وصولا إلى البصرة في أقصى الجنوب.

وشكلت هذه الانتفاضة نقطة فارقة في تاريخ العملية السياسية بعد عام 2003، وأصبحت أيقونة لجمع كل أطياف المجتمع ووحدت مطالبهم، خصوصا بعد ما رافقها من قمع وعنف، أدى إلى مقتل أكثر من 600 متظاهر وإصابة نحو 21 ألفا آخرين.

إقرأ أيضا