في ذكراها الثالثة.. احتجاجات تشرين متهمة بالتشظي وناشطوها يدلون بدلوهم

ضمت ساحات الاحتجاج في تشرين الأول أكتوبر 2019 شبابا محتجين تحت أهداف ومطالب وشعارات موحدة،…

ضمت ساحات الاحتجاج في تشرين الأول أكتوبر 2019 شبابا محتجين تحت أهداف ومطالب وشعارات موحدة، لكن الأمر لم يبق كذلك بعد مرور ثلاث سنوات، فالحركات السياسية المنبثقة عن حراك تشرين غير موحدة التوجهات حاليا، وكذلك الحال بالنسبة لناشطيها، فمنهم من يدعو إلى عودة الاحتجاجات ومنهم من يعترض على أصل الفكرة، ومنهم من دعا للمشاركة في الانتخابات السابقة ومنهم من قاطع، الأمر الذي عزاه بعض الناشطين إلى تعدد وجهات النظر داخل الحراك الاحتجاجي وليس تشظيا أو تشتتا، فيما أرجعه محلل سياسي إلى “راكبي الأمواج” و”اختراقها” من قبل جهات سياسية، إلا أنه أكد في الوقت ذاته أن فكرة تشرين لن تموت تحت أي ظرف.

ويقول مسؤول مكتب حركة امتداد في بغداد مسعد الراجحي، وهي حركة انبثقت بعد حراك تشرين في ذي قار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أسباب التشتت تعود إلى وجود ثلاثة مسارات في المطالب الجماهيرية، المسار الأول يتضمن المؤمنين بإمكانية التغيير الفوري بالطرق السياسية والدستورية، والمسار الثاني يتضمن الرافضين للحل السياسي لأنهم يرون أن أحزاب السلطة ستماطل وتسوف الحلول السياسية”.

ويبين الراجحي، أن “المسار الثالث يضم المؤيدين للتغيير بالطرق السياسية والدستورية ولكن بشكل تدريجي وليس فوريا”، لافتا إلى أن “المسار الاحتجاجي بشكل عام لا يمكن أن يحمل وجهة نظر واحدة، ولذلك حصل التشتت والتشظي بين محتجي تشرين والقوى المنبثقة عن الاحتجاجات”.

ويتابع أن “مواقف تشرين يمكن أن تتوحد إذا غير التشرينيون موقفهم المقاطع للعملية السياسية وشاركوا في الانتخابات بما يحقق عددا من المقاعد النيابية الممثلة لهم ينافس مقاعد القوى والأحزاب التقليدية”، مضيفا أن “هذا المسار يحتاج إلى خطاب مرجعي ووطني وسياسي يوحد المحتجين بأساليب ممكنة، ويمنح النائب الممثل للاحتجاجات فرصة لفهم دوره داخل البرلمان وإدراك أن عملية التغيير لا تتم بشكل مباشر وإنما بالتدريج”.

ومن المفترض أن تنطلق اليوم السبت، تظاهرات كبيرة في الذكرى الثالثة لانتفاضة تشرين، وسط وضع سياسي متأزم وخروج تظاهرات مستمرة للتيار الصدري ضد محاولات سعي الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة. 

وجرى الحديث مؤخرا عن انقسام بين قوى تشرين حول مسألة اقتحام المنطقة الخضراء خلال التظاهرات المرتقبة، حيث عقد اجتماع الأسبوع الماضي في بغداد للجنة المركزية للتظاهرات، وتضمن الدخول إلى المنطقة الخضراء من بوابة ساحة النسور لتبيان الموقف من عقر دار السلطة.

وبعد ذلك الاجتماع، عقد آخر في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، لقوى الاحتجاج والتغيير، بحضور ممثلين عن القوى المدنية والديمقراطية والناشئة والنقابات والمنظمات والحركات الاحتجاجية والشخصيات المستقلة، وتضمنت مخرجاته التالي “ضرورة وحدة المنطلقات والأهداف الوطنية للحراك السياسي والاجتماعي والاحتجاجي، المعارض لمنظومة المحاصصة والفساد والسلاح، وأهمية التمسك بالمطالب الوطنية وفي مقدمتها محاسبة قتلة المتظاهرين والكشف عن مصير المغيبين، وحصر السلاح بيد الدولة وضمان استقلالية القضاء، وتطبيق قانون الأحزاب وإصلاح المنظومة الانتخابية”.

من جهته، يوضح المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “من الطبيعي أن تنتهي أي احتجاجات وتحت أي عنوان بالتشظي والتشتت، لأنها راكبي الأمواج سيسرقونها، ولكنهم على أي حال لا يمثلون تشرين ولا أهدافها، فتشرين فكرة والأفكار لن تموت”.

ويشير البيدر، إلى أن “هناك تيارات تشرينية كثيرة لم تندمج في المشهد السياسي لأنها لا تعترف به، ولكن في نهاية المطاف سيكون الصوت التشريني حاضرا في المشهد دائما وقد يكون أعلى مما كان عليه في 2019″، مبينا أن “الاحتجاجات متوحدة في المطالب، ولكن عندما تتم ترجمة هذه المطالب إلى أحزاب سياسية ستظهر الخلافات، وهذه حالة طبيعية في الأنشطة الحزبية”.

ويضيف أن “من المعروف وجود أطراف اخترقت تشرين ونجحت في استغلالها لصناعة عناوين خاصة بها، وحاولت أن تتقافز في المشهد لمحاولة إفشال تشرين، لكنها ستبقى حاضرة دائما ولا يمكن الإجهاز عليها”، مشيرا إلى أن “تحول تشرين إلى العمل السياسي سيخفف زخم الاحتجاجات بالطبع، ولكن يمكن للأحزاب التشرينية أن تعود إلى الشارع متى ما استدعت الضرورة، لتندمج مرة أخرى في المد الاحتجاجي”.

وقبل 3 أعوام من الآن، وفي الأول من تشرين الأول أكتوبر 2019، انطلقت تظاهرات شعبية للمطالبة بتوفير الخدمات وإبعاد الفاسدين عن سدة الحكم، ووضع حد لنفوذ وسطوة الأحزاب على مقدرات البلد، لكن سرعان ما تحولت هذه التظاهرات إلى انتفاضة شعبية بدأت من بغداد وصولا إلى البصرة في أقصى جنوبي العراق.

وشكلت هذه “الانتفاضة” نقطة فارقة في تاريخ العملية السياسية بعد عام 2003، وأصبحت أيقونة عراقية جمعت كل أطياف المجتمع ووحدت مطالبهم، خاصة بعد القمع الذي رافقها، وأدى الى مقتل أكثر من 600 متظاهر وإصابة 26 ألفا آخرين، وأدت إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، بناء على دعوة المرجعية الدينية العليا في النجف، التي ساندت مطالب المتظاهرين، ما أدى إلى تكليف مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة فيما بعد.  

يذكر أن بريق “الانتفاضة” خفت نسبيا بعد تفشي وباء كورونا في العراق في شهر آذار مارس 2020، إلا أن خيام الاعتصام بقيت شاخصة في الساحات دون المساس بها من قبل القوات الأمنية لفترة وجيزة، ومن ثم جرت حملات لإزالتها بالكامل ودخلت بعض المدن مثل الناصرية بصراعات مع بعض الجهات المسلحة التي حاولت إزالة خيام الاعتصام، ومن ثم تم التوصل لقرار يقضي بإزالتها بشكل نهائي.

إلى ذلك، يفيد الناشط الاحتجاجي إبراهيم تركي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “آراء المشاركين في الاحتجاجات متباينة، فمنهم من يرى ضرورة التحول إلى العمل السياسي، ومنهم من يشدد على مواصلة الفعل الاحتجاجي في الشارع، وحتى من تحولوا إلى العمل السياسي لم يتبعوا نهجا واحدا، فحركة امتداد مثلا قررت المنافسة في الانتخابات ودخلت البرلمان، بينما حركة البيت الوطني فضلت البقاء بعيدا عن التنافس لعدم قناعتها بالعملية السياسية بشكلها الحالي قبل تغيير مجموعة من القوانين واتخاذ إجراءات واقعية ملموسة توفر بيئة انتخابية آمنة ونزيهة”.

ويواصل تركي، أن “هذا الاختلاف في التوجهات ووجهات النظر حالة طبيعية، وربما لهذا السبب يُعتقد أن تشرين متشظية ومشتتة”، موضحا أن “المزاج التشريني صعب ولا يمكن إرضاؤه بسهولة، كما أن شرائح تشرين في الغالب هي شرائح شعبوية لا تؤمن بالعمل السياسي وتفهم الوضع على أنه مصادمات فقط، وهذا ليس صحيحا، فمن الضروري الدخول في السياسة وفهمها والتعاطي معها على أنها علم وفن وليس فقط مجرد أحاديث سطحية ومنشورات في الفيسبوك، ولكن تحويل اهتمام شباب تشرين إلى الجانب السياسي يحتاج وقتا طويلا من التثقيف”.

وفي العام الماضي، انطلقت تظاهرات ومسيرات في 25 تشرين الأول أكتوبر 2020، في 10 محافظات، شاركت فيها كافة شرائح المجتمع للضغط باتجاه تحقيق المطالب التي نادى بها المتظاهرون، فيما رافقت التظاهرات إجراءات أمنية مشددة في كل المدن وخاصة العاصمة بغداد، حيث جرت تظاهرات أمام مقر رئاسة الحكومة في منطقة العلاوي، قرب المنطقة الخضراء.

وقد حدث اشتباك في حينها، بمنطقة العلاوي بين المتظاهرين وقوات حفظ القانون، وذلك بعد أن رفع المتظاهرون الأسلاك الشائكة التي قطعت بها الشوارع الرئيسة بالمنطقة، وبحسب مصادر آنذاك، فإن الاشتباك أوقع 5 جرحى من المتظاهرين.

يشار إلى أن تظاهرات تشرين الأول أكتوبر في 2019، جوبهت مبكرا بقمع مفرط، حيث استخدمت القوات الأمنية كافة الأسلحة التي كانت كافية لقتل العشرات، فتبعه هدوء نسبي استمر لنحو ثلاثة أسابيع حتى الـ25 من تشرين الأول أكتوبر، وهو اليوم الذي انطلقت فيه شرارة الانتفاضة مرة أخرى، وفيه عمد المتظاهرون إلى تحويلها لاعتصام مفتوح حتى تحقيق المطالب، وهذا ما جرى في 10 محافظات عراقية بما فيها العاصمة، حيث تحولت الساحات الرئيسة فيها إلى أماكن اعتصام ونصبت فيها الخيام، قبل أن تزال بأوامر حكومية منتصف العام الحالي.

وكانت “العالم الجديد” قد أعدت ملفا متكاملا في الذكرى الأولى لتظاهرات تشرين، تناولت فيه كافة جوانبها بالإضافة إلى إحصائيات لعدد ضحاياها والممتلكات التي أتلفت خلالها، وللاطلاع على تقارير الملف المكون من 4 حلقات يرجى الضغط على العناوين أدناه:

إقرأ أيضا