تحذيرات بيئية وتعويضات مالية.. من المسؤول عن خطر الانبعاثات النفطية؟

في ظل تفاقم الأمراض القاتلة والأضرار البيئية جراء الانبعاثات الناتجة عن أعمال شركات النفط الأجنبية…

في ظل تفاقم الأمراض القاتلة والأضرار البيئية جراء الانبعاثات الناتجة عن أعمال شركات النفط الأجنبية في العراق، أكد خبير قانوني أحقية المتضررين في رفع دعاوى قضائية داخل العراق للحصول على تعويضات، وفيما حدد خبير نفطي آلية معالجة تلك الانبعاثات بالحرق داخل التوربينات، بين أن هذا الإجراء غير مدرج في العقود التي أبرمها العراق، في ظل مخاوف بيئية بتأثيرات مستقبلية خطيرة للغازات، نظرا لامتزاجها بالأشجار والتربة والمياه الجوفية.

ويقول الخبير القانوني عدنان الشريفي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الدعاوى بشأن التضرر من التلوث تتبع بنود العقود المبرمة مع الشركات النفطية الأجنبية العاملة في العراق، فإذا كانت الشركة غير مسؤولة، وفق العقد، عن الانبعاثات المرافقة لاستخراج النفط فإنها محصنة من أي دعوى، وهنا تتم مقاضاة وزارة النفط باعتبارها المسؤولة عن معالجة الانبعاثات إذا لم تكن قد أوكلت هذه المهمة إلى شركات الاستخراج”.

ويبين الشريفي “أما إذا نص العقد على أن معالجة الانبعاثات من مهام الشركة فتقام الدعوى ضدها”، مشيرا إلى أنه “في كل الحالات ترفع الدعاوى داخل العراق وضمن منطقة العمل”.

يشار إلى أن الخبير في مجال الطاقة عادل العاني، كتب منشورا على الفيسبوك، دعا فيه المواطنين المتضررين من التلوث البيئي الناجم عن استمرار حرق الغاز والنفط بل وازدياده من قبل الشركات العاملة في حقول جنوب العراق، إلى أن يرفعوا دعاوى قضائية لمطالبة هذه الشركات بتعويضات بسبب إهمالها العناية بالبيئة وتطبيق شروط السلامة الصناعية في الحقول التي تعمل فيها وأهمها حقول الرميلة والزبير وغربي القرنة.

يذكر أن تحقيقات غربية أظهرت سابقا، أن عشرات الحقول النفطية التي تعمل فيها كبريات الشركات النفطية مثل بريتش بتروليوم (BP) وإيني (ENI) وإكسون موبيل (MOBILEXXON) وشيفرون (CHEVRON) وشل (SHELL) لا يتم الإعلان فيها عن ملايين الأطنان من الانبعاثات الناتجة عن حرق “غاز الشعلة” الذي يرافق إنتاج النفط فيها.

جدير بالذكر، أن “بريتش بتروليوم” و”إيني” و”شل” و”شفرون” و”إكسون موبيل”، تبنت تعهد البنك الدولي لعام 2015 الخاص بالتخلص من ظاهرة غاز الشعلة بحلول عام 2030 إلا في حالات الطوارئ، فيما قالت شل إنها ستتخلص من ذلك بحلول 2025.

لكن هذه الشركات تقول إنه عندما تعاقدت مع شركة أخرى لإدارة العمليات اليومية في هذه الحقول النفطية، تتحمل تلك الشركات مسؤولية الكشف عن الانبعاثات الغازية الناتجة عن حرق غاز الشعلة.

ويشتبه منذ فترة طويلة أبناء المناطق المحيطة ببعض أكبر حقول النفط العالمية في جنوب العراق، الرميلة وغرب القرنة والزبير والنهران عمر، في أن سرطان الدم لدى الأطفال آخذ في الازدياد، وأن حرق غاز الشعلة هو المسؤول عن ذلك.

من جهته، يوضح الخبير النفطي حمزة الجواهري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الانبعاثات النفطية تؤثر كثيرا على البيئة، والطريقة الوحيدة للتخلص منها هو استغلالها، لكننا لا نستطيع استغلالها إذا لم تتم معالجة الملوثات الموجودة فيها والتي تتسبب بتآكل الأنابيب الناقلة مثل مركبات الكبريت وغيرها”.

ويشدد الجواهري على “ضرورة معالجة الملوثات لكي يتم إخراج الغاز صالحا للاستعمال، وفي حال حرقه بالتوربينات يكون الحرق جيدا ولا يؤثر بشكل كبير على البيئة، وهذا هو الأسلوب الوحيد والأصح”، لافتا إلى أن “الشركات تعمل استنادا للعقد المبرم معها”.

ويتابع أن “الجزء الأكبر من العقود ضمن جولة التراخيص الأولى لم يتضمن هذه المعالجات، على اعتبار أن الدولة هي من ستعالج الغاز، ولكن الدولة لم تفعل ذلك والشركات لا تستطيع معالجته لأنها تحتاج منشآت تكلف مليارات الدولارات”، مبينا أن “عقود جولة التراخيص الثانية تضمنت معالجة الانبعاثات، وتم بموجبها إنشاء مصانع ومنشآت لمعالجة الغاز”.

وفي البصرة، ارتفعت حالات الإصابة بمرض السرطان بنسبة عشرين في المئة بين عامي 2015 و2018، وفقا لتقرير مسرب لوزارة الصحة، والذي ألقى باللوم على تلوث الهواء.

شركتا بريتش بتروليوم وإيني المقاولان الرئيسان في حقلي الرميلة والزبير النفطيين، ولأنهما لا تديران الحقلين، فإنهما لا تعلنان عن كميات الانبعاثات الغازية الناتجة عن حرق غاز الشعلة فيهما، كما أن المقاولين الفرعيين اللذين يشغلان الحقلين لا يعلنان عن ذلك، وفقا لما أورد تحقيق نشرته “بي بي سي”.

وكانت شركة إيني قد رفضت التعليق سابقا على هذه المسألة، وأكتفت بالقول إنها “ترفض بشدة أي ادعاء بأن أنشطتها تعرض صحة الشعب العراقي للخطر”، مؤكدة بأنها “لا تتحمل المسؤولية عن حرق الغاز في حقل الزبير من الناحية التعاقدية”.

أما حقل الرميلة النفطي الذي يبعد 40 كيلومترا عن حقل الزبير فتحرق فيه أكبر كميات غاز مرافقة لإنتاج النفط في العالم، وشركة بريتش بتروليوم هي المقاول الرئيسي لحقل الرميلة النفطي وساعدت في إنشاء شركة الرميلة التي تدير الحقل تحت إشرافها، لكن لا تعلن أي منهما عن كميات الغاز التي يتم حرقها في الحقل.

إلى ذلك، يفيد الخبير البيئي حمزة رمضان خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأنه “في العراق لا يتم استخدام أي متطلبات للحفاظ على البيئة وسلامة المواطنين، حيث بالإمكان التخلص من هذه الانبعاثات بطرق حديثة أو الاستفادة من الغاز المصاحب واستثماره بدلا من تحوله إلى مصدر للتلوث والأمراض”.

ويشير رمضان إلى أن “الفساد يدخل عاملا أساسيا في هذا الموضوع، حيث لا أحد يفكر بالتلوث، والمهم فقط هو استخراج النفط وبيعه”، موضحا أن “الكبريت المحترق يحتاج إلى مراجعة ودراسة، لكن هذا الموضوع فيه جنبة، سياسية حيث أن عمليات معالجة الانبعاثات تتطلب أموالا كثيرة، وبالتالي تكون التكلفة أكثر على الشركات المدللة لدى سياسيي العراق”.

ويضيف رمضان أن “تأثير الغازات كبير، لكنه لا يظهر بشكل مباشر وإنما على المدى البعيد بعد امتزاجه بالأشجار والتربة وحتى المياه الجوفية، مع أن أهل البصرة بدأوا يشعرون بهذه الآثار”.

وحسب معايير تشغيل شركة الرميلة التي وقعت عليها بريتش بتروليوم “يحق لأولئك الذين يتأثرون بمستويات التلوث التي تتجاوز الحدود الوطنية الحصول على تعويض قانوني”.

وكان وزير النفط إحسان عبد الجبار، أعلن في وقت سابق “أوعزنا لجميع الشركات المتعاقد معها والعاملة في حقول النفط بالالتزام بالمعايير الدولية”، وذلك في تعليقه على التقارير التي تشير إلى تزايد الإصابات بالسرطان جراء الانبعاثات.

إقرأ أيضا