بعد عام على إجرائها.. هل قادت الانتخابات العراق إلى المجهول؟

عام كامل انقضى على إجراء الانتخابات المبكرة في العراق، لكن من دون تشكيل حكومة، بل…

عام كامل انقضى على إجراء الانتخابات المبكرة دون تشكيل حكومة، عاشت خلاله البلاد سلسلة أزمات سياسية انعكست على الشارع العراقي وما تزال قائمة لغاية اليوم، وفيما عزا محللون سياسيون ما يجري إلى “فشل” الطبقة السياسية وتفكيرها بمصالحها فقط، توقعوا تكرار الأزمة السياسية بشكل أكبر مستقبلا، على الرغم من عدم تفاؤلهم بوجود حل قريب حاليا.

ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الطبقة السياسية أدخلت العراق ونظامه الديمقراطي والسياسي في أزمة ودوامة كبيرة جدا، والأزمة الحالية هي الأطول في تاريخ العراق طيلة السنوات الماضية، لكنها جزء من أزمة عميقة يعيشها العراق نتيجة سوء الإدارة وعدم الإيمان بالديمقراطية والدستور”.

وتمر يوم غد الإثنين، الذكرى الأولى لإجراء الانتخابات المبكرة التي جرت في 10 تشرين الأول أكتوبر 2021، والتي جاءت بناء على مطالب تظاهرات تشرين الأول أكتوبر 2019، وكانت هي المهمة الرئيسة لحكومة مصطفى الكاظمي، التي تشكلت في أيار مايو 2020.

ويضيف الشمري، أن “مرور عام على الانتخابات البرلمانية من دون تشكيل حكومة جديدة دليل على فشل الطبقة السياسية بالدفع نحو مقاربة عراقية يمكن من خلالها إنهاء هذه الأزمة، لكن صراع الزعامة والمصالح ما زال حاضرا ولا يوجد أي توجه للإيمان بالطرق الدستورية لتشكيل الحكومات”.

ويبين أن “ما يحصل حاليا هو عدم وجود ثقة بين الطبقة السياسية وعدم رغبة هذه الطبقة في تصحيح سلوكها السياسي، ولهذا تظهر هذه الطبقة وبعد عام كامل على إجراء الانتخابات البرلمانية، غير متهمة لتداعيات عدم تشكيل الحكومة، خصوصا أن هذه التداعيات ليست على المستوى الداخلي فحسب، وإنما هناك تداعيات خارجية، وإحاطة بلاسخارت خير دليل على ذلك”.

ويلفت المحلل الشمري، إلى أن “الأزمة الحالية يمكن أن تتكرر خلال السنوات المقبلة، مع وجود هذه الطبقة السياسية، فهذه الطبقة تضع النظام السياسي والديمقراطي وفق مصالحها، ولهذا ستكون الأزمات موجودة خلال السنوات المقبلة”.

وأفرزت تلك الانتخابات فوز الكتلة الصدرية بـ73 مقعدا، فيما حصل تحالف الفتح على 16 مقعدا وائتلاف دولة القانون على 33 مقعدا، كما حصل تحالف تقدم بزعامة رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي على 41 مقعدا، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني على 32 مقعدا، والاتحاد الوطني الكردستاني على 17 مقعدا.

وبعد إعلان النتائج، روج التيار الصدري في حينها إلى أنه سيشكل الحكومة الجديدة، وطرح قادة فيه مصطلح “سايق البطة” لتولي المنصب، في إشارة إلى سيارة التويوتا التي كانت تسمى في العراق “بطة” بعد عام 2003، وكانت معروفة بتنفيذ عمليات عديدة خلال وجود جيش المهدي آنذاك التابع للتيار الصدري.

لكن الإطار التنسيقي شكك بنتائج الانتخابات، واتجه رئيس تحالف الفتح هادي العامري إلى رفع دعوى لإلغاء النتائج أمام المحكمة الاتحادية، إلا أن الأخيرة ردت الدعوى وصادقت على النتائج.

وبعد التئام البرلمان بدعوة من رئيس الجمهورية، وعقد جلسته الأولى في شباط فبراير الماضي، وانتخاب محمد الحلبوسي رئيسا له، بدأت الأزمة السياسية بالظهور للعلن بشكل جلي، وتنامى الخلاف بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وقادة الإطار التنسيقي.

ومن بين التحالفات التي كانت قائمة، هو التحالف الثلاثي “إنقاذ وطن”، بين الصدر وتحالف السيادة الذي يضم الحلبوسي وخميس الخنجر والحزب الديمقراطي الكردستاني، وهذا التحالف جاء بناء على كون هذه الجهات هي الفائزة من كل مكون بالانتخابات، فيما انضم الاتحاد الوطني الكردستاني إلى الإطار التنسيقي إلى جانب تحالف العزم، الذي انشق عن الخنجر، وهو بزعامة مثنى السامرائي.

وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي غالب الدعمي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأزمة السياسية في العراق واستمرارها بعد سنة كاملة من إجراء الانتخابات البرلمانية هي بسبب القرارات الخاطئة التي تحصل في العملية السياسية وعدم الاهتمام بمصالح الناس، ولهذا انعكس الصراع السياسي على العراق والعراقيين”.

ويتابع الدعمي، أن “تشكيل الحكومة الجديدة، وفق ما تريده بعض القوى السياسية، لن يساهم في تقديم أي خدمة للمواطن العراقي، خصوصا أن الكتل السياسية غائب عن بالها خدمة المواطنين، والأزمة سوف تستمر لفترة طويلة ولا حلول لها وفق كل المعطيات والمعلومات”.

ويشير إلى أن “تكرار الأزمة السياسية الحالية خلال السنوات المقبلة بعد كل انتخابات برلمانية أمر وارد جدا، خصوصا مع استمرار صراع المصالح والنفوذ بين بعض القوى السياسية، ولهذا سوف يخرج العراق من أزمة ويدخل في أزمة جديدة، ربما تكون أخطر وأكبر من الأزمة التي سبقتها”.

وما إن حدد البرلمان الجلسة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية في آذار مارس الماضي، شكل الإطار التنسيقي ما سماه “الثلث المعطل”، وفي حينها استقبل زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي النواب المنضمين لهذا “الثلث” في منزله، بغية عدم تحقيق النصاب القانوني للجلسة، وهو ثلثا عدد النواب ويبلغ 220 نائبا، وكان “الثلث المعطل” قد بلغ أكثر من 120 نائبا.

وجاء الثلث المعطل، بناءً على تفسير المحكمة الاتحادية، ردا على سؤال من رئيس الجمهورية برهم صالح، حيث أكدت أن نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية يجب أن يكون ثلثي عدد النواب.

وتفاقمت الأزمة في ظل تمسك الصدر بحكومة “أغلبية” فيما تمسك الإطار بحكومة “توافق”، وهو ما أدى إلى تبادل الوفود بين هذه الأطراف وعقد عشرات الاجتماعات، لكن لم يتم التوصل إلى حل.

وفي المقابل، فإن الحزبين الكرديين دخلا بخلاف حول منصب رئيس الجمهورية، حيث طالب به الحزب الديمقراطي في خطوة مغايرة لكل الاتفاقيات فيما بينهما التي جرت منذ عام 2003، ما تسبب بتمسك الاتحاد الوطني بالمنصب لكونه من حصته، وما زال هذا الخلاف قائما لغاية الآن أيضا.

من جانبه، يوضح رئيس المركز العراقي للأبحاث الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ظاهر الفشل والعجز بتشكيل الحكومة الجديدة وفق الأطر الدستورية بعد مرور عام كامل على الانتخابات البرلمانية، يدل على فشل القيادات السياسية، خصوصا أن هذه القيادات لا تفكر بالشعب العراقي ولا تفكر بالحلول، وهي تفكر بالمكاسب السياسية والحزبية والشخصية على حساب العراقيين”.

ويضيف فيصل، أن “سبب استمرار الأزمة السياسية لعام كامل هي بسبب تفكير القيادات باحتكار السلطة، وهذه القيادات دفعت بالعراق إلى الكثير من الكوارث خلال السنوات الماضية، وهي لا تعترف بهذا الفشل والعجز، وهذا الأمر أشره المجتمع الدولي بكل وضوح خلال الفترة الماضية”.

ويواصل فيصل أن “العملية السياسية في العراق، وبعد أطول أزمة في تاريخ البلاد، وصلت إلى طريق مسدود، وهذا بسبب القيادات السياسية، ولهذا على الشعب العراقي أن يذهب إلى انتخابات ديمقراطية حقيقية للإطاحة بهذه الطبقة السياسية الفاسدة، لأن بقاء هذه الطبقة من دون تغييرها يعني بقاء هكذا أزمات خلال المستقبل القريب أو البعيد”.

وفي حزيران يونيو الماضي، وجه الصدر، بعد فشل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لثلاث مرات متتالية، بسحب نواب الكتلة الصدرية من البرلمان وتقديم استقالتهم، وقد وقعها الحلبوسي بشكل سريع في حينها، ومن ثم أدى النواب البدلاء اليمين الدستورية، وهم أغلبهم من الإطار التنسيقي.

وبعد انسحاب الكتلة الصدرية، توجه التيار الصدري إلى استخدام ورقة التظاهرات، وقد اعتصم أنصاره داخل البرلمان في تموز يوليو الماضي، واقتحموا القصر الحكومي، وحاولوا اقتحام مجلس القضاء الأعلى لتحقيق مطالب زعيمهم، وهي حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، لكن المجلس رد سريعا عبر مذكرات إلقاء قبض بحق قادة في التيار.

كما شهد  هذا العام تطورا خطيرا، تمثل بمهاجمة أنصار التيار الصدري المنطقة الخضراء بالأسلحة وخوض اشتباكات مسلحة مع القوات الأمنية وقصف المنطقة بقنابر الهاون وصواريخ الكاتيوشا، طيلة يوم كامل امتد من 29 إلى 30 آب أغسطس الماضي.

ولغاية الآن، ما تزال الاجتماعات مستمرة بين القوى السياسية بغية التوصل إلى حلول بشأن منصبي رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، ووفقا لتصريحات السياسيين، فأن هذه الأزمة ستأخذ وقتا ولا يوجد اتفاق واضح.

يشار إلى أن ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت، قالت في إحاطتها خلال جلسة مجلس الأمن الدولي المخصصة لمناقشة الوضع في العراق، الأسبوع الماضي، إن الخلاف والتفرد بالسلطة ساد في العراق وحملة السلاح زادت حماستهم، وأن أصغر شرارة تكفي لإيصال العراق إلى الكارثة.

كما أشارت إلى أنه “لا أستطيع تأكيد قدرة بعثتنا على المساعدة في انتخابات جديدة، فالانتخابات الجديدة يجب أن تسبقها ضمانات دعم من المجتمع الدولي”، فيما بينت أن “الطبقة السياسية في العراق غير قادرة على حسم الأزمة، ولا شيء يبرر العنف وينبغي الركون للحوار، وندعم الحوار الوطني برعاية رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، ويجب مشاركة جميع الأطراف في الحوار”.

إقرأ أيضا