ديون العراق الخارجية.. هل يمكن تسديدها دفعة واحدة؟

يتجدد الحديث عن تسديد العراق لديونه الخارجية من الفوائض المالية المتحققة جراء ارتفاع أسعار النفط،…

يتجدد الحديث عن تسديد العراق لديونه الخارجية من الفوائض المالية المتحققة جراء ارتفاع أسعار النفط، وفيما أكد مستشار رئيس الحكومة عدم إمكانية تحقق هذا الأمر، لأن الفائض بأكمله لا يكفي لتسديد الديون، كما لا يمكن الإقدام على مثل هذه الخطوة وترك البلد من دون تحوط مالي، قلل خبير اقتصادي من ثقل هذه الديون، بينما أشار آخر إلى عدم وجود مصلحة بتسديدها دفعة واحدة، على الرغم من أن ذلك جائز قانونيا وممكن أن يضمن في الموازنة.  

ويقول مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية مظهر محمد صالح خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إنه “لا يمكن تسديد الديون بالكامل من وفورات عوائد النفط في ختام السنة المالية، وهناك خلط مبهم بين الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي العراقي التي تمثل اليوم 85 بالمئة من احتياطيات البلاد من العملة الاجنبية (وهي تقابل مطلوبات تمثلها العملة الوطنية المصدرة -الدينار- وتمثل غطاء العملة لغرض الاستقرار الاقتصادي والحفاظ على القوة الشرائية) من جهة، وبين الوفورات المالية من عوائد النفط المتراكمة كاحتياطي مالي غير مصروف حاليا (بسبب عدم تشريع قانون للموازنة العامة) من جهة أخرى”.

ويبين صالح، أن “جانبا منها خصص اليوم لسد نفقات قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية رقم 2 لسنة 2022، ونتوقع أن تكون الوفورات المالية أو الفوائض المتبقية في نهاية العام الحالي بنحو 15 مليار دولار، لذا من غير المنطقي الذهاب بها لإطفاء ديون طويلة الأجل وجعل البلاد خالية من أي  تحوط مالي إزاء المخاطر الاقتصادية الدولية المحتملة”.

ويتابع “إذا كانت الديون الخارجية الواجبة السداد هي بين 20 إلى 23 مليار دولار، فإن الوفورات المالية المتوقعة هي نفسها لا تكفي لسداد إجمالي الديون الخارجية فورا أمام احتياجات وطنية عظمى يقتضيها الإنفاق الاستثماري للبلاد وتعد مهمة وملحة استراتيجيا”.

يشار إلى أن المستشار صالح، أكد يوم أمس، أن إطفاء بقايا الديون الخارجية من الفوائض المالية المتوقعة، مسألة تحتاج إلى قانون أو نص في قانون الموازنة العامة المقبلة شريطة أن لا يرتبط بتوليد مخاطر لمطالبات عن مديونيات دولية شبه معدومة وتعود للنظام السابق.

يذكر أن الديون واجبة السداد، هي التي تخص اتفاقية نادي باريس، وتسمى ديون ما قبل العام 1999، بالإضافة إلى ديون أضيفت لها خلال الحرب على داعش، وذلك بحسب تقرير سابق لـ”العالم الجديد”.

وكان نادي باريس، قد شطب في العام 2004، نحو 80 بالمئة من الديون المترتبة على العراق، خلال فترة النظام السابق، حيث كانت تبلغ 120 مليار دولار.

واستمر العراق بالاقتراض الدولي بعد عام 2003، وخاصة في أزمة انهيار أسعار النفط التي تزامنت مع العمليات الأمنية ضد تنظيم داعش في عام 2014، فضلا عن الاقتراض الداخلي لسد عجز الموازنة العامة للبلد، وبحسب وزير المالية المستقيل علي علاوي، بلغت ديون العراق 133.3 مليار دولار.

وتبلغ ديون العراق الداخلية، وفقا للبيانات الرسمية، 50 مليار دولار، وهذه تستوفى ضمن الجهاز المالي الرسمي والحكومي، بالإضافة إلى وجود ديون معلقة لـ8 دول، منها إيران والسعودية وقطر والإمارات والكويت، وتبلغ 40 مليار دولار، وهذه الديون مشكوك بصحتها من وجهة نظر العراق ولم تشطب على الرغم من أنها خاضعة لنادي باريس، وقد اعتبرها المستشار صالح في حديث سابق له “شكلية ولا قيمة قانونية لها”.

وفي السياق ذاته، يوضح المحلل الاقتصادي عبد السلام حسن، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قضية سداد الديون دفعة واحدة جائزة قانونا، ولكن لا مصلحة لأي جهة في دفعها بشكل مقدم إلا بعد موافقة الأطراف المعنية، وذلك لعدم استفادة هذه الأطراف من الفوائد المترتبة على الديون”.

ولا يرى حسن أي علاقة لـ”الإرادة السياسية بقضية سداد الديون، والدليل على ذلك ما حصل مع ديون الكويت التي تم تسديدها من خلال ارتفاع أسعار النفط وإنهاء ملفها بالكامل، كما أن الموازنة تنص على أن حكومة تصريف الأعمال لا يحق لها التصرف بهذه الديون”.

وقد تضمنت موازنة عام 2021، وضمن فقرة النفقات، تخصيص 9 ترليونات دينار (نحو 6.2 مليار دولار)، لسداد المديونية الداخلية والخارجية.

ومنذ مطلع العام الحالي، شهدت أسعار النفط ارتفاعا قياسيا كبيرا، لم يحدث منذ نحو 7 سنوات، بفعل الحرب الروسية-الأوكرانية، وهو ما عاد بالفائدة على العراق، لكن بقيت هذه الأموال مجمدة ولا تستطيع الحكومة التصرف بها، نظرا لعدم وجود قانون موازنة، وأكد مستشار رئيس الحكومة المالي مظهر محمد صالح، سابقا لـ”العالم الجديد”، أن هذه الأموال ستستخدم لاحقا في موازنات الأعوام المقبلة.

ومن ضمن عوامل الفائض المالي هو قرار منظمة أوبك بالسماح في زيادة كمية تصدير النفط العراقي، بالإضافة إلى قرار مجلس الأمن الدولي، في شباط فبراير الماضي، القاضي بإغلاق ملف التعويضات العراقية للكويت، بعد تسديد العراق كافة مبلغ التعويضات البالغ 52.4 مليار دولار، حيث كان يتم استقطاع 5 بالمئة من إيرادات النفط للتسديد منذ 32 عاما، والتي كانت تقدر يوميا بين 7-6 ملايين دولار، بحسب أسعار النفط في السنوات السابقة.

من جانبه، يفيد الخبير الاقتصادي نبيل العلي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “ديون العراق ليست كبيرة ولا تحتوي على كلفة فائدة أو فائدتها محدودة، فكثير من القروض جاءت عبر الاتفاقيات والاجتماعات الحاصلة في العراق”، لافتا إلى أن “هذه الديون لا تستوجب التسديد نقدا لأنها بسيطة”.

ويضيف العلي أن “هناك ديونا داخلية تطالب بها الحكومة، وهذه أشبه بغير المحسوبة لأنها ديون بين الدولة والحكومة”، مبينا أن هناك “ديونا خارجية مثل ديون السعودية ودول الخليج، وهذه غير مثبتة ولا واجبة السداد لأنها مرتبطة بالنظام السابق وحروبه”.

يذكر أن وزير المالية المستقيل علي علاوي، أعلن في أيار مايو الماضي، أن خفض قيمة الدينار العراقي أدى إلى الحفاظ على احتياطيات العملة الأجنبية لدى البنك المركزي العراقي بعد المستويات المنخفضة والحرجة التي وصلت إليها في أواخر عام 2020، كما أن التعافي في أسعار النفط والإدارة المالية “الحكيمة”، ساعد على بلوغ الاحتياطي المالي 70 مليار دولار بحلول نيسان أبريل الماضي، ومن المتوقع أن يؤدي التعافي المستمر لأسعار النفط إلى زيادة هذه الاحتياطيات لأكثر من 90 مليار دولار بحلول نهاية العام الحالي.

إقرأ أيضا