رسائل الترحيب الدولية بتكليف السوداني.. بروتوكول أم دعم حقيقي؟

ما إن تم تكليف محمد شياع السوداني، مرشح الإطار التنسيقي، بتشكيل الحكومة، حتى انهالت التهاني…

ما إن تم تكليف محمد شياع السوداني، مرشح الإطار التنسيقي، بتشكيل الحكومة، حتى انهالت التهاني والمواقف الداعمة من مختلف الدول، بما فيها الولايات المتحدة التي تصنفها الفصائل المسلحة المنضوية بأجنحتها السياسية في الإطار التنسيقي الراعي للحكومة المقبلة كعدو، ما فسره مراقبون بأنها مجرد بروتوكول ولا تعبر بالضرورة عن دعم صادق للحكومة المزمع تشكيلها من قبل السوداني، فيما توقعوا عدم نجاح الأخير في بناء جسور دبلوماسية متينة مع العرب والعالم، بسبب مرجعيته السياسية، لفت آخرون إلى عدم تفرغ الدول الكبرى للوضع العراقي في ظل انشغالها بقضاياها داخلية وخارجية أكثر إلحاحا، كالحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها.

ويقول المحلل السياسي المقيم في واشنطن عباس كاظم خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الولايات المتحدة تتعامل مع الجميع، فمثلا علاقتها مع السعودية تعلن دائما أنها قوية وثابتة، على الرغم من كل التاريخ السابق وقانون جاستا وغيره، وبالتالي فهي برغاماتية، أي تتعامل مع أي حكومة سواء أتت بانقلاب أو انتخاب، ومن ثم تنظر لسلوكها إذا رأت أنه منسجم معها فلن تكون هناك مشكلة، وإذا غير منسجم فتتجه للعقوبات والضغط”.

ويضيف كاظم، أن “برقيات التهنئة التي وصلت المكلف بتشكيل الحكومة محمد شياع السوداني، تحمل طابعا بروتوكوليا، وخصوصا من الدول التي لها علاقة قوية مع العراق، ومن الجانب الآخر، فإن هذه البرقيات تعبر عن الشعور بالارتياح لانفراج الأزمة العراقية، فالبلد كان جامدا لأكثر من سنة وهذه الانفراجة ولدت ارتياحا لدى الكثير من الدول التي تريد أن ترى العراق يتحرك لتشكيل حكومة، وهذا ما تريده الدول الكبرى أو الغرب عموما، وحتى إحاطة بلاسخارت في مجلس الأمن أكدت على هذا الأمر”.

ويشير إلى أنه “لغاية الآن لم نر سوى تكليف السوداني، لكن حينما تتشكل الحكومة وتعلن الأسماء والبرنامج الحكومي سنعرف طبيعتها، هل هي مستوعبة لأطياف واسعة من الأحزاب أم أنها ستكون حكومة إطارية، وهذا سيحدد الموقف تجاه السوداني”.

ومنذ لحظة انتخاب رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد من قبل البرلمان، وتكليفه لمحمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة، وردت عشرات برقيات التهنئة من مختلف الدول العربية والغربية، بمناسبة هذين الحدثين، وكانت الأبرز من دول المنطقة وإيران، ووزارة الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت.

وأشادت برقيات التهنئة بانفراج الأزمة السياسية القائمة منذ أكثر من عام، حيث عد الاتحاد الأوروبي انتخاب رشيد وتكليف السوداني “خطوات إيجابية تجاه تشكيل الحكومة”، مؤكدا ضرورة الإسراع بتشكيل حكومة ذات تفويض دستوري وصلاحيات كاملة.

فيما عبرت بلاسخارت عن أملها بأن يمهد تشكيل الحكومة الطريق لبرنامج حكومي يعالج القائمة الطويلة من القضايا العاجلة والعالقة وتلبي احتياجات الشعب، بحسب رسالتها إلى السوداني.

كما أعلنت واشنطن عن تطلعها إلى علاقة تعاون مع رشيد والسوداني لمواصلة العمل معا جنبا إلى جنب من خلال الحكومة الجديدة من أجل خلق فرص العمل ومكافحة التغير المناخي وضمان الهزيمة الدائمة لداعش.

من جانبه، يبين المحلل السياسي الأردني حسن أبو هنية خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تعيين السوداني كرئيس للوزراء لن يجلب الاستقرار والأمن للعراق، لأن السوداني في النهاية يبقى ضمن التركيبة التقليدية للأحزاب التابعة للإطار التنسيقي والمقربة من إيران، أما التهاني الدولية فهي قضايا بروتوكولية يراد من خلالها محاولة التأثير على السوداني نفسه”.

ويلفت أبو هنية، إلى أن “السوداني سيواجه صعوبة في أداء دور متوازن إزاء المحيط العربي للعراق، وسيخضع للحزب والرؤية العامة للإطار”، مشيرا إلى أن “السوداني كان مرفوضا من قبل التشرينيين والتيار الصدري، ومجيئه سيعمق الأزمة داخل العراق ويؤدي إلى مزيد من العزلة عن محيطه العربي”.

يذكر أنه تم تكليف السوداني من قبل الكتلة الأكبر في البرلمان وهي الإطار التنسيقي، بعد أن سحب زعيم التيار الصدري نوابه من البرلمان، وأبدى رفضه القاطع لحكومة السوداني، لكونه مرشح الإطار التنسيقي ومقربا من ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي.

يشار إلى أن “العالم الجديد” تناولت سابقا مدى القبول الدولي لحكومة يشكلها الإطار التنسيقي، حيث أكد مراقب دولي عدم تعامل الاتحاد الأوروبي مع هكذا حكومة، وأشار إلى أنها ستكون معزولة، فيما قلل الإطار التنسيقي من خطورة هذا الطرح، وأن لا حاجة لاعتراف كل الدول بالحكومة التي يشكلها.

وعلى الصعيد ذاته، يفيد الكاتب والصحفي العراقي المقيم في فيينا زياد السنجري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “البيانات الأوروبية المهنئة للسوداني بمناسبة تكليفه بمهام تشكيل الحكومة الجديدة، خجولة، وهذه البيانات بروتوكولية أكثر مما هي داعمة بشكل حقيقي له”.

ويواصل السنجري، أن “الدول الأوروبية تؤيد دائما حل الخلافات السياسية في العراق، فهي لا تريد حدوث أي أزمة ممكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة كحرب أهلية تتسبب بموجات هجرة من العراق إلى دول أوروبية، إضافة إلى التأثير على النفط وتخلخل أسعار بيعه، بالنظر إلى أن العراق أحد أهم مصدري أوبك، ولهذا فإن الدول الأوروبية تريد تهدئة الأمور، لكنها في الوقت ذاته تدرك بشكل واضح أن حكومة السوداني لا تلبي مطالب الشعب العراقي، وهي تمثل جانبا متشددا وقريبا من إيران”.

ويتابع أنه “حتى الآن لا يوجد أي دعم حقيقي من الدول الأوروبية للسوداني، وهي منشغلة حاليا بوضعها الداخلي بسبب تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية وكذلك مشاكل الطاقة، ولذا فإن الدول الأوروبية لن تتدخل بقوة في الشأن العراقي ولن يكون لها ثقل في هذا الشأن غير المراقبة، كما لا نتوقع أن يبني السوداني علاقات متينة مع الدول العربية وبقية دول العالم، لأنه خاضع لأحزاب مرتبطة بإيران”.

وينوه السنجري، إلى أن “الميليشيات والكتل المقربة من طهران مستعدة في الوقت الحاضر لوضع يدها بيد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها من أجل بقاء نفوذها ودعم حكومة السوداني، وحتى أنها مستعدة للتخلي عن مطالبها السابقة بإخراج القوات الأجنبية وإنهاء الاتفاقية الأمنية وغيرها من الشعارات التي كانت ترفعها سابقا”.

وتعاني الدول الأوروبية من أزمة بإمدادات الطاقة، بعد الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث قللت روسيا إمدادات الغاز الواصلة لأوروبا.

وتعتمد أوروبا على الغاز الروسي بشكل شبه أساسي، ومؤخرا نشرت صحيفة “إندبندنت” البريطانية، تقريرا حول تزايد المخاوف من إقدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على قطع إمدادات الغاز بشكل تام عن أوروبا في فصل الشتاء، “انتقاما” من العقوبات المفروضة على موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا.

ودفعت أزمة الطاقة الغرب إلى التوجه نحو الدول العربية لإمداده بالطاقة، وعقدت أكثر من قمة لمناقشة مسألة الطاقة، وكانت وكالة “بلومبرغ”، أفادت في تموز يوليو الماضي، أن العراق والسعودية زودا أوروبا بالنفط الخام، ما يساعد مصافي النفط في القارة على التغلب على النقص الذي تعاني منه، وقد بلغت الكمية أكثر من مليون برميل من النفط الخام وصل بشكل يومي في الأسابيع الثلاثة الأولى من ذلك الشهر عبر خط أنابيب يعبر مصر.

كما برزت مسألة هجرة العراقيين خلال حكومة الكاظمي بشكل جلي، وأحدثت لغطا كبيرا بداية من قضية بيلاروسيا، حيث وصلها العراقيون بغية العبور إلى أوروبا، ومن ثم موجة الهجرة الأخرى للمكون الإيزيدي، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى الضغط على العراق لإيقاف هذه الموجات، فضلا عن مناقشة الكاظمي إعادة طالبي اللجوء العراقيين من النمسا مؤخرا، خلال مشاركته باجتماع الأمم المتحدة في نيويورك.

إلى ذلك، يوضح الباحث السياسي السعودي خالد النزر خلال حديث لـ”العالم جديد”، أن “الموقف الخليجي، وفي مقدمته موقف السعودية، ثابت من حيث عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وعدم السماح للآخرين بالتدخل في شؤونها الداخلية، وبالتالي فإن النظرة إلى ما يجري في العراق حاليا، ولاسيما ما يخص اختيار رئيس الدولة أو الحكومة، هو أنه أمر داخلي يخص العراقيين”.

ويشير النزر إلى أن “السعودية تدعم أي حكومة عراقية بصرف النظر عن رئيسها أو الجهة التي تشكلها، لأن الحكومة تمثل دولة العراق”، لافتا إلى أن “المملكة تقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب والقوى السياسية في العراق ولا تفضل طرفا على آخر”.

جدير بالذكر أن اتهامات عديدة وجهت لقوى الإطار التنسيقي بالوقوف خلف الهجمات على البعثات الدولية في العراق، لكن غالبا ما يصدر نفي رسمي من قبل الجهات السياسية في الإطار التنسيقي، على الرغم من أن الجماعات التي تتبنى الهجمات تروج إلى أنها تابعة لقوى الإطار.

إقرأ أيضا