العمل قد يكلف المرأة “شرفها” في العراق.. “المحاصصة” وتجنب القضاء يعمقان ظاهرة التحرش

“دار سكنية، سيارة شخصية، عمل دائم، وراتبٌ مجزٍ”، عرضٌ تلقتهُ الإعلامية أميرة جعفر (39 سنة)…

“دار سكنية، سيارة شخصية، عمل دائم، وراتبٌ مجزٍ”، عرضٌ تلقتهُ الإعلامية أميرة جعفر (39 سنة) ليس مقابل مهنيتها وأدائها الإعلامي، بل لأن تصبح عشيقة لمدير القناة الفضائية وهو ابنٌ لسياسي ورجل دين في بغداد.

 

احتاجت لثوانِ كي تستجمع أفكارها وتقول بنبرة متقطعة “كان يرسل في طلبي لأذهب الى مكتبه، وهناك يصف ملامحي ويمدح مثل الشعراء صفاتي، وينظر إلي بعينين مريضتين فأتحاشاه وأتعامل مع وضاعته بدبلوماسية لكي لا أفقد عملي”.

 

تقول بتوتر وهي تلف ذراعيها فوق بعضهما “طلب مني صراحة ذات مرة، أن تكون بيننا علاقة سرير سرية خارج نطاق الزواج”. أخبرته أنها تحتاج إلى وقتٍ للتفكير في الأمر، لكنها في الحقيقة كانت محاولة للتملص من الشرك الذي أعده لها، وقالت في نفسها إنه ربما واقع تحت تأثير نزوة، وأنه سيتركها لشأنها بعد حين لينشغل بواحدة أخرى، لذلك لاذت بالصمت ولم ترد على عرضه.

 

فوجئت بعدها بأيام بقرار إداري أوقف برنامجها (نبض الناس) والذي كان مخصصاً لعرض مشاكل المواطنين ومعاناتهم جراء سوء الخدمات الحكومية.

 

وحين قابلت المدير لمعرفة السبب أخبرها صراحة “العمل مقابل العرض الذي قدمته لكِ، سيستمر وقف البرنامج ثلاثة أسابيع وعودته مرهونة بموافقتك”. استمرارها بالرفض أفقدها عملها دونما حتى تسليمها أجورها التي تستحقها، ووجدت لاحقاً الأبواب موصدة بوجهها حين حاولت البحث عن فرصة عمل جديدة لدى مؤسسات إعلامية أخرى.

 

تصمت قليلاً ثم تقول بأسف “المؤسسات الأخرى تتجنب توظيفي لأنني رفضت الرضوخ للمتحرش، ويبدو أن هذا أصبح غير ملائم للكثيرين!”.

 

لماذا لاتقيم النساء دعاوى تحرش؟

يُعرف التحرش الجنسي بأنه تنمر أو إكراه على فعل جسدي أو وعد غير لائق أو غير مرحب به بمكافآت مقابل خدمات جنسية. ويتعدد ألى تحرش لفظي وجسدي (عاطفي) واجتماعي وإقتصادي، وهي بحسب مراقبين ظاهرة متنامية في المؤسسات الحكومية العراقية فضلاً عن قطاع العمل الخاص.

 

ويرى المحامي صفاء اللامي، بأن فعل التحرش مجرم بموجب قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، في مادتيه (396، 397) إذ نصت المادة (396) على أنه “1- يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سبع سنوات أو بالحبس من اعتدى بالقوة او التهديد أو بالحيلة او باي وجه اخر من اوجه عدم الرضا على عرض شخص ذكرا أو انثى أو شرع في ذلك. 2- فاذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يبلغ من العمر ثماني عشرة سنة او كان مرتكبها ممن أشير إليهم في الفقرة (2) من المادة 393 تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين)”.

 

كما نصت المادة (397) على أنه “يعاقب بالحبس من اعتدى بغير قوة أو تهديد أو حيلة على عرض شخص ذكراً أو أنثى لم يتم الثامنة عشرة من عمره فاذا كان مرتكب الجريمة ممن أشير إليهم في الفقرة (2) من المادة (393) تكن العقوبة السجن مدة لا تزيده على سبع سنوات أو بالحبس”.

 

ويذكر أيضاً أن المادة (402) من ذات القانون تنص على سجن (المتحرش بالطلب) ثلاثة أشهر أو الغرامة على أن تضاعف العقوبة إلى السجن ستة أشهر في حال تكرار الفعل. وهو ما يراه خبراء فضلاً عنهُ غير كافٍ للردع المطلوب.

 

ويذكر اللامي أن مشكلة كبيرة تواجه تطبيق القوانين بحق المتحرشين وهي ما تخص عبء الإثبات، إذ أن المحكمة تطالب النساء إثباتات لواقعة التحرش سواءً مقاطع صوتية أو رسائل نصية أو شاهدين إثنين وهو ما يصعب توفره في العادة، وفقاً لتأكيده.

 

وهذا تحديداً ما يرصده ناشطون في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، إذ يؤكدون بأن الأدلة المطلوبة قضائياً، فضلا عن امتناع أغلب المتعرضات للتحرش عن تقديم شكاوى بسبب تداعياتها اللاحقة عليهن، هما سببان رئيسان في إفلات المتحرشين من طائلة العقاب والإستمرار في أفعالهم.

 

ويؤكدون كذلك وبسبب تجنب النساء المتحرش بهن تقديم شكاوى، عدم وجود إحصائيات دقيقية لحجم مشكلة التحرش في عموم المؤسسات العراقية، ودعوا المؤسسات والمنظمات المعنية بالمراة وحقوق الإنسان الى تنظيم إستبيانات والتثقيف من أجل وقف أو التقليل من ظاهرة التحرش التي يقول الكثيرون بأنها متفشية.

 

يعود اللامي إلى القول، أنه وبحكم عمله مطلع على العديد من القضايا التي أطرافها نساء حركنا دعاوى ضد رؤساء أعمالهن بسبب التحرش، ومنها دعوى أقامتها الإعلامية جيهان في محكمة البياع. ودعوى أخرى أقامتها الإعلامية آن صلاح التي تعمل مقدمة برامج على الملاك الدائم في شبكة الاعلام العراقي في قناة العراقية تحديداً.

 

ويستدرك اللامي: “أكثر النساء المتعرضات للتحرش يتجنبن إثارة ذلك، خوفاً من المجتمع وعدم تجاوب القضاء بسبب الأدلة أو تعرضهن لعواقب وخيمة كالقتل من قبل أقرباء لهن غسلاً للعار”. لذلك فهو يرى بأن الحاجة ماسة إلى ضرورة إجراء التعديلات على بعض المواد القانونية وتشريع قوانين جديدة مختصة بالظواهر الاجتماعية الجديدة مثل التحرش خلال أوقات العمل والابتزازالالكتروني وغيرها.

 

وخلال محاولة تقصينا في محاكم العاصمة بغداد عن دعاوى التحرش، وجدنا بأن هنالك عقبة أخرى تعترض النساء في سعيهن لإثبات الإعتداء عليهن بالتحرش، ويتمثل ذلك بتدخل العشائر وفض القضية من خلال فرض مبالغ مالية.

 

حتى أن مجلس القضاء الأعلى نشر في موقعه الخاص ما يفيد بذلك، من خلال تقرير في 15 أيلول سبتمبر2019 ذكرت فيه قاضي محكمة تحقيق الكرخ في بغداد، سيماء نعيم هويم، أن “المحاكم تردها قضايا وشكاوى عدّة عن حالات التحرش لكن هذه الدعاوى ‏تنتهي في الغالب بالصلح والتراضي”.

 

نهلة أياد (30 سنة) من بغداد، لم تمض بعيداً مع شغفها بالإعلام، بسبب ما تعرضت له من مضايقات وفقاً لما تقول وفي العديد من وسائل الإعلام التي حاولت الاستقرار فيها وإظهار موهبتها الإعلامية.

 

“كل مرة نفس القصة، وهي المساومة، علاقة غرامية مقابل العمل مع أنهم يعلمون جيداً بانني سيدة متزوجة” آخرها كانت سنة 2020، حين تفاجأت باتصال ليلي من مسؤول برامج في قناة كانت قد بدات العمل فيه منذ وقت قريب، وأخذ يعدها بمستقبل زاهر في القناة، مع الكثير من الفرص والمهام.

 

بعدها بأيام اتصل بها وطلب حضورها لأمر طارئ للقناة، وهناك أخذ يحدثها عن برود زوجته ورغبته في حضن دافىء كحضنها يعوضه عن حرمانه، وكان العرض كالمتوقع “علاقة مع ضمان ديمومة العمل”.

 

وتماما كما حدث مع الإعلامية أميرة جعفر، فصلت نهلة من العمل دون منحها أجورها المستحقة عن شهرين سابقين. وكانت تلك هي تجربتها الأخيرة إذ قررت الإبتعاد تماما عن الوسط الإعلامي الذي قالت بأنه مليء بالإبتزاز ولا تجد الضعيفة فيه من يحميها.

 

بخلافها، قامت الإعلامية نبراس المعموري، بتأسيس منظمة الإعلاميات العراقيات، وقامت بإطلاق حملات عبر مواقع إعلامية أو للتواصل الاجتماعي لتوعية وتعبئة الرأي العام في سبيل مواجهة ظاهرة التحرش بالنساء العاملات.

 

المعموري، تؤكد كما فعلت في مقابلات مرئية ومسوعة ومقروءة أجرتها بأنها واحدة من ضحايا التحرش، وأن مديرا لها بالعمل تحرش بها وأنه أراد منها أن تكون راضخة لطاعته، لذلك فهي متفهمة تماماً للواقع الذي تعيشهُ اللواتي يتعرضن للتحرش.

 

وكانت المعموري قد أعدت دراسة خاصة بالاعلاميات في سنة 2013 توصلت فيها إلى تعرض 68% منهن للتحرش أثناء تواجدهن بالعمل، وان التحرش اللفظي كان بنسبة أكبر واللمس بنسبة أقل.

 

تحرش في المؤسسات الحكومية والتربوية

الحديث عن التحرش بالنساء في العراق لا يقتصر على المؤسسات الإعلامية أو الأهلية فقط، بل يتعداها إلى المؤسسات الحكومية بل وحتى التربوية والجامعية. ومن أمثلة ذلك ما تعرضت له (صابرين)، وهو أسم مستعار، معلمة ثانوية للغة الأنكليزية.

 

إذ بعد خلاف عميق نشب بينها وبين زوجها، اتفقا على الطلاق لينهيا بذلك حياة زوجية لم تستمر أكثر من ثلاث سنوات، وكانت ثمرته طفلة. طلبها الوحيد من زوجها قبل إيقاع الطلاق، كان أن لايفشي الأمر”لكي لا أكون هدفاً لمن في قلبه مرض”.

 

لكنه لم يلتزم بذلك وأرسل لها ورقة الطلاق إلى مدرستها، عندها بدأت معاناتها. فقد كانت تلك الورقة التي وقعتها في غرفة المدير، ممهدة لباب إستغلالها، وكان مدير المدرسة هو أول من طرق ذلك الباب.

 

في اليوم التالي بدأت تشعر بأن نظرات مديرها تلاحقها في كل مكان، وكثرت زياراته للصف بذرائع شتى كحاجتها لأقلام السبورة أو الممحاة أو إهدائها قاموساً باللغة الأنكليزية، ومن ثمة نقل محاولاته إلى مستوى آخر بالإتصال بها ليلاً، وعندما نهرته، طلب منها في اليوم التالي موافاته إلى غرفته.

 

سألها إن كانت ترغب بالزواج منه، قالت له وعينها على الخاتم بإصبعه: “لكنك متزوج!”. فرد وهو مسترخ في كرسيه:”لابأس بزواج في السر أو أن يكون هنالك شيء بيننا، فأنا…..” كان يحاول إكمال عبارته عندما نهضت وغادرت الغرفة وكان ذلك ردها على طلبه.

 

ولأن المدرسة حكومية ولايستطيع المدير إنهاء خدماتها، أخذ يثيرُ لها المشاكل إنتقاماً منها، ومر الشهر تلو الآخر وهو ينهال عليها بالعقوبات، وذلك بمحاسبتها وبالدقائق عن التأخر في الدوام وزيادة حصصها في المحاضرات ورفض طلبات الإجازة التي تقدمت بها.

 

دخلت صابرين في صراع نفسي تصفه بالمرير، فلم تكن قادرة على الحديث عن أي شيء من ذلك لعائلتها لكي لايمنعها اشقاؤها من العمل، في حين أن أي شكوى تقدمها لإدارة التربية كانت تعني فضيحة مدوية بالنسبة لها.

 

لكنها وجدت طوق النجاة في صديقة لها، يشغل زوجها منصباً مرموقاً في وزارة الداخلية، حصل لها من وزارة التربية على قرار نقل إلى مدرسة أخرى، وعبثاً حاول المدير عرقلة قرار النقل بحجة نقص الملاك التدريسي.

 

تقول صابرين:”عادت بي الرغبة مجددا بالحياة والأنفاس لتملأ رئتي وانتهت معاناتي التي امتدت لعام ونصف العام”.

 

تحرش في الجامعة

ومن أروقة الجامعات، تخرج الكثير من الأحاديث عن مضايقات تتعرض لها تدريسات وموظفات وطالبات، تقف نظرة المجتمع وعبء الاثبات القضائي وقبلها الإدارات حواجز لتقديم ضحاياها شكاوى.

 

(مروة) سيدة مطلقة، حاصلة على شهادة الدكتوراه من جامعة المستنصرية في العاصمة بغداد، وتعمل في إحدى كلياتها. تخطت بالتجاهل الكثير من المواقف التي واجهتها مع رؤساء الأقسام والموظفين، لكن ما حدث لها مع زميل لها يعمل رئيس قسم في كليتها، تقول بأن”يده واصلة في الحكومة” لم تكن قادرة على تخطيه.

 

وتروي: “ضايقني مراراً وتكرارً بالنظرات والكلمات وحتى بالتدخل في علاقاتي مع الزملاء، كان يقول لكل واحد جمعني به لقاء أنني أخصه وأن عليه الابتعاد عني، لم أكن أعرف ماذا يريد بالضبط، لأنني كنت رافضة تماماً الحوار معه، لكنني قد قد سمعت بانه شخصٌ كثير العلاقات وسمعته كانت غير جيدة”.

 

عندما لم يجد طريقة للوصول إليها غير من استراتيجيته، عرض عليها بواسطة زميلة مشتركة أن بوسعه تامين منصب إداري مهم لها في الجامعة، وحين رفضت الرضوخ لإغراءه إنتقل من جانب الغرام إلى جهة الانتقام.

 

فأصبحت تضاف إلى لجان إدارية ليست من اختصاصها، لألقاء اللوم عليها في حال وقوع أي تقصير، وكتب مطالعات للعمادة تتهمها بالتقصير فعلاً ووجهت إليها عقوبات تقول بأنها لاتستحقها. حتى إنهارت نفسياً واخذت تحاصرها الأمراض كالضغط والسكري وإلتهاب الغدة الدرقية.

 

تشير إلى أنها لم تلجأ للقانون لأنها تعرف بأن لدي علاقات كان يتفاخر بها مع شخصيات نافذة كانت تزوره أحيانا في الكلية، وأن نهاية أي شكوى ستكون نتيجتها ضدها، لذلك قدمت لإجازة مرضية مدتها ستة أشهر وهي لاتعرف تماماً ماذا سيحدث لها بعد إنقضائها.

 

وتنبه مروة إلى أن الحلقة الأضعف في الجامعة هن الطالبات، وتقول بأن الكثيرات منهن توقفن أصلاً عن مواصلة الدراسة، وأخريات تعرضن إلى تشويه سمعة وكل ما يلحق بذلك ضمن نطاق المجتمع و”قليلات وقعن في شباك المتحرشين جنسياً مقابل درجات إمتحانية”.

 

تؤكد ذلك (مينا) وهو أسم مستعار أختارته لنفسها، طالبة في جامعة بابل، قالت بأن أستاذاً لها بدأ بمغازلتها ومحاولة التقرب منها، وإختلاق الأعذار للإتصال بها هاتفياً، إلى أن أضطرت لإخباره أنها مخطوبة بغية منعه عن مواصلة مضايقتها.

 

وكان رده عليها وفقا لما تقول أنه لايريدها للزواج، بل للمتعة، وإن أرادت يتزوجها وفقاً لذلك ولمدة محددة. تذكر وبكثير من الأستياء أنها وبعد ان واجهته بالرفض القاطع، منحها درجة متدنية في مادته التي رسبت فيها مع أنها متفوقة في جميع المواد وكانت تخطط لدراسة الماجستير.

 

هي لاتعرف ماذا سيحدث معها في السنة الدراسية المقبلة، ولا تفكر بإخبار أي من أفراد عائلتها لأنها تعرف أول إجراء سيحدث حينها وهو منعها من الذهاب الى الجامعة.

 

أما (شهد) من الموصل، وتدرس في جامعتها، فقد كان أسلوب أستاذها المتحرش مغايرا، إذ إستعان بطالبة بزميلة لها في التواصل مع اللواتي أراد إقامة علاقات معهن من الطالبات ومعها شخصياً، حسب روايتها.

 

وقالت بأنها كانت تشتكي لزميلتها تلك عن صعوبة مادة ذلك الأستاذ وطريقته الغريبة في التعامل معها وكانت نصيحتها: “أتركي مذاكرة الدروس، إستجيبي للأستاذ وسيمنحك نجاحاً مضموناً ويكون عونا لك في النجاح بالمواد الأخرى كذلك… هو أخبرني بذلك”.

 

ووصل الأمر به أن دخل عليها ذات مرة القاعة الدراسية بعد إنتهاء الدوام وكانت تنتظر هناك وحيدة وصول السائق الذي يقلها كل يوم إلى المنزل”لا أنتظر في الخارج، بل في القاعة، يتصل بي السائق عندما يصل فأخرج إليه وكان قد تأخر قليلاً في ذلك اليوم”.

 

سألها الأستاذ وهو يتفحصها بعينيه عن سبب بقائها وحيدة، وعرض عليها إيصالها بسيارته الشخصية فرفضت بإرتباك شديد، وحينما أقدمت على الخروج وضع يده على الباب كحاجز ثم تقدم نحوها ولمسها.

 

تقول بتأثر” كان يحاول أن…..” ذهبت في صباح اليوم التالي إلى رئاسة الجامعة وقدمت شكوى ضده وطلبت التعامل معها بسرية لكن ” مضت الأيام ولم يحدث أي شيء وكأنني لم أقدم شكوى، بل لم يستدعوني أصلا، بعدها عرفت بأن للأستاذ أقرباء في مناصب حزبية رفيعة وعرفت بأن شكواي لن تصل إلى أي نتيجة”.

 

أسباب تفشي التحرش

التحرش بالنساء في مقرات العمل هو أحد كوابيس المرأة العراقية العاملة بحسب رأي الباحثة الأجتماعية مريم الفرطوسي، وأن “أغلبية النساء يتعرضن للتحرش في أماكن العمل والدراسة” هكذا تقول.

 

وتضيف إلى ذلك”حتى المراة غير العاملة، معرضة للتحرش حين تقدم معاملة ما إلى دائرة حكومية، وأسمع الكثير من القصص عن مساومات تحدث لنساء في تلك الدوائر”.

 

وتحدد الفرطوسي السبب الأول الرئيسي الذي أدى إلى توسع ظاهرة التحرش الجنسي بالنساء في المؤسسات الحكومية في العراق:” امتناع الضحايا عن تقديم دعاوى قضائية ضد المتحرشين خوفاً من الأهل والمجتمع المتمسك بعادات وتقاليد بدائية”.

 

وتستدرك” يمكنني القول بان المراة هي السبب في تفشي جرائم التحرش التي لايحاسب عليها أحد، لأنها تسكت عن حقها في الدفاع عن شرفها”.

 

أما السبب الثاني برأيها، وصول بعض الأشخاص غير الكفوئين”إدارياً وأخلاقيا” لمناصب إدارية مهمة بموجب المحاصصة بين الأحزاب السياسية الجارية في البلاد.

 

وتقول”يَتبِع بعضُ أربابِ ورؤساء العمل طرقا شتى من التحرش للإيقاع بضحاياهم، مستغلين في معظم الأحيان سطوتهم وحاجة النساء للعمل”.

 

أما فيما يتعلق بالمؤسسات الأهلية، فتؤكد الفرطوسي بان المراة العاملة أكثر عرضة للتحرش والمساومة هناك بسب غياب رقابة الدولة وعدم وجود ضمانات للمرأة في العمل مثل العقود، مشيرةً إلى أنها رصدت خلال دراسة أعدتها آثار التحرش الذي تتعرض إليه النساء في المؤسسات الأهلية، ومنها سهولة تعرضها للطرد من العمل وبنحو مهين في بعض الحالات، مع امتناع المؤسسات عن تسليمهن أجورهن لشهرين أو ثلاث أو ربما أكثر.

“وحتى هنا أيضاً” تقول الفرطوسي ثم تواصل “نجد بأن أغلب هذه المؤسسات تعود لشخصيات سياسية أو أخرى في أحزاب او لديها علاقات مع أحزاب أو جهات تملك السلطة والقرار، لذلك لايمكن محاسبتهم”.

 

آثار التحرش النفسية

دكتورة الصحة النفسية إخلاص جبرين تصف التحرش بالنساء في مواقع العمل بـ”أقبح أشكال الأذى وأبشع صور الظلم” وأن مشاعرهن التي تظل في الغالب حبيسة صدورهن تتراوح بين “الغضب والخوف والتشويش والخيبة”.

 

وقد توصلت في دراسة أجرتها شملت بها نساءً تعرضن للتحرش الجنسي في أماكن العمل، إلى أنهن يتفادين أماكن كثيرة، سواء كانت في العمل أو أخرى عامة، ويسيطر عليهن القلق مما يعيق عملهن او المهام التي يكلفن بها، وهن كثيرات البكاء والكبت، ويشتركن جميعهن في صفة واحدة وهي الخوف.

 

وتوضح: “الخوف من الزوج أو الأهل بما يحدث لهن”، ثم تشير على أن الأمر يخلق لهن نوعاً من الإضطرار ويصبن بالتوتر، ويصبح الأمر مثل مطاردة وعليهن أن يجدن ملاذات آمناً، وهو ما يؤدي على الانهيار العصبي، خاصة إذا كانت الأعمال التي تقمن بها هي سلهن الوحيدة للعيش.

 

وتضيف: أما إذا هربن وتركن مواقع العمل والدراسة ستبقى الحادثة عالقة بذاكرتهن ويكن حذرات ويصعب أن تثق واحدة منهن برجل، وهذا يعني عزوف غير المتزوجات عن الزواج أما إذا كانت الضحية متزوجة، فتلازمها حالة من العصبية وضعف في التواصل مع زوجها وقد يؤدي ذلك في النهاية الى الطلاق”.

 

في حين تؤكد الباحثة شيماء مصطفى، أن الأضرار النفسية التي تلحق المتعرضات للتحرش في العراق غير واضحة بالكامل، لعدم وجود دراسات مستفيضة، والتي تجري غير مهنية ونتائجها محدودة، ولاتعطي تصوراً كافياً عما تعانيه المرأة العاملة.

 

ولا تستبعد شيماء، أن تكون للكثير من حالات انتحار النساء سنوياً، علاقة بطريقة أو بأخرى بالتحرش، وتقول: “لأن الضحية تكون محاصرة بين الرضوخ وفقدان العفة وبين المجتمع القاسي الذي يحاسب الضحية ويترك الجلاد”.

 

 

 

إقرأ أيضا