خرق البروتوكول الرئاسي.. إحياء لمخاوف الصراع واستعادة لصور الانقلابات

شهدت مراسم تسنم رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد منصبه، خرقا لبروتوكولات الديمقراطية بعد 2003، وذلك…

شهدت مراسم تسنم رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد منصبه، خرقا لبروتوكولات الديمقراطية بعد 2003، وذلك بعد رفض رئيس الجمهورية السابق برهم صالح، حضور تلك المراسم، في خطوة عدّها خبراء بالشأن السياسي “إشارة سلبية” أعادت للأذهان صورة الانقلابات التي رافقت التحولات السياسية في القرن الماضي، وأحيت مخاوف الصراعات المحتملة.

ويقول المؤرخ السياسي فائز الخفاجي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “عدم حضور رئيس الجمهورية السابق برهم صالح إلى مراسم تسلم عبد اللطيف رشيد منصب الرئاسة بشكل رسمي، يدل على الفوضى والخلافات السياسية ويكشف زيف ادعاءات شعارات التبادل السلمي للسلطة”.

ويضيف الخفاجي، أن “أول من خرق مبدأ التبادل السلمي للسلطة هو نوري المالكي عندما لم يحضر تسليم منصب رئاسة الوزراء لحيدر العبادي، لكن رئيس الجمهورية الأسبق فؤاد معصوم عمل على تسليم منصبه بشكل سلمي ووفق كل الأعراف القانونية والدستورية”.

ويتابع أن “عدم حضور صالح يدل على الخلافات السياسية داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، خصوصا أن صالح لا يمتلك وزنا سياسيا داخل الاتحاد، ولا بين القوى السياسية، وخروجه من الاتحاد مجددا أمر وارد، لكنه بلا وزن سياسي، سواء بقي مع الاتحاد أو انشق عنه”.

ويرجح الخفاجي أن “يقوم رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي بتسليم السلطة بكل سلمية ووفق الأطر الصحيحة إلى أي رئيس وزراء يأتي بعده، عكس ما فعله برهم صالح مع عبد اللطيف رشيد”.

وتسنم رشيد منصبه، أمس الإثنين، خلال حفل رسمي في قصر السلام، لكنه خلا من حضور صالح، حيث اكتفى رشيد بالدخول الرسمي وإلقاء كلمة.

جدير بالذكر، أن رشيد وصالح تنافسا على منصب رئيس الجمهورية في جلسة الانتخاب التي جرت يوم الخميس الماضي، بعد جولتين من التصويت، حيث لم يحصل في الجولة الأولى أي من المرشحين على عدد ثلثي الأصوات، وتنافس رشيد في الجولة الثانية مع صالح، ومن ثم فاز بواقع 162 صوتا مقبل 99 صوتا لصالح.

وعقدت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور 269 نائبا، وهو أكثر من النصاب القانوني المطلوب لعقدها والبالغ 220 نائبا، ويمثل ثلثي عدد مجلس النواب.

يذكر أن صالح، عندما تسنم منصبه رئيسا للجمهورية في عام 2018، شهد حفل تنصيبه حضور رئيس الجمهورية الأسبق فؤاد معصوم، وسلمه السلطة بشكل بروتوكولي ديمقراطي، كما سلم في حينها رئيس الوزراء حيدر العبادي الحكومة إلى خليفته عادل عبد المهدي بنفس السياق البروتوكولي، وهو ما سار عليه الوزراء أيضا، حيث تسلموا وزاراتهم في تلك الحكومة بحضور الوزراء السابقين.

وجرت منذ أول رئيس جمهورية منتخب وهو جلال طالباني، مراسم تسليم السلطة، وفي حينها جدد البرلمان انتخاب طالباني لدورتين، ومن ثم مر بوعكة صحية حادة جعلته طريح الفراش، وذلك بالتزامن مع انتخاب فؤاد معصوم رئيسا للجمهورية عام 2014، ما حال دون حصول هذا البروتوكول.

وفي ذلك العام، أي 2014، جرى خرق هذا البروتوكول، عندما رفض البرلمان تجديد انتخاب رئيس الحكومة نوري المالكي لدورة ثالثة على الرغم من مطالبته بها، وجرت أحداث عديدة عندما كلف معصوم حيدر العبادي بتشكيل الحكومة وصوت البرلمان على حكومته، وفي يوم تسليم السلطة، شهدت العاصمة بغداد إجراءات أمنية مشددة تحسبا من أي رد فعل قد يقدم عليه المالكي، وتسلم العبادي منصبه من دون هذا البروتوكول.

وعاش العراق منذ مطلع القرن الماضي فترة انقلابات مستمرة، جعلت هذا النوع من المراسيم ضربا من الخيال، بدأت بإسقاط الحكم الملكي بانقلاب عام 1958، ثم انقلاب عبدالسلام عارف في 1963، ثم قدوم البعثيين في عام 1968، عبر انقلاب وصف بـ”الأبيض” تمثل بإبعاد رئيس الجمهورية آنذاك عبد الرحمن عارف، حيث تم تنصيب أحمد حسن البكر رئيسا قبل أن يتنحى في العام 1979 لصالح نائبه آنذاك صدام حسين في ظروف غامضة، فيما تمت الإطاحة بالأخير عبر غزو أمريكي بريطاني في العام 2003.

من جهته، يفيد المحلل السياسي فلاح المشعل خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “عدم حضور صالح مراسم تسليم رئاسة الجمهورية إلى الرئيس الجديد إشارة سلبية وتبين حجم الخلافات السياسية، وتؤكد أن عملية انتخاب رئيس الجمهورية لم تكن ودية، وهذا الخلاف لم ينته بعد انتهاء جلسة التصويت”.

ويشدد المشعل، على أن “صالح كان يفترض أن يكون موجودا خلال تسلم رشيد رئاسة الجمهورية، حتى يبرئ ذمته بشكل كامل من المنصب بكافة المتعلقات المالية وغيرها، وعدم حضور صالح يدل على أنه زعلان وغاضب من فقدانه المنصب ورافض أن يذهب إلى غيره”.

ويشير إلى أن “صالح كثير الانشقاقات، وهو عاد للاتحاد الوطني الكردستاني بعد أن وعدوه بمنصب رئيس الجمهورية، وخروجه من الاتحاد من جديد أمر وارد بعد فقدانه المنصب، فالمناصب والمنافع الشخصية هي التي تتحكم بسلوك العديد من القيادات السياسية في العراق”.

ويلفت المحلل السياسي، إلى أن “الخلاف السياسي داخل الاتحاد الوطني الكردستاني ما زال قائما حتى بعد انتخاب رئيس الجمهورية، وعدم حضور صالح يدل على ذلك، والأيام المقبلة ربما سوف تكشف حجم هذه الخلافات والصراعات”.

يشار إلى أن الحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين، دخلا في صراع كبير بعد إجراء الانتخابات النيابية خلال تشرين الاول أكتوبر الماضي، حول منصب رئيس الجمهورية، فقد طالب الأول بهذا المنصب، كونه صاحب أكبر عدد من المقاعد النيابية عن الأحزاب الكردية، في وقت يصر الآخر عليه، نظرا لتقاسم المناصب القائم منذ 2005، حيث يسيطر الحزب الديمقراطي على مناصب حكومة الإقليم فيما تذهب رئاسة الجمهورية للاتحاد الوطني.

يذكر أن رشيد تسنم المنصب مرشحا عن الاتحاد الوطني الكردستاني، وبتوافق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي قدم سابقا القيادي فيه ووزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري، لكن المحكمة الاتحادية وبناء على دعوى رفعت ضد زيباري، منعت ترشيحه للمنصب حاليا ومستقبلا، ومن ثم قدم وزير داخلية إقليم كردستان ريبر أحمد كمرشح بديل للمنصب، لكنه سحب ترشيحه في يوم جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الخميس الماضي.

إقرأ أيضا