جرحى تشرين.. حكايات متضاربة حول رحلة ألمانيا

يزداد ملف علاج جرحى تظاهرات تشرين في ألمانيا غموضا، فعلى الرغم من إرسال الحكومة لعدد…

يزداد ملف علاج جرحى تظاهرات تشرين في ألمانيا غموضا، فعلى الرغم من إرسال الحكومة لعدد منهم إلى ألمانيا للعلاج وتأكيد أطراف مقربة من مكتب رئيس الوزراء تحمل التكاليف المالية، يروي ذات الجرحى قصصا مغايرة، أكدوا خلالها تقصير الحكومة التي لم تدفع جميع تكاليف المستشفى، ولم توفر الأجهزة اللازمة، فضلا عن عدم تعاون المسؤولين الحكوميين المعنيين بهذا الملف.

وفي هذا الشأن، تقول ذكرى سرسم، نائب رئيس منظمة برج بابل المهتمة بمتابعة حالات جرحى التظاهرات مع مجلس الوزراء، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “مستشار رئيس الوزراء هشام داود، كان هو صاحب مبادرة معالجة جرحى تشرين خارج العراق، وقد جاءت هذه المبادرة استنادا إلى حالة جريح اسمه حمزة أحمد من أهالي منطقة العزيزية في محافظة واسط، والمصاب بإطلاق ناري في منطقة الرقبة والذي أصيب بشلل جعله يقضي وقتا طويلا للعلاج في المستشفى، فحاولنا قدر الإمكان إيجاد طريقة لعلاجه لأن اللجنة الطبية في وزارة الصحة ذكرت في تقريرها أنه لا جدوى من علاجه خارج العراق، وقد تبين في القانون القديم أن إصابات الحبل الشوكي غير مشمولة بالعلاج في الخارج”.

وتضيف سرسم “حاولنا مع رئيس اللجنة قدر الإمكان أن يتم تسفير حمزة لغرض العلاج، لكن اللجنة الطبية بقيت مصرة على رأيها”، مبينة أنه “بسبب الشلل والإحباط بات يعاني من مضاعفات شديدة كتكرار الإغماءات والتهابات المجاري البولية وعدم تقبل الطعام، فضلا عن الحالة النفسية المضطربة، وبقي سنتين على هذه الحال”.

وتتابع نائب رئيس المنظمة غير الحكومية، أنه “وبتدخل من المستشار هشام داود صدر قرار بإرسال 11 جريحا بينهم حمزة إلى ألمانيا لغرض العلاج، وكان هناك اتفاق بين الحكومتين العراقية والألمانية مع تعهدات وكفالات من ذوي الجرحى بأن يعودوا إلى العراق ما إن تنتهي مدة علاجهم، فتم إرسالهم وظلوا هناك لمدة 3 أشهر، وقد أرسلت الحكومة العراقية الأموال الخاصة بعلاجهم إلى الجهات المعالجة”.

وكان مجلس الوزراء، قرر في 21 كانون الأول ديسمبر 2021، تخصيص ملياري دينار لوزارة الصحة لتغطية علاج جرحى التظاهرات، فيما وجه الكاظمي، خلال تشرين الأول أكتوبر 2021، بالإسراع في إجراءات الحصول على سمة الدخول “الفيزا” لإرسال جرحى تظاهرات تشرين من المصابين بالشلل الرباعي إلى ألمانيا.

وتبين سرسم، أن “جزءا من الجرحى عادوا إلى العراق، ومن ضمنهم حمزة الذي تحسنت حركته بعد مروره بتجارب الروبوت، ولكن حالته كانت تتطلب الكثير من الجهد والأموال ليتعافى بالكامل، وربما يفيده استيراد روبوت مخصص له يساعده على الحركة، إلا أن الموضوع معقد وليس بهذه السهولة”، مضيفة “أما الذين لم يعودوا من ألمانيا، فقد أثر بقاؤهم هناك سلبا على ملف معالجة الجرحى في الخارج، لأن الجانب الألماني سيرفض استقبال أي جريح آخر من العراق مستقبلا”.

وتشير إلى “أننا سعينا وبادرنا حتى لو كنا على يقين بأن الجريح لن يتمكن من المشي مجددا، ولكن من الضروري إظهار الاهتمام له، والحكومة قدمت لهؤلاء الشبان ما تستطيع أن تقدمه، وقد أرسلت الحالات الأكثر تضررا مثل وجود قطع في الحبل الشوكي أو حالات الشلل الرباعي”، لافتة إلى أنه “بالنسبة لحمزة فقد تجاوز مرحلة التهابات المجاري البولية والإغماءات، وبدأ بممارسة الرياضة لإدامة الحركة، ولكن أجهزة العلاج الطبيعي المتطورة غير متوفرة في العراق”.

رواية مغايرة

وتواصلت “العالم الجديد” مع الجريح حمزة أحمد الوارد ذكره في إحاطة سرسم، لكنه تحدث برواية مغايرة، اتهم فيها الحكومة بالتقصير، مؤكدا أنه “تم إرسالنا إلى مستشفى في برلين، وتم فحصي بواسطة روبوت مساعدة على المشي بناء على توصية بروفيسور ألماني، ومن خلال فحص الروبوت اتضح أنني مسيطر على الجهاز واستمريت عليه نحو شهر كامل وتمكنت منه، فتم تشخيص حالتي على أنها جيدة وفقا للروبوت”.

ويتابع أحمد “في الأيام الأخيرة من الشهر الثالث من رحلة العلاج فوجئنا بأن الحكومة العراقية امتنعت عن توفير الروبوت، وحتى البروفيسور أخبرنا بأن الحكومة تحاربنا ولا تقبل شراء الروبوت حتى بعد إبلاغها بأن الحل الوحيد والمساعد هو هذا الروبوت”، مضيفا “أرسلت مناشدة واتصلت بهشام داود (مستشار الكاظمي) ولكن لم يأتني رد منه لغاية اليوم”.

ويوضح “عددنا 12 جريحا، بعضنا عاد إلى العراق والآخر بقي هناك بعد إخبارنا بأن الحكومة العراقية لم تدفع تكاليف المستشفى، خاصة وأن بعضنا يحتاج لعمليات جراحية ولم يملك الأموال الكافية لإجرائها، بينما جاء بلاغ من إدارة المستشفى بالإخلاء”، مبينا أن “وفدا من السفارة العراقية في برلين زارنا في المستشفى، واطلع على حالتي وأخبرتهم بموضوع الروبوت، فأجابوني بأنهم لا يملكون حلا، لكنهم رفعوا كتابا بذلك إلى الحكومة العراقية، ولم تحصل الموافقة، وبالتالي فإن الرحلة كانت مجرد علاج طبيعي ولم تنفعنا بشيء”.

وكانت أول وجبة من جرحى التظاهرات، قد توجهت إلى ألمانيا في نيسان أبريل من العام الحالي، بعد أن استقبلهم الكاظمي وأكد لهم “لقد ودعتكم وأوفيت بوعدي”.

يشار إلى أن التظاهرات أدت إلى مقتل أكثر من 600 متظاهر وإصابة أكثر من 20 ألفا، نتيجة للقمع الذي استخدمته القوات الأمنية ضد المتظاهرين عام 2019، حيث استخدمت الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، والتي أدت إلى وفيات وإصابات نظرا لإطلاقها بشكل أفقي.

إلى ذلك، يذكر عادل العصاد، أحد جرحى تشرين المرسلين إلى ألمانيا للعلاج، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “رحلة العلاج هذه كانت عبارة عن مسرحية، فقد تم إخبارنا بأننا سنذهب إلى ألمانيا بالكراسي المتحركة ونعود سيرا على أرجلنا، ولكننا فوجئنا هناك بأن المستشفى الذي تم إرسالنا إليه مخصص لكبار السن وإعادة تأهيلهم بالتمارين والمساج”.

ويضيف العصاد أن “تقارير المستشفى في برلين أفادت بأن علاجنا غير ممكن، وبعد مناشدات عديدة استطعنا لقاء السفير العراقي لدى ألمانيا، لكنه لم يكن يملك صلاحيات تؤهله لاتخاذ قرار بشأننا، وأخبرنا صراحة بأن الاتفاق مع أحد مستشاري رئيس الوزراء، هو أن نذهب على نفقتنا الخاصة إلى أطباء متخصصين معروفين في ألمانيا، وذهبنا بالفعل إلى أطباء أخبرونا بأننا بحاجة إلى عمليات جراحية”.

ويواصل قائلا إن “موضوع العلاج تم تسويفه، وعدت أنا وخمسة جرحى آخرين إلى العراق بعد 4 أشهر قضيناها في ألمانيا، وما زلنا نعاني من نفس الوضع الصحي، فيما اختار الستة الآخرون طلب اللجوء لتتكفل الحكومة الألمانية بعلاجهم وفقا للقوانين السارية هناك”، لافتا إلى أن “بعض الجرحى تم إرسالهم إلى تركيا، لكنهم لم يتلقوا العلاج أيضا”.

وحاولت “العالم الجديد” التواصل مع مستشار رئيس الوزراء هشام داود، وهو المعني بهذا الملف، لكنها لم تحصل منه على تصريح رسمي بهذا الصدد.   

يذكر أن المتظاهرين الجرحى الذين وصلوا إلى ألمانيا، سبق وأن اشتكوا واستغاثوا، بسبب عدم إحالتهم لمستشفى يجري عمليات جراحية، وعبروا عن صدمتهم بأنهم وصلوا إلى دار تأهيل طبي خاص بكبار السن، فضلا عن مواجهتهم مشاكل مالية ووعودا لم تنفذ، وقد نشرت العديد من وسائل الإعلام هذه التقارير في حينها.

إقرأ أيضا