تحت وطأة الضغوط.. هل يقف السوداني على مسافة واحدة من واشنطن وطهران؟

ملفات عديدة تنتظر حكومة محمد شياع السوداني، أبرزها الحفاظ على علاقة متوازنة مع الولايات المتحدة…

ملفات عديدة تنتظر حكومة محمد شياع السوداني، أبرزها الحفاظ على علاقة متوازنة مع الولايات المتحدة وإيران، الأمر الذي شهد تضاربا في آراء المحللين السياسيين، بين من استحضر التشابه بين حكومتي السوداني وسلفه عادل عبد المهدي، بسبب “حجم النفوذ الإيراني داخلمها”، وبين من ذهب إلى أن الحكومة الجديدة ستضطر لخلق التوازن المطلوب، وعدم تكرار “الأخطاء السابقة”، مسندا إلى الفرق في شخصية الرئيسين.

ويقول المحلل السياسي خالد المعيني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الحكومة الإطارية الحالية ستحاول أن تنجح، وبالتالي سوف تكون حريصة على إدامة التوازن في علاقة العراق بأمريكا وإيران، ليس قناعة منها بهذا التوازن إنما نكاية بخصومها، وهذا من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فلن تتمكن (الحكومة) من عبور أزمة الحكم في العراق، على اعتبار أن الفائز الحقيقي هو التيار الصدري، والطرف الذي تسلم الحكم الآن هو الطرف الخاسر بحسب النتائج الديمقراطية”.

ويبين المعيني أن “هذه الحكومة ستواجه مزيدا من العزلة، على اعتبار أن الكثير من القوى المتحكمة بالملف العراقي هي قريبة من التوجه الإيراني، وإيران الآن محسوبة على محور روسيا والصين، وبالتالي فهناك شك بإمكانية السوداني في القيام بعملية توازن سهلة مرنة لأن الموضوع معقد وصعب”.

جدير بالذكر، أن قوى الإطار التنسيقي دخلت بأزمات عديدة مع الولايات المتحدة، إبان فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ففي أواخر عام 2019 وحين كانت حكومة عادل عبد المهدي تلفظ أنفاسها الأخيرة، جرى اقتحام للسفارة الأمريكية من قبل قوى الإطار (ردا على القصف الأمريكي لمواقع على الحدود السورية، قيل إنها تابعة للحشد الشعبي)، شارك فيه قادة وزعماء، ولم تمض أيام، حتى نفذت واشنطن عملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، قرب مطار بغداد الدولي، في 3 كانون الثاني يناير 2020، الأمر الذي زاد من التوترات الأمنية والسياسية في البلاد.

يشار إلى أن مجلس النواب، منح أمس الأول الخميس، الثقة لحكومة السوداني بواقع 21 وزارة من أصل 23، وقد حضر جلسة منح الثقة كافة الزعماء السياسيين، وعقدت بحضور 255 نائبا.

وكانت السفيرة الأمريكية لدى العراق إلينا رومانوسكي، من أولى الشخصيات التي قدمت التهنئة للسوداني بمناسبة نيل حكومته ثقة البرلمان، وكتبت في تغريدة لها بعد وقت قصير من انتهاء جلسة البرلمان “نتطلع قدما للعمل مع الحكومة الجديدة لتعزيز أهدافنا المشتركة خلال هذه المرحلة المحورية للعراق.. شراكتنا متجذرة في الرغبة المتبادلة لرؤية عراق ديمقراطي يتمتع بالسيادة والأمان والاستقرار”.

كما قدمت السعودية وإيران، التهانئ للسوداني يوم أمس، حيث بعث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، برقية تهنئة أعرب فيها عن أمله في تطوير وتعزيز العلاقات بين البلدين، مشددا على أن بلده دعمت العملية السياسية في العراق على أساس تصويت الشعب ولن تدخر أي جهد لتطوير العلاقات الأخوية مع العراق، فيما تلقى السوداني، برقية من العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد رئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان، حيث أعربا عن تمنياتهما بالتوفيق والسداد للسوداني في مهامه.   

وفي هذا الصدد، يفيد الكاتب السياسي فلاح المشعل خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “حكومة السوداني جاءت بموافقة السفير الإيراني لدى العراق، إذ اجتمع بالسوداني قبل أقل من 24 ساعة من موعد جلسة منح الثقة للكابينة الوزارية، ومساء الخميس وصباح الجمعة كنا نقرأ المباركات الأمريكية والأوروبية لتشكيل الحكومة، وهذا من المؤشرات على إمكانية خلق حالة من التوازن في العلاقة مع جميع الأطراف”.

ويضيف المشعل أن “هناك إشارات مهمة جدا كانت في تهنئة الحكومة الأمريكية أو السفارة الأمريكية تخص الملفات الأمنية وبقية بنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي ستكون ضمن قاعدة العمل مع السوداني”، موضحا أن “قائد الجيوش الأمريكية التقى بالسوداني رفقة سفيرة واشنطن قبل جلسة منح الثقة بوقت قصير مرتديا الزي العسكري، وهذه كانت رسالة واضحة جدا بأن الوجود الأمريكي مستمر في العراق، لذلك سينجح السوداني في خلق حالة من الخضوع  للأمر الواقع إزاء التواجد الأمريكي والإيراني”.

يذكر أن نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي، جينيفر غافيتو، عبرت عن تمسك الولايات المتحدة بالعراق وعدم تخليها عنه، قائلة إن “واشنطن تعتبر بغداد شريكا استراتيجيا. نعرف أنه بعد الخروج الأمريكي من أفغانستان اعتقد كثيرون أن الولايات المتحدة تنسحب من الشرق الأوسط، ومن العراق، وهذا خطأ، لدينا أجندة طموحة في العراق، ونعتبره شريكا استراتيجيا لأمريكا، ومنح الثقة لحكومة السوداني يسمح لنا أن نشدد على أننا نعتبر العلاقة معه أساسية ومهمة، ونرى شريكا في الحكومة العراقية الجديدة”.

يشار إلى أن حكومة السوداني، حظيت بدعم كافة الأطراف السياسية في العراق باستثناء التيار الصدري، الذي أصبح خارج المعادلة السياسية بانسحاب كتلته من البرلمان ورفضه المشاركة في هذه الحكومة.

جدير بالذكر، أن السوداني أشار في منهاجه الوزاري إلى أن عمر حكومته عام واحد، ووعد بإجراء انتخابات مبكرة بعد تعديل قانون الانتخابات، وفي فترة من المفترض أن لا تتجاوز الـ15 شهرا، وهو ذات العمر الذي عاشته حكومة عادل عبد المهدي، قبل أن تطيح بها تظاهرات تشرين الأول أكتوبر 2019.

من جانبه، يرى المحلل السياسي غالب الدعمي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “شخصية السوداني أقوى من شخصية عبد المهدي، ولا يطيع الدولة العميقة بشكل أعمى، لذلك سيكون تعامله مختلفا مع الملفات الخارجية”.

ويوضح الدعمي أن “السوداني يمتلك القدرة على خلق التوازن بين أمريكا وإيران، وأيضا لديه قدرة على الضغط على شركائه الذين رشحوه، وهذه نقطة مهمة جدا”.

وتعد الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية، من أبرز الدول صاحبة التأثير على القرار العراقي، وخاصة تشكيل الحكومة، كما يرتبط العراق مع هاتين الدولتين بمشتركات عديدة، على كافة المستويات والصعد.

ويرى مراقبون أن النفوذ الإيراني على الأرض في العراق والمنطقة هو الأقوى، وسط صراع محاور دولي، باتت فيه “أذرع” إيران قادرة على تهديد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها دول الخليج.

وبمقابل هذا النفوذ، فإن العراق استمر في الحوار الاستراتيجي مع أمريكا، التي تعد شريكا أمنيا واستراتيجيا للعراق، إضافة إلى قيادته وساطة بين السعودية وإيران على أرضه، وانطلقت أول جولاتها في نيسان أبريل 2021، بحضور رئيس المخابرات السعودية خالد حميدان ونائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد عرفاني.

إقرأ أيضا