هل يفك السوداني خناق “السكة الإيرانية” عن ميناء الفاو؟

في ظل تراكم الملفات السياسية في البلاد، يبرز للواجهة ملف اقتصادي مثير، وهو تزامن العمل…

في ظل تراكم الملفات السياسية في البلاد، يبرز للواجهة ملف اقتصادي مثير، وهو تزامن العمل على إنجاز ميناء الفاو الكبير، مع الربط السككي مع إيران، والذي وقعه رئيس الحكومة السابق بالأحرف الأولى، ما يضع الحكومة الجديد أمام تحد كبير، ووفقا لمتخصصين اقتصاديين وسياسيين، أجمعوا على أن هذا الربط سيضر بالعراق بشكل كبير، وناشدوا رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، التوجه لإكمال الميناء بشكل سريع، لكنهم قللوا من قدرته على إلغاء هذا الربط، نظرا للضغوط السياسية عليه من بعض الجهات داخل البلد.

ويقول الخبير في الشأن الاقتصادي ناصر الكناني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الربط السككي مع إيران يضر بالعراق اقتصاديا ويضرب ميناء الفاو، ولذا يجب أن يكون الربط السككي لنقل المسافرين فقط، وليس للأغراض التجارية الأخرى كنقل البضائع وغيرها، لأن ذلك يحقق مصلحتها على حساب مصالح العراق واقتصاده”.

ويلفت الكناني إلى “وجود تعمد لعدم إكمال مشروع ميناء الفاو الكبير، وهناك ضغوط من أجل إلغاء المشروع من قبل دول إقليمية، حتى أن هناك مبالغ كبيرة جدا وخيالية دفعت من أجل إلغاء هذا المشروع، فهي تريد بقاء العراق على وضعه الاقتصادي حتى تبقى هي المستفيدة من هذا الوضع”.

ويرجح أن “يدفع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني نحو مصلحة العراق، وسيعمل على الإسراع بإنجاز مشروع ميناء الفاو لما له من أهمية اقتصادية كبيرة”.

يذكر أن وزير النقل الإيراني رستم قاسمي، كشف في كانون الأول ديسمبر 2021، أي بعد تحول حكومة مصطفى الكاظمي إلى تصريف أعمال، عن توقيع مذكرة تفاهم مع وزير النقل العراقي للشروع في إنشاء سكة الحديد بين مدينتي الشلامجة في إيران ومحافظة البصرة، وأكد أن أهمية هذا الاتفاق تكمن في “أننا كنا قد أجرينا سلسلة من المباحثات مع الجانب العراقي على مدى 20 عاما لتنفيذ هذا المشروع، واتفاقنا يحمل جدولا زمنيا محددا وواضحا ويلزم الجانبين الإيراني والعراقي ببدء تنفيذ هذا الخط”.

وجاء إعلان الوزير الإيراني، بعد أن أعلن الكاظمي، في أيار مايو 2021، عن وصول المفاوضات مع إيران لبناء خط سكة حديد بين البصرة والشلامجة لمراحلها النهائية.

يذكر أن كلا من إيران والكويت، تحاولان ربط خطوط سكك حديد مع محافظة البصرة للاستفادة من موقع العراق على مستوى التجارة الدولية، ولتكون بديلا عن ميناء الفاو من خلال استقبال البواخر والسفن التجارية في موانئ الدولتين، فيما يتحول العراق إلى مستقبل للبضائع وممر بري لها فقط، في وقت سيتيح ميناء الفاو الفرصة للعراق أن يكون المستقبل للسفن والبضائع مباشرة، ويتحول إلى قوة اقتصادية كبرى في المنطقة.

على الصيعد ذاته، يشير الخبير الاقتصادي قصي صفوان، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “العراق يسعى إلى أن يكون هناك ترابط اقتصادي مع جميع دول المنطقة لزيادة حجم التبادل التجاري بين كافة الدول، خصوصا أن إيران قوة اقتصادية تعد نافذة للاقتصاد العراقي على دول الشرق، وأبرزها الصين وروسيا، ولهذا يساهم الربط السككي في زيادة قوة الاقتصاد العراقي”.

ويدعو صفوان الحكومة العراقية إلى “فرض ضرائب وجمارك على النقل السككي في حال إمضائها، حتى تكون هناك فوائد مالية له، أما في حال عدم فرض الضرائب والجمارك فسيكون للربط السككي تأثير سلبي على ميناء الفاو”.

ويردف أن “ميناء الفاو هو الأكثر أهمية اقتصادية للعراق من الربط السككي، كما أن العمل بالربط السككي قبل إنجاز ميناء الفاو سيضر بالعراق، ولذا يجب إكمال الميناء وربطه مع دول الاتحاد الأوروبي ثم الشروع بالربط السككي مع إيران والكويت”.

ويرى صفوان أن “حكومة السوداني سوف تعمل على مسارين: إنجاز الربط السككي وكذلك ميناء الفاو، لأن هذه القضية دولية، خصوصا وأن موقع العراق استراتيجي في ما يخص الاقتصاد العالمي، ولذا ستعمل حكومة السوداني على الربط الاقتصادي بكل الاتجاهات البرية والبحرية”.

وبحسب تقرير مفصل نشرته “العالم الجديد” في 25 تموز يوليو 2020، فإن ميناء الفاو سيكون نقطة الربط بين شرق آسيا وبين أوروبا، وسيحول العراق إلى ممر للبضائع، تبدأ من ميناء الفاو وتمر بريا عبر خطوط حديثة إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، ما يختصر الفترة الزمنية لنقل البضائع إلى ساعات، بدلا من 20 يوما تقريبا عبر قناة السويس، وهي الممر الحالي الرابط بين شرق آسيا وأوروبا.

وبدأ مشروع الربط السككي بين البصرة وإيران، يأخذ صداه في العام 2014، خلال تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة العراقية، حيث طرحت طهران مشروع ربط سككي بين البصرة وميناء الإمام الخميني جنوبي إيران على الخليج العربي، وصولا إلى ميناء اللاذقية في سوريا، بطول 32.5 كليومترا، لنقل المسافرين والبضائع.

يذكر أن ميناء الإمام الخميني يقع في مدينة خوزستان ويحتوي على 7 محطات بمجموع 40 رصيفا ويبلغ مجموع الواجهة البحرية للأرصفة حوالي 6,500 متر، وعرف الميناء قبل الثورة الإسلامية عام 1979 بميناء شاهبور.

من جهته، يفيد السياسي العراقي المستقل والنائب السابق مثال الآلوسي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “السوداني، سيعمل تحت ضغط أطراف سياسية وفصائل مسلحة على إكمال الربط السككي مع إيران بشكل سريع وترك الاهتمام بميناء الفاو، لأن هذا الربط فيه مصلحة لإيران على مصلحة العراق والعراقيين”.

ويلفت الآلوسي إلى أنه “بكل تأكيد الربط السككي مع إيران سيكون له تأثير سلبي على عمل ميناء الفاو التجاري، وهذا قد يسبب خسائر كبيرة للعراق، خصوصا أن إيران تريد من هذا الربط إنهاء دور البصرة التجاري مع كافة دول العالم، كما أن هذا الموضوع يصب في صالح الكويت”.

ويناشد الحكومة الجديدة “لمواجهة كل الضغوط التي تريد تمرير كافة المشاريع التي تصب في صالح إيران على حساب العراق والعراقيين، وهذه من أبرز التحديات والمشاكل التي ستواجه السوداني وفريقه الوزاري، فهناك سعي لتمرير كافة مشاريع إيران في العراق لتقوية نفوذها الذي خسرته خلال الفترة الماضية، بسبب التطورات السياسية في العراق والمنطقة وعموم العالم”.

يشار إلى أن عامر عبدالجبار، وزير النقل العراقي الأسبق (2008- 2010)، كان من أوائل الشخصيات التي رفضت مشروع ربط العراق بإيران عبر خط سكك حديد، وكشف في العام 2018، أن الربط السككي مع الكويت وإيران سيلحق الضرر بالموانئ العراقية من خلال حرمانها من أجور وعوائد السفن والوكالات والخدمات البحرية، لكنه رآها ورقة رابحة بيد المفاوض العراقي إذا أحسن استخدامها، وذلك عبر التفاوض مع إيران على منحها الربط السككي، على أن تعيد منطقة شط العرب للعراق كما كان الحال قبل اتفاقية 1975، وفتح منافذ المياه التي أغلقتها، وكذلك مع الكويت لإعادة النظر في قضايا ترسيم الحدود.

إقرأ أيضا