ظاهرة التسرب من المدارس.. هل تكافحها المنح المالية؟

ما تزال ظاهرة تسرب الطلبة من المدارس قائمة في العراق، في ظل غياب الحلول الناجعة…

ما تزال ظاهرة تسرب الطلبة من المدارس قائمة في العراق، في ظل غياب الحلول الناجعة بشأنها، ومع انعدام مستلزمات الدراسة من أبنية ومقاعد دراسية وغيرها، فضلا عن شيوع الفقر بين التلاميذ، الأمر الذي ساهم في انتشار الظاهرة، ما حدا بعدد من الخبراء والمختصين لمناقشة آليات الحد منها، ومن بينها توزيع الإعانات المالية.

ويقول النائب أمير المعموري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الحديث عن التسرب من المدارس والإحصائيات الخاصة به، يجب أن يسبقه تنظيم العملية التربوية برمتها في العراق، إذ أن كثيرا من المدارس ما زالت تنقصها مقاعد الجلوس (الرحلات) بشكل كبير، إضافة إلى وجود نقص كبير في الكتب الدراسية، ونقص كبير في عدد الأبنية المدرسية التي ما عادت تتسع لعدد التلاميذ والطلبة”.

ويوضح المعموري أن “الموضوع الأهم حاليا هو تكييف المدارس لاستيعاب الطلبة، وتوفير كافة مستلزمات الدراسة”، مبينا أن “بعض المناطق لا توجد فيها مدارس، وتقع أقرب مدرسة منها على مسافة 20 كم، وهذا يدفع الأسر إلى حمل بناتها على ترك الدراسة، وخصوصا في المناطق النائية والريفية”.

ويشير المعموري إلى أن “أغلب المدارس التي شيدت في 2013 و2014 تلكأ العمل فيها، وهي أساسا منحت لشركات غير رصينة ولم تكتمل حتى الآن”، مضيفا أن “كل هذه المشاكل في العملية التربوية يكون التسرب واحدا من نتائجها الطبيعية”.

وكانت وزارة التربية أعلنت، أمس الأحد، عن وضعها خططا للقضاء على ظاهرة التسرب من المدارس ومعالجة الأسباب المؤدية إلى ذلك، فيما بينت أنها عملت جاهدة مع مجلس النواب لإقرار قانون يُمنح بموجبه تلاميذ المرحلة الابتدائية مبالغ مالية شهريا.

وحاولت “العالم الجديد” الاتصال بوزارة التربية للحصول على تعليق أو معلومات بشأن ظاهرة التسرب من المدارس غير أنها لم تتلق الرد.

وتعج طرقات وتقاطعات العاصمة بغداد بعشرات المتسولين من الأطفال والصبية والفتيات، وأعدادهم ترتفع بصورة مستمرة، من دون أن يكون هناك أي رد فعل حكومي تجاه تنامي هذه الظاهرة.

وينص قانون التعليم الإلزامي في العراق رقم 118 لسنة 1976، النافذ لغاية الآن، على أن يعاقب بغرامة لا تزيد عن 100 دينار، ولا تقل عن دينار واحد، أو بالحبس لمدة لا تزيد عن شهر واحد، ولا تقل عن أسبوع واحد، أو بكلتيهما، ولي الولد المتكفل فعلا بتربيته، إذا خالف أيا من أحكام هذا القانون المتعلقة بانتظام الطالب في دوامه المدرسي.

وقد نص القانون أيضا على أن تقوم إدارات المدارس الابتدائية بحصر حالات التخلف عن التسجيل، بموجب القوائم المعلنة لديها وما يطرأ عليها من التعديل، بالإضافة أو الحذف، وتتخذ الإجراءات لإبلاغ أولياء الأولاد وحثهم على تسجيلهم وعلى انتظام دوامهم والحيلولة دون تسربهم عن الدراسة، ولإبلاغ الجهات المسؤولة عن مراقبة الدوام، ومديرية التربية المتخصصة.

وفي هذا الصدد، تفيد الباحثة الاجتماعية سمر الفيلي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “الفقر من أهم أسباب التسرب من المدارس، فهناك كثير من الطلاب يتركون دراستهم من أجل إعالة عوائلهم الفقيرة، خصوصا إذا كان الأب شهيدا أو متوفى، لذا لا بأس من دفع مبالغ إعانة للطلبة والتلاميذ، ولاسيما أن العراق دولة متخمة بمليارات الدولارات وليس من الدول الفقيرة، ومن الأجدر توزيع هذه الأموال بين طلبة المدارس بدلا من سرقتها وتهريبها، ولكن مع ذلك لن يكون هذا الإجراء حلا للتسرب الدراسي”.

وتبين الفيلي أن “حل التسرب من المدارس يكمن في تحسين مستوى التدريس أساسا، لأن معظم المدرسين والمعلمين صاروا يقدمون الدروس بطريقة سيئة لكي يضطر الطلبة إلى ارتياد ورشهم للتدريس الخصوصي، وهذا السلوك واحد من العوامل التي تضطر الطلبة إلى ترك الدراسة”.

وتشدد على ضرورة “تشكيل لجان من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لمراقبة الشركات والمعامل والورش الصناعية والميكانيكية أو أي أماكن أخرى يمكن أن تعمل على تشغيل الأطفال، والحد من هذه الظاهرة لكي يعود الأطفال إلى مقاعدهم الدراسية التي هي مكانهم الطبيعي”.

وكان الجهاز المركزي للإحصاء، كشف في 2019 أن العام الدراسي 2017-2018، هو أكثر الأعوام تسربا للطلبة من المرحلة الابتدائية، بحسب إحصائية أجراها في جميع المحافظات، واتضح أن أغلب المتسربين من المدارس الابتدائية دون سن 15 عاما، بواقع 131 ألفا و368 طالبا، نسبة الإناث منهم 47 بالمئة، فيما كان عدد المتسربين 126 ألفا و694 طالبا للعام الدراسي 2016-2017.

من جانبه، يذكر المشرف التربوي علي جاسم خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك أسبابا عدة وراء التسرب الدراسي، منها ما يتعلق بالطالب نفسه، كأن يواجه صعوبة في التعلم وتدني مستواه الدراسي، أو أنه لا يهتم بالدراسة من الأساس”.

ويتابع جاسم أن “تدني مستوى التعليم واحد من الأسباب الرئيسة أيضا التي تدفع التلاميذ والطلبة إلى التسرب من المدارس”، موضحا أن “الزواج المبكر لبعض طلبة الإعدادية أو حتى المتوسطة في بعض الأحيان، يساهم هو الآخر في شيوع هذه الظاهرة، إضافة إلى الفقر الذي يعد السبب الأبرز لظاهرة التسرب الدراسي”.

ويضيف “مبادرة توزيع رواتب أو إعانات بين الطلبة والتلاميذ، إذا نُفذت، فإنها لن تغير من مستوى الطالب العلمي، لأن حضوره إلى المدرسة عندئذ سيكون فقط من أجل قبض المعونة المالية، وهذا الإجراء قد يقلل من التسرب بشكل بسيط”.

ومن المشاكل التي تواجهها المدارس في العراق، هي الاكتظاظ وعدم وجود مبان كافية وقلة التجهيزات الأساسية مثل مقاعد الجلوس، وقد انتشرت مؤخرا في مواقع التواصل الاجتماعي، فيديوهات كثيرة من داخل بعض المدارس في الوسط والجنوب، تكشف عن عدد الطلاب الكبير في القاعة الدراسية الواحدة وخاصة الأول الابتدائي، مع عدم وجود مقاعد الجلوس وافتراش الطلبة للأرض.

إقرأ أيضا