إلغاء السوداني لقرارات الكاظمي.. دوافع سياسية أم تنظيمية؟

في قرار مفاجئ مساء أمس الثلاثاء، أقدم رئيس الحكومة محمد شياع السوداني على إلغاء كافة…

في قرار مفاجئ مساء أمس الثلاثاء، أقدم رئيس الحكومة محمد شياع السوداني على إلغاء كافة قرارات الحكومة السابقة بعد تحولها لتصريف أعمال، وفيما وصف مراقبون ونواب القرار بـ”الصحيح” ويأتي لإعادة هيكلة الدولة، استبعد الإطار التنسيقي أن تقف وراء القرار أجندات ثأرية لاستهداف جهة سياسية أو مسؤولين مقربين من رئيس الحكومة السابقة مصطفى الكاظمي، لكن خبيرا قانونيا لفت إلى إشكالية الاكتفاء بإلغاء الأوامر السابقة، وطالب السوداني بإصدار أوامر لإنهاء تكليف عشرات المسؤولين الذين طالهم القرار، لتلافي التبعات القانونية التي تتعلق بالقرارات التي اتخذوها.

ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “قرار إلغاء أوامر حكومة تصريف الأعمال يأتي متطابقا مع قرار المحكمة الاتحادية الذي أصدرته سابقا، ومنع إصدار الأوامر الديوانية من قبل حكومة تصريف الأعمال”.

ويضيف الشمري أن “هذا القرار يأتي في إطار المنهاج الوزاري وإعادة هيكلة الدولة، وأيضا مراجعة قرارات حكومة تصريف الأعمال”.

ولا يشكل القرار أي خطوة استفزازية للتيار الصدري الذي انسحب من الحكومة، بحسب الشمري الذي لفت إلى أنه “يمثل توجها لإعادة هيكلة الدولة بشكل كامل، كما أنها تؤشر وجود رؤية من قبل السوداني أو الداعمين له في إدارة الدولة”.

يذكر أن مجلس الوزراء قرر، أمس الثلاثاء، إلغاء “جميع الأوامر الديوانية والموافقات الصادرة عن الحكومة السابقة بشأن تعيين وتكليف رؤساء الجهات غير المرتبطة بوزارة والدرجات الخاصة والمديرين العامين ومن بدرجتهم ومن يتقاضى رواتبهم بدءا من تاريخ 8 تشرين الأول أكتوبر 2021، وذلك بالنظر لصدور العديد من القرارات والموافقات والأوامر الديوانية والأوامر الوزارية والواردة كتبهم إلى الوزارات بعد التاريخ المذكور خلال فترة حكومة تصريف الأعمال اليومية من دون خضوعها لرقابة مجلس النواب كونها حكومة مستقيلة لا تخضع تصرفاتها لرقابة المجلس المذكور ومحاسبتها في حالة التقصير، ولضمان وضع الأمور في نصابها الصحيح، واستنادا لقرار المحكمة الاتحادية بالعدد (121/اتحادية/2022/909) المؤرخ في 17 أيار 2022، وما جاء في المنهاج الوزاري”.

كما قرر المجلس أن “يتولى الوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة تسمية أحد المديرين العامين المعينين أصوليا أو المكلفين بموافقة رئيس مجلس الوزراء قبل التاريخ المذكور آنفا، بإدارة الدوائر الشاغرة إضافة إلى مهماتهم لحين تعيين البديل أو تكليفه أصوليا، باستثناء وزارة الصحة والتربية بتكليف المعاونين، ويتولى رئيس مجلس الوزراء تسمية أحد الوزراء أو رؤساء الجهات غير المرتبطة بوزارة بإدارة الجهة غير المرتبطة بوزارة شاغرة لحين تعيين البديل أو تكليفه اصوليا”.

واشتملت القرارات أيضا على “تأليف لجنة برئاسة مدير مكتب رئيس الوزراء، وعضوية رئيس الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ورئيس مجلس الخدمة الاتحادية، تتولى إعادة النظر في الأوامر الديوانية والموافقات الملغاة وشاغليها، وتقديم التوصيات الملائمة خلال مدة 21 يوم عمل، حدا أقصى إلى رئيس مجلس الوزراء للبت فيها”.

من جهته، يوضح عضو الإطار التنسيقي عن ائتلاف دولة القانون وائل الركابي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هذه الخطوة صحيحة ومنتظرة لتصحيح كل ما خالف الدستور والقانون في فترة تصريف الأعمال، لذلك حدد القرار الوقت الذي صدرت خلاله أوامر الحكومة السابقة، حيث لم يكن مسموحا لها تعيين أشخاص في مناصب سيادية مهمة”.

ويؤكد الركابي “ندعم هكذا قرارات، خاصة وأنها لم تشمل مسؤولين كانوا بالأصالة قبل التاريخ المذكور، بل شملت فترة تصريف الأعمال والتي منح فيها الدستور للحكومة صلاحية محدودة وليست مطلقة، خاصة في ما يتعلق بالمخابرات ومناصب عديدة، وهذه الخطوة هي واحدة من الخطوات لتأكيد تنفيذ البرنامج الحكومي”.

وينفي عضو الائتلاف الداعم للسوداني، بشدة “أي استهداف لأية جهة سياسية” في إشارة إلى التيار الصدري الذي كان يدعم الكاظمي، مؤكدا أن “القضية تتعلق بالدستور ولا علاقة لها بأي طرف معين، والسوداني أكد أن حكومته لم تأت للثأر أو ما شابه ذلك”.

يشار إلى أن النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي، أعلن في 23 من الشهر الماضي، عن تشكيل لجنة تضم ممثلين من أربع لجان نيابية لتدقيق جميع القرارات التي اتخذتها حكومة الكاظمي من تاريخ العاشر من شهر تشرين الأول أكتوبر 2021، أي منذ لحظة تحولها إلى تصريف أعمال، وهذه اللجان هي: النزاهة، المالية، القانونية والاستثمار.

وأثير منذ أشهر لغط كبير حول قرارات الحكومة بعد تحولها إلى تصريف أعمال يومية، وطالب العديد من النواب وقبلهم قياديون في بعض الكتل السياسية، بمراجعة قرارات الكاظمي، فيما إذا كانت سليمة قانونيا أم لا، بعد أن أشروا وجود مخالفات وتجاوز على صلاحيات تصريف الأعمال اليومية.

إلى ذلك، يذهب المحلل السياسي المقرب من التيار الصدري عصام حسين خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “السوداني ينشد النجاح، وهذا النجاح لا يتحقق إلا بنظام إداري متقن، ولا أعتقد أن الموضوع يهدف إلى تطهير معارضين، فهو رئيس وزراء ومن حقه أن يغير ما يراه صحيحا ويمضي لخدمة العراق”.

ويستدرك حسين، أن “القرار في النهاية يمثل توجهات الإطار التنسيقي، وبالنتيجة فإن الإطار يتحمل نتائج أي قرارات يتخذها، ما يجعل الحجج والذرائع المتعلقة بفساد النظام وما إلى ذلك غير مقبولة، لأنهم شكلوا الحكومة بالشكل الذي يريدونه”.

وخلال عام كامل، أي منذ تحول حكومة الكاظمي إلى تصريف أعمال، اتخذ الكثير من القرارات وأبرم عقودا دولية وداخلية، وذلك قبل تشكيل البرلمان وعند تعطل عمله بسبب الأزمة السياسية، وبحسب خبراء في القانون، فإن بعض المعاهدات الدولية والاتفاقيات بحاجة لعرضها على البرلمان.

كما كلف الكاظمي خلال هذا العام، العديد من الشخصيات بمناصب جديدة وألغى تكليف آخرين، لكن بحسب ما يصرح به دائما، فإن حكومته تعمل بشكل طبيعي حتى آخر يوم لها.

من جانب آخر، يرى الخبير القانوني عدنان الشريفي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تعيين الدرجات الخاصة لم يكن من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، ولكن إلغاء القرار وإصدار أوامر المكلفين بتمشية الأمور لا يكفي، بل لابد أن يسبقها قرار بإنهاء تكليف المعينين (في عهد حكومة تصريف الأعمال)، لأن بعض المحافظين صرفوا مبالغ وعقدوا مناقصات، وإلغاء التعيين هنا يعني وجوب إعادة كل الأموال وإلغاء جميع العقود”.

ويلفت الشريفي إلى أنه “يحق لمن أنهي تكليفه تقديم طعن لدى محاكم الموظفين، لكن يبقى القرار سليما لأن الكاظمي قام بالتعيين في أماكن حيوية وهذا لا يجوز”.

يذكر أن مجلس الوزراء السابق، ارتكب مخالفة قانونية بعد تحوله إلى حكومة تصريف أعمال، وذلك عبر قراره تخويل وزير المالية صلاحية إجراء المناقلة بين اعتمادات الموازنة العامة الاتحادية لتأمين مبلغ مليار دينار إلى مديريات الماء في المحافظات، استنادا إلى أحكام المادة 4 من قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2021، وذلك في 20 تشرين الأول أكتوبر الماضي، ووفقا لخبير قانوني فإن حكومة تصريف الأعمال ليس من حقها إجراء مناقلة في الموازنة.

وسبق للحكومة أن وقعت مذكرة تفاهم مع الجانب الإيراني لربط البصرة بميناء الإمام الخميني بسكة حديد، ما جدد الحديث عن صلاحية الحكومة وهي تصريف أعمال، وقد تناولت “العالم الجديد” هذا الأمر بتقرير مفصل، بينت فيه أن “مذكرة التفاهم” هي من حق حكومة تصريف الأعمال، وهو المدخل الذي استخدمته الحكومة الحالية للتخلص من المأزق القانوني، ولم توقع اتفاقية نهائية، لكونها جزءا من صلاحيات الحكومة الأصيلة، ويجب عرضها على البرلمان.

إقرأ أيضا