استرداد الأموال المسروقة قبل 2003 بمكافأة مختلسيها.. خطوة مجدية أم باب للسرقات؟

تظهر أوساط حكومية تفاؤلها بقرار صندوق استرداد أموال العراق القاضي بمنح نسبة من الأموال المسروقة…

تظهر أوساط حكومية تفاؤلها بقرار صندوق استرداد أموال العراق القاضي بمنح نسبة من الأموال المسروقة في زمن النظام السابق لمختلسيها مقابل الإبلاغ عن مكانها والمساعدة في استعادتها، وفيما أشادت اللجنة المالية النيابية بالقرار، كونه معمولا به في العديد من دول العالم، انتقده خبير قانوني بشدة، كونه إجراءً غير قانوني، بالإضافة إلى أن من شأنه فتح باب للسرقات.

ويقول مصدر حكومي مسؤول خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “صندوق استرداد أموال العراق هو دائرة تابعة لمجلس الوزراء، وهذه الدائرة متخصصة بإرجاع الأموال ما قبل سنة 2003 حصرا، أي الأموال المسروقة والمهربة من قبل النظام السابق وقياداته”.

ويضيف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “هذه الدعوة سوف يلبيها بعض الأشخاص الذين تم الحجز على أموالهم من قبل الأمم المتحدة وغيرها من الجهات الدولية، فهؤلاء يعيدون الأموال ويأخذون نسبة منها، بدلا من بقائها مجمدة من دون أية فائدة، كما أن هذه الدعوة سوف يلبيها بعض الأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر إلقاء قبض، فعند إعادتهم الأموال واستلام نسبة منها يتم إسقاط هذه الأوامر عنهم”.

وكان صندوق استرداد أموال العراق، دعا يوم أمس الأحد، المواطنين داخل وخارج البلد إلى التعاون لاسترداد الأموال، مؤكدا أن المتعاونين معه من المخالفين سيتم إعفاؤهم من المبالغ المترتبة بذمتهم وبنسبة 25 بالمئة ولغاية 5 ملايين دولار من المال المسترد كحد أعلى، كما منح مكافأة للمخبر بنسبة 10 بالمائة على أن لا تتجاوز 5 ملايين دولار من المال المسترد.

وتضمن البيان أن القرار مرتبط بالأموال التي حصل عليها البعض بطرق غير مشروعة؛ نتيجة سوء استخدام برنامج النفط مقابل الغذاء أو الحصار أو التهريب أو التخريب الاقتصادي أو استغلال العقوبات المفروضة على العراق في حينه، مبينا أنه غير متخصص بتسلم الشكاوى والبلاغات الخاصة بالمدانين أو الأموال المهربة جراء الفساد بعد العام 2003.

في الأثناء، يبين الخبير القانوني علي التميمي في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “دعوة صندوق استرداد أموال العراق لسراق المال العام بإعادة الأموال مقابل إعطائهم نسبة 25 منها، مخالفة للقانون وتفتح بابا للفساد والسرقات”.

ويشير التميمي إلى أن “إعطاء نسبة من الأموال المسروقة للمخبر إجراء قانوني صحيح، خصوصا أن هناك قانونا يطلق عليه: قانون مكافأة المخبرين، وهذا الأمر قانوني ولا غبار عليه، على العكس من فقرة إعطاء نسبة للسراق”.

ويتابع أن “جريمة السرقة لا يمكن إسقاطها من قبل أي جهة، فهذا الأمر يحتاج إلى قرار قضائي، واسترداد الأموال لا يعفي السارق من العقوبة وهذا ما يؤكد عليه القانون العراقي، وهو أمر واضح ولا يختلف عليه اثنان”، مبينا أنه “يحق للادعاء العام الوقوف ضد هكذا خطوة غير قانونية، كما يحق تقديم شكوى ضد هذا الإجراء أمام محكمة القضاء الإداري”.

وكانت وزارة العدل، كشفت منتصف العام الماضي، عن اتخاذها خطوات متسارعة لاستعادة أموال البلاد المجمدة في الخارج والتي تعود إلى أشخاص على صلة بالنظام السابق، مؤكدة أن العراق رفع دعاوى قضائية بحق العديد من الشركات والأشخاص خارج البلاد، لاستيلائهم على الأموال المجمدة، وهم كيانات وأفراد، يرفضون تسليم الأموال على الرغم من أنها تعود للدولة العراقية.

وبحسب وزارة العدل، فإنه لا توجد إحصائية عن مقدار الأموال المجمدة وغير المجمدة الموجودة في الخارج، كون أغلب هذه الأموال مسجلة بأسماء شركات أو أشخاص منذ حقبة النظام السابق، لكنها أكدت أن أغلب الأموال في سويسرا والدول الأسكندنافية.

على صعيد متصل، يفيد عضو اللجنة المالية النيابية، جمال كوجر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “استرداد أموال العراق من السراق مقابل إعطائهم نسبة 25 بالمئة أمر معمول به في العراق والكثير من الدول، وهذا الأمر ليس قانونيا، وإنما عمل دارج، لكن لا توجد فقرة قانونية تتيح هذه الخطوة”.

ويشير كوجر إلى أن “هناك خيارين من أجل استرداد أموال العراق، إما من خلال إعطاء نسبة من الأموال المسروقة للسارق والمختلس، أو من خلال إعطاء هذا الملف لشركات دولية متخصصة تتابع السرقات مقابل إعطائها نسبة عن المبالغ التي تقوم باستردادها”.

ويشدد على “ضرورة وضع ضوابط لهكذا خطوة من خلال تحديد أي أموال مشمولة بهذا الإجراء، ويتم تحديد سقف زمني لإرجاع هذه الأموال، وتتخذ بخلاف ذلك إجراءات حازمة بحق الأشخاص الذين لا يلبون هذه الدعوة، وبقاء العمل بهذا الأمر بشكل مفتوح سوف يفتح بابا للفساد وسرقة المال العام”.

يشار إلى أن رئيس هيئة النزاهة علاء الساعدي، أعلن في شباط فبراير الماضي، عن إحراز العراق تقدما في مجال استرداد المتهمين والأموال المهربة، وذلك بالتنسيق مع وزارة الخزانة السويسرية، لمعرفة ماهية الأموال المودعة في البنوك السويسرية من قبل النظام العراقي السابق.

وتنقسم الأموال العراقية في الخارج إلى قسمين، الأموال المجمدة، وغير المجمدة في الخارج، والتي تخص حقبة النظام السابق.

من جانبه، يبين رئيس شبكة النهرين لدعم الشفافية والنزاهة محمد الربيعي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “بعد مضي نحو 20 عاما على سقوط النظام السابق، فإن خطوة صندوق استرداد الأموال العراقية تعد جيدة، فهذه الخطوة هي لتحفيز حائزي الأموال على تبرئة ذمتهم من أموال العراق وإعادتها للبلد مقابل الحصول على نسبة جيدة”.

ويضيف الربيعي أن “إعادة الأموال تساهم أيضا بتسوية أوضاع حائزيها القانونية في البلد، لبدء صفحة جديدة تؤسس للنظام الديمقراطي في العراق”.

يشار إلى أنه جرى الإعلان أكثر من مرة عن استعادة أموال مجمدة من بعض الدول الأوروبية، وتراوحت بين 20 – 40 مليون دولار، وهي لا تمثل نسبة عالية من مجموع المبالغ التي تقدر بأكثر من ملياري دولار.

وإلى جانب هذه الأموال، فغالبا ما يكشف النواب عن وجود ملفات فساد بمبالغ طائلة في مختلف مفاصل الدولة، وبعضهم يدعمها بالوثائق، كما تصدر هيئة النزاهة الاتحادية وبشكل مستمر، بيانات عن اكتشافها ملفات فساد أو إصدار أحكام بحق مسؤولين سابقين، لكن أغلبهم في المحافظات أو إداريين في بعض الوزارات.

واحتضنت العاصمة بغداد، في أيلول سبتمبر 2021، مؤتمرا لاستعادة الأموال المنهوبة، بحضور مسؤولين عرب، وقد خرج البيان الختامي خاليا من خطوات حقيقية لاستعادة الأموال، بل اقتصر على الدعوات لمساعدة العراق في استعادة هذه الأموال التي تقدر بـ150 مليار دولار، بحسب ما صرح رئيس الجمهورية برهم صالح في حوار متلفز.

يذكر أن رئيس الجمهورية السابق قدم العام الماضي، مشروع قانون “استرداد عوائد الفساد” إلى البرلمان، لاسترداد الأموال التي نهبت خلال سنوات ما بعد 2003، ويستهدف مشروع القانون كل من شغلوا مناصب مدير عام وما فوق في كل من الشركات الحكومية والعامة منذ إنشاء النظام الجديد عام 2004، وبموجب القانون، سيتم فحص المعاملات التي تزيد عن 500 ألف دولار بالإضافة إلى الحسابات المصرفية، ولاسيما تلك التي تحتوي على أكثر من مليون دولار، وسيتم إلغاء العقود أو الاستثمارات التي تم الحصول عليها عن طريق الفساد.

إقرأ أيضا