الهيئات “المستقلة!”.. أزمة عصية على الحل

على خطى الحكومات السابقة، أبقى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الهيئات المستقلة رهنا للحكومة…

على خطى الحكومات السابقة، أبقى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الهيئات المستقلة رهنا للحكومة ولم يحررها أو يلتزم بخيارات مجالسها أو مجلس النواب، لكنه تمسك كسابقيه بقرار أتاح له تعيين المسؤولين في الهيئات بالوكالة لفترة محدودة، وهذا ما حصل يوم أمس مع هيئة الإعلام والاتصالات، بإعادة تكليف علي المؤيد كرئيس تنفيذي، في ظل الحديث عن وجود قرار يُلزم الحكومة بإنهاء التعيين بالوكالة في عام 2020 وهو ما لم تطبقه الحكومة السابقة ولا الحالية، لأسباب يرجعها مختصون إلى صراع الكتل على المناصب.

ويقول الخبير القانوني علي التميمي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الدستور العراقي من المادة 102 إلى المادة 108 تحدث عن الهيئات المستقلة المختلفة، وهذه الهيئات مستقلة ماليا وإداريا وقانونيا، وهي تخضع من حيث الرقابة إلى مجلس النواب، فالبرلمان يراقب كل الهيئات المستقلة”.

ويشير التميمي إلى أن “ارتباط الهيئات المستقلة بمجلس الوزراء، هو ارتباط من حيث رسم السياسة العامة من دون التدخل في الجانب الإداري القانوني المالي، وهذا الأمر ينسجم مع شكل النظام البرلماني، الذي يقوم على استقلال هذه الهيئات، حتى تقوم بدورها بالشكل المطلوب، خصوصا أنها جهات رقابية، فيجب أن تكون مستقلة”.

ويبين أن “الحكومة العراقية لا يمكن لها التدخل بعمل الهيئات المستقلة، خصوصا مع وجود قرار للمحكمة الاتحادية العليا يؤكد أن الحكومة تقوم فقط برسم السياسة العامة للهيئات من دون التدخل في عملها”.

ويتابع الخبير القانوني أن “التعيينات التي تقوم بها الحكومة لرئاسة أي هيئة وكذلك مجلس الأمناء، هي تعيينات تقوم بها بالوكالة لمدة معينة وليس بالأصالة، خصوصا أن هناك قرارا للمحكمة الاتحادية رقمه 93 لسنة 2010، أجاز لرئيس الحكومة تعيين الوزراء ورؤساء الهيئات وغيرهم بالوكالة، وبعد ذلك يتم تعيينهم بالأصالة من خلال تصويت من قبل مجلس النواب، سواء كان رئيس الهيئة مقترحا من قبل مجلس الوزراء أو مجلس الأمناء داخل الهيئة، ولهذا فإن التعيينات التي يقوم بها رئيس الوزراء الحالي أو غيره بالهيئات هو جائز كونه بالوكالة وفيه قرار من المحكمة الاتحادية”.

وكان السوداني، كلف يوم أمس الثلاثاء، علي المؤيد بمنصب الرئيس التنفيذي لهيئة الإعلام والإتصالات وكالة، وذلك على الرغم من رفضه من قبل مجلس أمناء الشبكة وإقالتهم له سابقا، لكن وفقا لبيان الهيئة فإن المؤيد حصل على قرار قضائي قبل نحو أسبوع بعودته لمنصبه وهذا إلى جانب تكليفه من قبل السوداني.

يذكر أن عدد الهيئات المستقلة في العراق بات أكثر من عدد الوزارات، وحتى عام 2018 كانت هناك 25 هيئة مستقلة، خضعت أغلبها للمحاصصة، ومؤخرا يجري الحديث عن وجود نحو 40 هيئة مستقلة، وأدخلت ضمن ملف الدرجات الخاصة المثير للجدل، حيث تتقاسم الكتل السياسية هذه الهيئات غالبا، ويجري صراع على رئاساتها أو عضوية مجالسها التنفيذية.

بدوره، يفيد مقرر البرلمان العراقي السابق عماد يوخنا خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “هناك تدخلا غير مبرر في عمل بعض الهيئات المستقلة من قبل الحكومة، وهذا الأمر يخص حتى التعيينات لرئاسة هذه الهيئات، وهذا أمر مخالف، فهذا من صلاحيات البرلمان العراقي حصرا، فهو الجهة المخولة بالرقابة على عمل الهيئات والتصويت على تعيين أي رئيس لها، وحتى مجلس أمنائها”.

ويعزو يوخنا “سبب التدخل الحكومي بعمل الهيئات المستقلة هو نظام المحاصصة، ومحاولة السيطرة على هذه الهيئات من قبل بعض الأطراف السياسية، على الرغم من أن المفترض أن تبقى مستقلة وبعيدة عن المحاصصة وليس مثل الوزارات التي تقسم وفق المحاصصة الطائفية والسياسية”.

ويردف أن “مجلس النواب صوت على فقرة ضمن قانون موازنة سنة 2020، على حسم كافة المناصب بالوكالة لحين شهر تشرين الأول أكتوبر عام 2020، لكن الحكومة السابقة لم تحسم هذا الملف، ولهذا تعتبر القرارات الصادرة بعد ذلك القرار هي باطلة وغير قانونية، لكن بسبب المحاصصة استمر الوضع بشكل طبيعي، ولهذا يجب حسم ملف الإدارة بالوكالة، خصوصا أن هناك قرارات عدة من المحكمة الاتحادية تؤكد ضرورة الإسراع بحسم هذا الملف لما له من تداعيات على مختلف الأصعدة”.

وتوجه اتهامات عديدة لبعض الهيئات بانحيازها لجهات معينة، أو قرب رئيسها من كتل محددة، وسط نفي تلك الجهات، لكن الترشيحات غالبا ما تكشف عن ارتباط شخصيات ببعض الكتل السياسية.

وتعد الدرجات الخاصة، من الملفات المهمة التي تناقش خلال تشكيل كل حكومة جديدة، لضمان الكتل السياسية الحصول على حصصها من المناصب العليا في الدولة، ومن بين هذه الدرجات هي الهيئات المستقلة ووكلاء الوزارات والسفراء.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي ماهر جودة خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “نظام المحاصصة في العراق هو الذي سمح بالتجاوز على الكثير من الفقرات والمواد الدستورية، وكذلك سمح بتدخل بعض السلطات بعمل السلطات الأخرى، وهذا النظام هو الذي أوجد تدخلا حكوميا واضحا في تعيين رؤساء الهيئات المستقلة من قبل رئيس الحكومة بالاتفاق مع الكتل والأحزاب السياسية”.

ويوضح جودة أن “الحكومات العراقية تعمدت التعيين بالوكالة في الهيئات المستقلة، كما أن هناك خشية من أن بعض الأسماء المرشحة للهيئات قد لا تمرر تحت قبة مجلس النواب، بسبب الصراع السياسي والحزبي على رئاسة بعض الهيئات المستقلة المهمة”.

ويضيف المحلل السياسي أن “من الخطأ الكبير جعل الهيئات المستقلة، خصوصا الرقابية، جزءا من المحاصصة السياسية، فاختيار رؤساء هذه الهيئات يجب أن يتم وفق المهنية والكفاءة، لضمان نجاح تلك الهيئات في أداء مهامها وعملها من دون أي ضغوط أو مجاملات سياسية”.

جدير بالذكر أن أغلب الهيئات المستقلة تدار بالوكالة، نظرا لعدم توافق البرلمان على مجالسها ورؤسائها بالأصالة، ومن أبرزها شبكة الإعلام العراقي وهيئة الإعلام والاتصالات وهيئة الاستثمار الوطنية والمفوضية العليا لحقوق الإنسان وغيرها، وبالمقابل فإن البرلمان نجح في وقت سابق، بإقالة بعض رؤساء هذه الهيئات بناء على ملفات فساد مالي وإداري.

إقرأ أيضا