تغييرات الداخلية.. استجابة لنداء المحاصصة أم للمهنية؟

بداعي التدوير الوظيفي، أقدم وزير الداخلية على إجراء تغييرات في المناصب، وعلى الرغم من أن…

بداعي التدوير الوظيفي، أقدم وزير الداخلية على إجراء تغييرات في المناصب، وعلى الرغم من أن السبب قانوني، إلا أنه بدا انتقائيا ولم يشمل آخرين مضى على شغلهم مناصبهم لمدة تقترب من 10 أعوام، وهو ما عزاه متخصصون بالأمن والسياسة إلى المحاصصة ودعم الأحزاب لضباط معينين من أجل البقاء في مواقعهم.

ويقول مصدر أمني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، قرر خلال الأيام الماضية إقالة مدير مديرية العقود في وزارة الداخلية وهو ضابط برتبة لواء، وتعيين ضابط برتبة عميد بدلا منه لا يحمل شهادة في القانون وهو مقرب من الشمري”.

ويضيف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “الإقالات شملت أيضا مدير مديرية صندوق شهداء الشرطة، ومدير أمن وسلامة وزارة الداخلية (قوات سوات)، ومعاوني قائدي شرطة بغداد الرصافة والكرخ وقائد شرطة بغداد، ومدير شرطة حماية المطارات، حيث جرى استبداله بضابط برتبة عميد من مواليد 1987”.

ويتابع أنه “بالمقابل، هناك عشرات الضباط برتب كبيرة، يشغلون مناصبهم منذ سنوات، وبعضهم من عام 2013 و2015، وتتنوع مواقعهم بين القيادة الميدانية والإدارية على حد سواء، وهؤلاء استبعدوا من التدوير الوظيفي”.

يذكر أن “العالم الحديد”، كشفت في تقرير مفصل منتصف العام الحالي، عن التغييرات التي جرت في وزارة الداخلية خلال العامين الماضيين، وطالت مفاصل عديدة في الوزارة وأحدثت إثارة في أوساطها بسبب الإخلال في الهيكلية القائمة منذ 2004، بالإضافة إلى وجود شبهات فساد مالي وإداري رافقت تلك التغييرات، فضلا عن تنصيب ضباط مشمولين بالمساءلة والعدالة وآخرين متهمين بالفساد.

إلى ذلك، يبين الخبير العسكري جليل خلف خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “بالنسبة لوزارة الدفاع يكون تدوير قادة العمليات والفرق والآمرين خلال سنتين إلى ثلاث سنوات لكي لا يفسد الضابط عندما يبقى طويلا في موقعه، وكذلك لكي لا يتحول عمله إلى روتيني بعد أن يقدم كل ما لديه من عطاء في السنة الأولى، أما بالنسبة لوزارة الداخلية وبقية مؤسسات الدولة فإن هناك أحزابا تحمي بعض القادة والمديرين، فنرى أن بعضهم باق في منصبه منذ 11 سنة وهو حاليا برتبة فريق ركن”.

ويشير خلف إلى أن “هناك منظومة لإعداد الضباط في وزارة الدفاع، وفي جميع دول العالم المتقدمة يعلم الضابط من خلال هذه المنظومة أين سيذهب وأين سيتم تعيينه منذ تخرجه إلى أن يتقاعد، وقبل عام 2003 كان ضباط صنوف الدرع والمدفعية والمشاة والقوات الخاصة هم الوحيدون الذين يتم تعيينهم في مناصب قيادية لأنهم اكتسبوا خبرة القيادة من ميادين القتال”، لافتا إلى أنه “في وزارة الداخلية يجب أن تكون هناك مدد محددة أيضا لبقاء الضابط في منصبه، ولكن الأحزاب تتدخل دائما للحيلولة دون تطبيق هذا النظام”.

ويضيف أن “تدوير الضباط لا يتم بالشكل الصحيح لأنهم مسنودون من جهات متنفذة”، مبينا أن “المثال على التدخل الحزبي في مواقع الضباط، هو أن الضابط الذي كشف قتلة الإعلامي أحمد عبد الصمد والناشطة رهام يعقوب في البصرة تم نقله إلى بغداد بعد تهديده، وحتى الآن لا نعلم ما هو مصيره”.

وتشهد المناصب العليا في الوزارات، تقاسما على أساس المكونات الرئيسة (الشيعة والسنة والكرد)، تحت مسمى “التوازن”، وهو ما تضمنه الدستور العراقي، وغالبا ما توزع الحصص حسب الثقل السياسي للكتل السياسية الممثلة لكل مكون، ومدى نفوذها وقوتها في كل دورة نيابية.

في السياق ذاته، يوضح الخبير في الشؤون العسكرية صفاء الأعسم خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الضابط الذي يشغل موقعا برتبة معينة لا يمكن أن ينال الترفيع وهو باق في موقعه، فمثلا إذا كان رئيس القسم برتبة عميد لا يجوز ترفيعه إلى رتبة لواء وهو باق في موقعه كرئيس قسم، وإنما يجب أن ينتقل إلى موقع آخر، وهذا واحد من أبواب تدوير الضباط في مواقعهم”.

ويلفت الأعسم إلى أن “المحاصصة كانت تهيمن على المؤسسات العسكرية كباقي مفاصل الدولة، ولكن مع تشكيل الحكومة الحالية بدأت تنحسر، وقد كانت سببا في بقاء عدد من الضباط في مواقعهم سنوات عديدة”.

وينوه إلى أن “الوزير يعرف أي ضابط يجب أن يبقى في موقعه وأيهم يجب نقله، وهو صاحب القرار في ذلك”، لافتا إلى أن “بعض الضباط يبقون في مواقعهم سنوات طويلة بسبب كفاءتهم”.

وتشهد المناصب الرفيعة في وزارة الداخلية، صراعا سياسيا كبيرا، وفي العام الماضي، تجدد الصراع السياسي على منصب وكيل في الوزارة بين كتلة سياسية شيعية وأخرى كردية، ما أدى إلى شغور المنصب لفترة طويلة.

وفي هذا الصدد، يفيد المحلل السياسي راجي نصير خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “التدوير في المناصب الأمنية إيجابي للحد من الفساد والتواطؤ مع بعض الشخصيات، ولكن بالتأكيد يؤخذ الجانب السياسي بنظر الاعتبار في هذا الموضوع، بسبب حساسية الوضع في العراق”.

ويتابع نصير أن “الموجودين في السلطة الآن يقولون إنهم يريدون تجاوز التأثيرات الحزبية في مناصب الدولة، على الأقل بالنسبة لوزارتي الداخلية والدفاع، ولكن ليس مرجحا أنهم سيتمكنون من ذلك، ولاسيما في ظل الوضع السياسي الحالي”.

يذكر أن الشمري باشر مهامه وزيرا للداخلية، في 28 تشرين الأول أكتوبر 2022، خلفا لعثمان الغانمي، بعد أن نال ثقة البرلمان لهذا المنصب ضمن الكابينة الحكومية لمحمد شياع السوداني.

إقرأ أيضا