بعد السرقات الكبرى.. هل بات “قانون العقوبات” عائقا أمام ملاحقة المتورطين؟

سرقات كبيرة تُكشف يوما بعد آخر في العراق، وغالبا ما يتم الإعلان عن المتورطين فيها،…

سرقات كبيرة تُكشف يوما بعد آخر في العراق، وغالبا ما يتم الإعلان عن المتورطين فيها، وتصدر بحقهم مذكرات إلقاء قبض، لكن اللافت في الأمر أن تلك المذكرات اختزلت أغلبها بتهمة “الإضرار بالمال العام”، وهو ما دفع خبراء في القانون ونوابا إلى المطالبة بتعديل قانون العقوبات العراقي بما يتلاءم مع الوضع الراهن، وتعديل العقوبات الواردة في بنوده لتناسب جرائم الفساد الكبرى داخل البلاد، فيما أشاروا إلى أن الضغوط السياسية هي من تمنع تعديل القانون لـ”حماية الفاسدين”.

ويقول النائب السابق قصي الشبكي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العديد من القوانين ومشاريعها التي قدمت سابقا سواء في حكومة عادل عبد المهدي أو ما قبلها، أو من خلال رئيس الجمهورية السابق برهم صالح، كانت تصطدم إما بالأمور المالية أو الخلافات السياسية، وخاصة قانون العقوبات الذي فيه متعلقات وتفاصيل كثيرة”.

ويشير الشبكي إلى “ضرورة إقرار تعديل قانون العقوبات العراقي القديم، إضافة إلى النظر في فقرات أخرى تحتاج إلى معالجات حصرية، وعلى اللجنة القانونية النيابية إنضاج هذه القوانين المهمة”.

ويشدد على أن “إرساله من قبل رئاسة الجمهورية مرة أخرى إلى مجلس النواب بات ضروريا من أجل قراءته والتصويت عليه”.

وخلال الأشهر الماضية، برزت للعلن سرقات كبرى في البلد، أبرزها ما بات يعرف بـ”سرقة القرن” المتثملة بسرقة الأمانات الضريبية والبالغة قيمتها 2.5 مليار دولار، وقد ألقي القبض على متهم رئيس فيها وهو نور زهير، قبيل مغادرته البلد في مطار بغداد الدولي.

ومؤخرا، حاول العراق استرداد المتهم الآخر بسرقة القرن، وهو ضياء الموسوي، وتحرك عن طريق الشرطة الدولية “الإنتربول” لاسترداده وأرسل مذكرة وردت فيها التهمة وهي “أخذ مبالغ مالية لقاء عمل من أعمال وظيفته”.

في السياق ذاته، يوضح الناشط والباحث القانوني محمد السلامي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تشريع القانون يعتمد على المرحلة التي تم تشريعه فيها والمشاكل التي على إثرها سن هذا القانون، وقانون العقوبات العراقي شرع منذ سنين طويلة، من دون إجراء أي تعديل عليه وفق المتغيرات الكثيرة والكبيرة التي حصلت في العراق على مختلف المستويات”.

ويبين السلامي أن “العقوبات بشأن الإضرار بالمال العام أو الكسب غير المشروع، شرعت في زمن يختلف عن الزمن الحالي، خصوصا العقوبات المالية، وهذه الفقرات تحتاج إلى تعديل وتحديث في ظل ما يمر به العراق من جرائم فساد وغيرها من قضايا الفساد المالي والاقتصادي”.

ويبدي تأييده لـ”تشريع قانون جديد لمحاسبة الفاسدين ومحاربة الفساد، على أن يتضمن عقوبات حازمة وشديدة، كما أن هكذا قانون يحتاج إلى أدوات تنفيذية صارمة وتعمل وفق المهنية والكفاءة، بعيدا عن أي توجهات سياسية أو غيرها، فالقانون وحده غير كاف من دون وجود أدوات تنفيذ له تعمل على تطبيقه كما هو وعلى الجميع، بعيدا عن أي مجاملات وضغوط”.

جدير بالذكر، أن أغلب مذكرات إلقاء القبض التي تصدر بحق المسؤولين المتهمين بالفساد، تكون بتهمة “الإضرار بالمال العام”.

بدوره، يفيد الخبير في الشأن القانوني علي التميمي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأنه “خلال الفترات الماضية كان هناك حراك وعمل من قبل أطراف مختلفة من أجل تشريع قوانين جديدة تخص محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، لكن هذه القوانين دائما ما تصطدم بالرفض السياسي الخفي لها، وكما يعلم الجميع أن معظم الفساد محمي من قبل جهات وشخصيات سياسية متنفذة”.

ويلفت التميمي إلى أن “جرائم الفساد في العراق تحتاج بشكل حقيقي إلى تعديل قانون العقوبات العراقي، خصوصا الفقرات الخاصة بقضايا الرشاوى والفساد وغيرها، كما نحتاج إلى تشريع قانون (من أين لك هذا)، وهذا القانون يمنع الفساد بشكل حقيقي ويمنع زيادة ثروة بعض الجهات والشخصيات”.

ويضيف أن “قانون العقوبات العراقي من أفضل القوانين الرادعة، لكنه يحتاج إلى تعديل وتحديث على بعض فقراته، فهناك متغيرات، وهذه المتغيرات تتطلب تحديثا في هكذا قوانين مهمة، وتعديل هكذا قوانين هو من صلاحيات مجلس النواب العراقي”.

وكان رئيس الجمهورية السابق برهم صالح، قدم العام الماضي، مشروع قانون العقوبات الجديد إلى مجلس النواب بعد وصوله من مجلس القضاء الأعلى في سياق التعاون بين السلطات في مجال تشريع القوانين التي تقتضيها تطورات العصر، ليحل محل قانون العقوبات لسنة 1969، فيما وصف صالح القانون الجديد بأنه “التعديل الأشمل منذ 50 عاما على قانون العقوبات العراقي”.

وفي عام 2019، وخلال ذرورة تظاهرات تشرين الأول أكتوبر، استغل رئيس الحكومة الأسبق عادل عبد المهدي قانون العقوبات العراقي، وهدد بتطبيقه على المتظاهرين، مستعينا بالكثير من مواده التي تصل عقوبتها إلى السجن 20 عاما، وذلك على خلفية حرق مقار الأحزاب وغلق الطرقات، الذي جاء كرد فعل على العنف الذي استخدمته القوات الأمنية ضد المتظاهرين في حينها.

وما تزال المحاكم العراقية تسير وفق ما ورد في قانون العقوبات العراقي، سواء من غرامات أو كفالات، وكانت قضية النائب السابق عن التيار الصدري جواد الشهيلي عالقة في الأذهان منذ عام 2017، حيث أطلق سراحه في قضية تهريب مسؤول من مركز شرطة، بكفالة قدرها 250 دينارا فقط.

إقرأ أيضا