منع التدخين داخل المطاعم.. قرار تخرقه الرشوة

ينظر “س.م” من خلف زجاج باب مطعمه في حي العدل غربي بغداد إلى مجموعة رجال…

ينظر “س.م” من خلف زجاج باب مطعمه في حي العدل غربي بغداد إلى مجموعة رجال يحملون سجلات وهم يتجهون نحو مطعمه، اتضح أنهم فريق رقابي قادم من وزارة الصحة جاء ليبلغ إدارة المطعم بتطبيق قرار منع التدخين داخل الصالة.

ولكن صاحب المطعم الذي يقدم “الأراكيل” مع وجبات الطعام، كونها تدر أرباحا مجزية، بادر إلى عقد صفقة مع الفريق الرقابي، حيث يقول لـ”العالم الجديد”، إن “الموضوع حُسم بمبلغ مالي (رشوة)”. وهي الوسيلة التي باتت سائدة في العراق تقديمها لموظفين أو مسؤولين فاسدين.

ويضيف “كما تم الاتفاق على دفع مبلغ شهري لهم مقابل عدم إغلاق المطعم أو تسجيل مخالفة”، مؤكدا “أنا أدفع شهريا لهم مبلغا متفقا عليه لاستمرار عمل المطعم على حاله”.

وكانت وسائل التواصل الاجتماعي، تداولت قبل أيام، قرار وزارة الصحة القاضي بتمديد حملة منع التدخين في المطاعم، والصادر في آب أغسطس الماضي.

وأقر العراق، في أواخر عام 2021، الحملة الوطنية لمنع التدخين في المطاعم، وفقا لقانون مكافحة التدخين الصادر عام 2012.

يذكر أن التدخين وتقديم الأراكيل لم يتوقف في أغلب المطاعم والمقاهي منذ بدء الحملة ولغاية الآن، الأمر الذي يسبب للزبائن الآخرين من غير المدخنين الكثير من الإزعاج.

إذ يقول مناف علي (38 عاما) في حديث لـ”العالم الجديد”: “نتضايق أنا وعائلتي من الدخان بشتى أنواعه، وكثيرا ما نقوم بالخروج من مطاعم لا تعزل المدخنين عن سواهم، ما يسبب لي الإحراج أحيانا”.

ويتحدث علي، بشيء من الانزعاج، قائلا “ليس من المعقول أن لا تجد في العاصمة مطعما راقيا يراعي حالة الناس غير المدخنين وهم بطبيعة الحال أكثر من المدخنين”.

وفي هذا الصدد، يفيد مدير قسم الرقابة الصحية في وزارة الصحة رعد محمد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “فرق الرقابة لن تتهاون في هذا الموضوع”.

ويشير محمد إلى “وجود إجراءات رادعة بحق المخالفين تصل إلى الغلق وفرض غرامات، وحتى إحالتهم للمحاكم المتخصصة، سواء المطاعم أو الكافيهات”.

ويضيف أن “هناك حاجة ملحة لإطلاق حملات توعوية مكثفة لحث أصحاب المطاعم والكافيهات على التعاون في تطبيق القرار”. لكنه لم يعلق على سؤال حول وجود حالات الرشوة التي يقدمها بعض أصحاب المطاعم.

يذكر أن أسعار الأراكيل داخل المطاعم تتراوح بين 15- 30 دولارا، حسب مستوى المطعم وموقعه، وغالبا ما تجري منافسة حول أفضل مطعم يقدم الأراكيل، وبعض المطاعم تقدم عروضا على أسعارها خلال المناسبات وخاصة بعد الإفطار في شهر رمضان.

ما فعله صاحب المطعم في حي العدل لم تفعله إدارات مطاعم أخرى، ففي حي الجامعة المجاور لحي العدل، يخبر أحد أصحاب المطاعم “العالم الجديد” بأنه امتثل للقرار على الرغم من أنه أضر بمصلحته الاقتصادية.

ويتابع “لا أملك القدرة على افتتاح صالة مستقلة للتدخين والأراكيل، لأن الإيجارات مرتفعة جدا هنا، لذا التزمت بالقرار على الرغم من أن الأراكيل تأتي بمردود مالي يمكنه أن يغطي أجور العمال أو تكاليف أخرى”.

وبرزت خلال السنوات الأخيرة، ظاهرة تدخين الفتيات والمراهقين، فضلا عن الأطفال دون الـ18 عاما، وباتت أغلب المقاهي والمطاعم تقدم الأركيلة للأطفال بهدف التربح، كما تحولت المطاعم إلى منطقة لقاء خاص ببعض الفتيات بهدف تدخين الأركيلة بحرية ومن دون قيود.

إلى ذلك، تبين الباحثة الاجتماعية سمر الفيلي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هكذا قرارات يكون تطبيقها أفضل بوجود الغرامات والعقوبات، وهذا معمول به في معظم الدول”.

وتلفت الفيلي إلى أن “صاحب المطعم أو غيره لو يعلم أن التفتيش والرقابة مستمرة، وأن الرشوة غير موجودة، لالتزم مرغما بالقرار، لذا يبقى الالتزام الأخلاقي بالقانون هو الحل الوحيد لتطبيقه”.

وتردف أن “انتشار التدخين بشكل كبير يأتي من باب غياب الحسيب والرقيب على الشباب والمراهقين، وبالتالي فإن هذه القرارات يمكن أن تقلل من هذه الظاهرة فيما لوطُبقت”.

وتوضح الباحثة الاجتماعية أنه “في كل دول العالم هناك مكان للمدخنين، ولا يجوز التدخين في كل مكان، حيث أن هناك أشخاصا يعانون من التحسس من التدخين، ما يوجب مراعاة هذه الظروف أخلاقيا، كما أنه ليس من الصحيح أن يرى الطفل والده يدخن لأنه سينقل هذه الحالة السلبية له”. 

يذكر أن بعض دول المنطقة وأغلب دول أوروبا، تحظر التدخين في الأماكن المغلقة، سواء المطاعم أو المقاهي، وتلزم أصحابها بإنشاء مساحة مخصصة للتدخين، من قبيل باحة خارجية إن توفرت.

إقرأ أيضا