بين واشنطن وبكين.. ما وجهة بغداد المقبلة؟

استبعد متخصصون بالسياسة والأمن، ذهاب العراق باتجاه الصين وغلق أبوابه بوجه الولايات المتحدة، فيما عزوا…

استبعد متخصصون بالسياسة والأمن، ذهاب العراق باتجاه الصين وغلق أبوابه بوجه الولايات المتحدة، فيما عزوا التحذير الأمريكي الصريح من توجه العراق نحو الشرق، إلى مخاوف واشنطن الجدية من نوايا الإطار التنسيقي الداعم للحكومة الحالية، وهو ما أكده مقربون من قواه التقليدية. 

ويقول المحلل السياسي غالب الدعمي خلال حديث لـ”العالم الجديد” إن “اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة تفرض على العراق الالتزام بعدم التعامل مع الدول التي تفرض عليها أمريكا حصارا، فالأخيرة لا تسمح للعراق مثلا بشراء أسلحة من روسيا لأنها مشمولة بالعقوبات”.

ويضيف الدعمي أن “الصين غير مشمولة بهذه العقوبات، لذلك فإن للعراق تعاملات معها منذ سنوات طويلة وبعلم أمريكا، لاسيما في ما يخص الشركات النفطية، لكن يبدو أن الولايات المتحدة وضعت حدا معينا للتعامل الصيني- العربي لا سيما العراقي، على أن لا يتجاوز هذا حدود التعامل المدني ويذهب باتجاه العسكري”، لافتا إلى أن “أمريكا لا تعترض على التعاون في الجوانب الاستثمارية، بل على المصالح التي تنفذها الصين وتؤثر على المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة”.

ويرى أن “الولايات المتحدة تريد أن تكون العلاقة العراقية الصينية محدودة ومتوازنة وتحت مراقبتها، لأنها تعلم أن للصين نشاطا كبيرا مع الخليج وحتى إسرائيل، وعليه فإن أمريكا لا تريد للعراق أن يقطع علاقاته معها كليا، ولكن أن تكون العلاقات متوازنة”.

ويعتقد المحلل السياسي أن “توجه العراق نحو الصين بشكل كامل وإعطاء ظهره لأمريكا سيضر كثيرا بالعراق، وحكومة السوداني غير مستعدة لذلك وان كانت عليها ضغوط من أطراف في الإطار للتعامل مع الصين وترك أمريكا”، لافتا إلى أن “الوقت ما زال مبكرا لذلك، وقطع العلاقات مع أمريكا لا يصب بصالح العراق الذي يحتاج إلى تنظيم علاقات متوازنة مع الجميع”.

يشار إلى أن وزارة البنتاغون، أصدرت أمس الأول، تقريرا حذر من خلاله دول المنطقة وخصوصا العراق من التعامل مع الحكومة الصينية بشكل واسع، فيما حذر في الوقت ذاته الحكومة الصينية من مغبة استفزاز الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.

وبحسب تقرير البنتاغون، فإن الصين صعدت من تعاملاتها مع بلدان الشرق الأوسط وبالأخص العراق خلال العام الماضي 2021، الأمر الذي استمر عبر العام الحالي، وأن بكين تسعى إلى توسعة قاعدة نفوذها من خلال محاولة علاقات اقتصادية تهدف في النهاية إلى خلق مقرات عسكرية صينية داخل مناطق الشرق الأوسط بشكل عام، والعراق بشكل خاص.

كما شدد البيان على أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لا تدعو تلك البلدان إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الصين، لكننا نحذر من أن تتجاوز تلك العلاقات حدا معينا بحسب ما أوضح وكيل وزارة الدفاع الأمريكية للشؤون السياسية كولن كال.

وكانت “العالم الجديد” أول وسيلة إعلام عراقية كشفت عن مشاركة العراق في القمة، عبر تقرير مفصل نشر في 30 تشرين الأول أكتوبر الماضي، وجاء ذلك بالتزامن مع إعلان السعودية للزيارة المرتقبة للرئيس الصيني شي جين بينغ، وعقدها ثلاث قمم “صينية- سعودية”، و”صينية- خليجية”، و”صينية- عربية”، دون إعلان أسماء الدول المشاركة.

من جانبه، يرى الخبير الأمني جليل خلف خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “الصين تريد السيطرة اقتصاديا على العراق والخليج بشكل عام، فقبل فترة وجيزة عقدت الكويت مع الصين اتفاقية حول استثمار جزيرتين حتى أن الأخيرة تعهدت أن تدافع عن هاتين الجزيرتين إذا حاول العراق أو إيران التقرب منهما”.

ويؤكد خلف أن “الصين الآن هي العملاق الاقتصادي الكبير الذي تتخوف منه الولايات المتحدة لاسيما أن روسيا ضعفت كثيرا بعد حربها مع أوكرانيا”، مشيرا إلى أن “مسؤولا أمريكيا صرح قبل فترة إنهم باقون في العراق ولديهم اتفاقية إستراتيجية شاملة لاسيما أن الإطار يميل إلى إيران التي تمتلك علاقات جيدة مع الصين”.

ويعتقد أن “أمريكا تتخوف من النية العراقية لعقد اتفاقيات كبيرة جدا مع الصين سواء فيما يخص  طريق الحرير أو غيرها من المشاريع التي سوف تتبناها الصين إضافة إلى عقود التسليح، وهذا يعني إضعاف السيطرة والنفوذ الأمريكي سواء في العراق أو في دول الخليج”.

ويتوقع خلف “رفع الولايات المتحدة الفيتو أمام الصين إن حاولت السيطرة على المنطقة، لاسيما العراق الذي قدمت فيه الكثير من الخسائر المادية والبشرية، إضافة إلى ذلك فإنها تعتبر العراق مركزا استراتيجيا عسكريا مهما في المنطقة يجاور دولتين مهمتين هما إيران وتركيا، إضافة إلى قربه من أفغانستان والخليج العربي والسعودية وسوريا وهذه العوامل جميعها تجعل العراق أهم مركز إستراتيجي عسكري أو اقتصادي في العالم، فضلا عن أنه الدولة الرابعة نفطيا”.

ويستدرك أن “هذه العوامل دعت الولايات المتحدة أن تحذر الحكومة العراقية لاسيما وان لأمريكا مجسات كبيرة جدا وتعرف اتجاه الحكومة العراقية التي يقودها الإطار الآن تتجه باتجاه الصين حتى أن ميناء الفاو الكبير هناك تفكير بإكماله من قبل الصين إضافة إلى التسليح، ولذلك فإن الولايات المتحدة جادة في إنذارها”.

ولا يعتقد الخبير الأمني أن “الأحزاب الموجودة في العراق والحكومة العراقية أن تجازف بالتقرب من الصين كثيرا لان أمريكا بيدها مفاتيح المنطقة ومن ضمنها العراق”.

وكان رئيس الجمهورية تسلم دعوة رسمية من العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، لحضور القمة العربية الصينية المقرر انعقادها في كانون الأول ديسمبر المقبل.

 جدير بالذكر، أن السفير الصيني لدى العراق تسوي وي، كشف خلال مؤتمر صحفي الإثنين الماضي، وحضرته “العالم الجديد”، عن لقائه برئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزراء في الحكومة العراقية الجديدة ومحافظ البصرة، مؤكدا أن بغداد تمتلك النية للتعاون مع الجانب الصيني.

وتعمل العديد من الشركات الصينية داخل العراق، في مجالات عدة، بينها الطاقة والخدمات وغيرها، في ظل تبادل تجاري بين البلدين يتخطى الـ30 مليار دولار.

 وجرى لغط كبير حول الاتفاقية العراقية الصينية التي وقعها رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي في العام 2019، حيث اختلفت الآراء حول جدواها للعراق، وتسببت بانقسام سياسي داخلي.

من جانبه، يبين المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي كاظم الحاج خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق يشهد الآن حالة استقرار خاصة، والحكومة الحالية الفتية أثبتت أنها نجحت بخطواتها الأولى وأنها تتحرك بعدة اتجاهات في محاربة الفساد ولها علاقات خارجية متعددة”.

ويتابع الحاج أن “أمريكا معروفة المطامح والمطامع في العراق، لكن هذا الأمر لا يعطي لواشنطن الحق في أن تكون مهيمنة ومسيطرة وموجهة لطبيعة العلاقات الخارجية العراقية لاسيما فيما يخص الوضع الاقتصادي أو العسكري”، لافتا إلى أن “الحكومة العراقية عليها أن تكون متوازنة بطبيعة علاقاتها الخارجية وأن لا ترجح كفة دولة على أخرى، وأن تتخذ موقفا يكون معياره المصلحة العراقية بغض النظر عن الإرادات الأخرى”، فيما يرى أن “العراق في الوقت الحالي يحتاج إلى بناء علاقة متينة مع الصين أكثر”.

يذكر أن القمة العربية- الصينية تأتي في وقت أعلنت فيه أمريكا أن الصين هي التحدي الأساسي لها، كما تتزامن مع انتقادات أمريكية للرياض بعد قرار منظمة أوبك+ خفض إنتاج النفط، والذي اعتبرته السلطات الأمريكية مساعدة لروسيا من أجل زيادة عائدات النفط، بينما رفضت السعودية التعليقات حول القرار، مشددة على أن القرار تقني.

يشار إلى أن السعودية استضافت في تموز يوليو الماضي، قمة عربية أمريكية، بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن وبمشاركة رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، إلى جانب مصر والأردن بالإضافة إلى الدول الخليجية.

وأكد البيان الختامي للقمة في حينها، على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين الدول الخليجية والولايات المتحدة، والالتزام بحفظ أمن المنطقة واستقرارها، ودعم الجهود الدبلوماسية الهادفة لتهدئة التوترات الإقليمية، وتعميق التعاون الإقليمي الدفاعي والأمني والاستخباري، وضمان حرية وأمن ممرات الملاحة البحرية.

إقرأ أيضا