لأول مرة منذ 3 عقود.. ما خفايا انتشار الجيش على الحدود الشمالية مع تركيا وإيران؟

خطوة متأخرة، لكنها تحققت بفعل الضغوط على قادة إقليم كردستان، هكذا وصف متخصصون بالأمن والسياسة…

خطوة متأخرة، لكنها تحققت بفعل الضغوط على قادة إقليم كردستان، هكذا وصف متخصصون بالأمن والسياسة انتشار القوات الاتحادية في “الحدود الصفرية” مع إيران وتركيا لأول مرة بهذه الكثافة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وفيما أشاروا إلى أن هدف الانتشار هو منع تسلل العناصر المعارضة لأراضي الدولتين من داخل الإقليم، أكدوا أن من أهدافه أيضا تأجيل تنفيذ تهديد الجارتين بالتوغل البري داخل الأراضي العراقية، لكنهم لم يعتبروا ذلك حلا أخيرا، بل سياسي ومرحلي تشترك فيه بغداد وأربيل.

ويقول مصدر عسكري رفيع في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “لواءين من قوات حرس الحدود، تم إرسالها مع كافة معداتها العسكرية إلى الحدود العراقية مع تركيا من جهة إقليم كردستان، والى الحدود العراقية مع إيران، من داخل حدود الإقليم أيضاً، والعملية جاءت بعد اجتماعات عدة عقدها مسؤولون في بغداد وأربيل طيلة الأيام الماضية”.

ويبين المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “القوات بدأت حالياً بمسك الحدود بشكل فعلي وحقيقي، مع قوات من البيشمركة (قوات عسكرية تابعة للإقليم) تنتشر إلى جانبها، لكن السيطرة الكاملة أصبحت للقوات الاتحادية بعد اتفاق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مع رئيس إقليم كردستان نجيرفان بارزاني، خلال زيارة الأخير مؤخراً إلى العاصمة بغداد”، لافتا إلى أن “هذه الخطوة تأتي كجزء من إجراءات إبعاد الضربات الجوية الإيرانية والتركية على الإقليم”.

ويلفت إلى أن “انتشار قوات حرس الحدود الاتحادية لن يكون داخل المنافذ الحدودية التي تخضع لسيطرة حكومة إقليم كردستان، بل هو انتشار عسكري يشمل الشريط الحدودي مع إيران من جهة، ومع تركيا من جهة أخرى”.

يذكر أن اللواء يحيى رسول الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، أعلن يوم أمس، أن الأخير وجّه بمسك الخط الصفري مع تركيا وإيران من قبل حرس الحدود، وذلك لإنهاء الخروقات والهجمات والصراعات المتبادلة بين القوات المسلحة للبلدين مع الأحزاب الكردية المناهضة لأنقرة وطهران، لتباشر وعلى الفور قيادة قوات حرس الحدود بهذه المهام الموكلة إليها، كما أشار إلى أن السوداني أمر بتعزيز إمكانيات تلك القيادة بالأسلحة والمعدات والأشخاص بما يضمن أن تمسك الحدود بشكل جيد.

وخلال الشهر الماضي، ارتفعت حدة القصف الإيراني لإقليم كردستان، حيث استهدفت مقار الأحزاب الإيرانية المعارضة المتواجدة في الإقليم، وذلك عقب عمليات صاروخية كبيرة نفذتها في وقت سابق من العام الحالي، وأحدثت ردود فعل دولي كبير، حيث أطلقت في عملية واحدة أكثر من 70 صاروخا على الأراضي العراقية، وقد تركزت الهجمات في أطراف مدينتي أربيل والسليمانية.

ويتزامن القصف الإيراني، مع القصف التركي المستمر وإطلاق أنقرة لعملية عسكرية جديدة، تستهدف حزب العمال الكردستاني المعارض لها، والمتواجد في العراق وسوريا، ونفذت بشكل يومي عمليات قصف جوية وعمليات اغتيال لقادة في الحزب، وتركزت في مناطق دهوك وسنجار.

من جانبه، يرى الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مسك قوات حرس الحدود الاتحادية للشريط الحدودي مع تركيا وإيران، خطوة ممتازة جداً وهي غير مسبوقة، إذ لم يحدث أن تمسك قوة عراقية حدودا جغرافية ذات تضاريس منوعة وطبيعة معقدة”.

ويبين أبو رغيف أن “الحدود العراقية– الإيرانية هي الأوسع، إذ تمتد على مسافة 1400 كم، والبرية منها أكثر من المتعرجة والجبلية ذات الطبيعة الصخرية”، لافتا إلى أن “هذا الانتشار لا يشمل استهداف الجماعات المسلحة أو المتطرفة، إنما يهدف للحد من تسللها أو تهريبها للأسلحة أو حتى منع تدفق المخدرات سواء من تركيا أو إيران”.

ويضيف “بعد مسك الحدود مع قوات حرس الحدود، ستكون هذه المناطق معقدة وصعبة بالنسبة للجماعات التي تتسلل بين الحين والآخر إلى العمق الإيراني أو العمق التركي، وهذه الخطوة مهمة، لكن الأهم من هذه الخطوة هو الحل السياسي”.

ويؤكد الخبير الأمني “حاجة العراق إلى حوار وإصلاح وترميم للوضع الداخلي، وتحديدا بين المركز والإقليم من جهة، وبين العراق كدولة وإيران وتركيا من جهة أخرى، ولذا يجب كبح جماح أي جماعات مسلحة على الأراضي العراقية وإخضاعها للقوانين العراقية النافذة وتجريدها من السلاح الثقيل والمتوسط، وفي الوقت نفسه توفير الحماية لها في حال تجريدها من الأسلحة حتى لا تكون هدفا لأي استهداف إيراني أو تركي”.

يذكر أن رئيس إقليم كردستان نجيرفان بارزاني، زار بغداد مرتين خلال أسبوع واحد أواخر الشهر الماضي، وعقد اجتماعات مع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وذلك بالتزامن مع القصف الإيراني، كما بحث هذا الأمر مع قادة آخرين منهم رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض.

وجاءت زيارات بارزاني إلى بغداد، قبيل توجه السوداني إلى إيران، في 29 من تشرين الثاني نوفمبر الماضي، وهناك أكد السوداني على ضرورة مواصلة الجهود المشتركة لمواجهة الإرهاب والتطرّف والمخدرات، وشدد على أن الحكومة ملتزمة بالدستور العراقي الذي يمنع جعل العراق منطلقاً للاعتداء على جيرانه.

من جانبه، يتوقع رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مسك الخط الصفري مع تركيا وإيران، خطة طارئة لغرض وقف تداعيات التلويح والتهديد بالهجوم البري على الأراضي العراقية من قبل إيران أو تركيا”.

لكن الشمري لا يعتقد أن “هذه الخطوة كافية، بسبب وعورة المناطق الجغرافية في هذا الخط الصفري، ما يصعب عملية ضبط الحدود بنسبة كبيرة، لكن هدف المسك هو تأجيل التهديد الإيراني والتركي للتوغل داخل العمق العراقي”.

ويبين أن “بغداد بحاجة إلى المزيد من الإجراءات لمنع أي تهديد بالعمليات البرية أو الجوية قبل إيران أو تركيا، خصوصاً أن الشريط الحدودي هذا لم يستطع العراق مسكه حتى في زمن النظام السابق ولطالما كانت هناك مسارات كثيرة للتهريب”.

ويعتقد أن الحل في الوصول إلى “تفاهمات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، خصوصاً أن الإقليم مضطر حاليا على القبول بالقوات الاتحادية وبشكل محدود”.

جدير بالذكر، أن مسألة مسك الحدود العراقية في إقليم كردستان من جانب القوات الاتحادية، تعد من القضايا الخلافية بين بغداد وأربيل، وتحدث لأول مرة منذ العام 1990، رغم الانتشار الذي عُد “شكليا” للقوات الاتحادية في النقاط الحدودية في السنوات الأخيرة، مقابل الانتشار لقوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان.

إقرأ أيضا