استيراد الغاز من قطر وتركمانستان.. معوقات تقنية و”إيرانية”

استبعد متخصصون في حقل الطاقة، توجه العراق إلى استيراد الغاز من قطر وتركمانستان، وفيما أكدوا…

استبعد متخصصون في حقل الطاقة، توجه العراق إلى استيراد الغاز من قطر وتركمانستان، وفيما أكدوا أن بغداد لم تبدأ بمفاوضات رسمية مع الدولتين لغاية الآن، على عكس ما أعلنته وزارة الكهرباء، عزوا الأمر إلى صعوبات لوجستية تتعلق بمد الأنابيب وافتقار البلاد للخزانات، متوقعين ظهور فيتو إيراني لمنع هكذا خطوة تمس مصالح طهران.

ويقول مصدر مسؤول في رئاسة الوزراء خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العراق حتى الساعة لم يدخل في أي مفاوضات رسمية مع قطر أو تركمانستان من أجل استيراد الغاز منهما للطاقة الكهربائية، وإنما هناك مباحثات لم تصل لمرحلة التفاوض الحقيقية بين الطرفين”.

ويضيف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “العراق لا يريد جعل قطر أو تركمانستان بديلين عن إيران في استيراد الغاز، بل يريد استيراد وقود بكميات محدودة من أجل سد أي نقص قد يحصل في الغاز المستورد من إيران، لاسيما في فصل الصيف”، لافتا إلى أن “الاعتماد الأكبر سيبقى على الغاز الإيراني”.

ويرجع توجه العراق لبدائل إلى “الخشية من إيقاف الولايات المتحدة الأمريكية الاستثناء المسموح للعراق من أجل استيراد الغاز من إيران، ولهذا هو يسعى للحصول على موارد أخرى تزوده بالغاز غير إيران، في حال حصول أي طارئ”، لكنه يعتقد أن “قضية استيراد الغاز من قطر أو تركمانستان تحتاج لسنوات طويلة من أجل إكمال آلية الاستيراد”.

يذكر أن المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى، صرح يوم أمس، أن العراق لديه مباحثات مستمرة مع الجانب القطري وتركمانستان لتوريد الغاز بجزئيات محددة لسد النقص الحاصل، لكنه ما زال بحاجة ماسة للغاز الإيراني.

وكان العراق قد سدد الأموال التي بذمته لإيران عن توريد الغاز له، مع الديون المتراكمة وذلك منتصف العام الماضي وبالتزامن مع إقرار قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي، كما أنه مستمر بالحصول على استثناءات من أمريكا لاستيراد الغاز الإيراني بهدف تشغيل محطات الطاقة الكهربائية.

وشهدت الفترة الماضية قطع إيران للغاز المورد للعراق، وذلك في ذروة فصل الصيف ما أثر على إنتاج الطاقة الكهربائية، ودائما ما يتكرر هذا الأمر لأسباب مختلفة منها حاجة إيران للغاز فضلا عن عدم دفع العراق للمستحقات المالية.

يشار إلى أن رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، وبعد أن تكرر انقطاع الكهرباء بشكل تام عن محافظات الوسط والجنوب، وجه بإيجاد بدائل للغاز الإيراني، لضمان استمرار عمل محطات الطاقة الكهربائية.

من جهته، يرى الخبير في شؤون الطاقة كوفند شيرواني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “صعوبات عديدة تواجه العراق فيما لو توجه لاستيراد الغاز من قطر أو تركمانستان لعدة أسباب فنية وسياسية، لاسيما أن قطر ملتزمة بعقود طويلة الأمد مع دول آسيوية، وهناك دول أوروبية تضغط على قطر من أجل التعاقد معها بعقود طويلة الأمد، وقد تم ذلك فعليا، ولذا لا يمكن لها تزويد العراق بأي فائض من الغاز، والأمر نفسه ينطبق على تركمانستان”.

وعن الأسباب الفنية، يضيف شيرواني انه “في حال تم الاتفاق مع قطر أو تركمانستان على استيراد الغاز، فلا يمكن نقله عبر الصهاريج، فهذا الأمر سيكون مكلفا جداً، بسبب بُعد المسافة، ولذا فإن الاستيراد يجب أن يكون عبر الأنابيب”، لافتا إلى أن “إنشاء الأنابيب يحتاج إلى أكثر من أربع سنوات، كما أن هذا المشروع قد يكلف أكثر من 25 مليار دولار، كما يجب أن يكون هناك اتفاق مع كافة الدول التي تمر فيها الأنابيب، وهذه الاتفاقيات من جانبها لا تخلو من الكلفة المالية التي تطلبها هذه الدول، ولهذا فالمشروع صعب التنفيذ من الناحية الفنية والتقنية”.

وحول موقف إيران من هذا التوجه، يبين أن “إيران لن تقبل بوجود أي منافس آخر لها يزود العراق بالغاز، خصوصاً هي تبيع الغاز للعراق فوق سعره الطبيعي، وهذا يورد لها أموالا طائلة، لاسيما أن هذه الأموال تسلم لها بالدولار مع وجود استثناء أمريكي حالي للعراق بهذا الخصوص، ولهذا فإن إيران ستعمل على منع ذهاب العراق لهكذا خطوة، وربما تكون هناك ضغوطات إيرانية على الحكومة العراقية لمنع هذا التوجه، إن لم يكن هناك تحرك حقيقي”.

يشار إلى أن إدارة معلومات الطاقة الامريكية، قدرت أن العراق أشعل 629 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، بسبب عدم كفاية خطوط الأنابيب والبنية التحتية لغاية الآن، مبينة أن هذه الكمية المحترقة من الغاز تكفي لإمداد 3 ملايين منزل بالطاقة.

وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن افتقار حقول النفط العراقية لمعدات جمع الغاز، يؤدي سنويا الى حرق 18 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب للنفط، وبحسب تقديرات دولية، فان هذا الحرق يكلف العراق 2.5 مليار دولار سنويا، أو ما يعادل 1.55 مليار متر مكعب من الغاز يوميا، وهو ما يعادل 10 أضعاف ما يستورده العراق من إيران.

جدير بالذكر أن الحكومة السابقة أبرمت العديد من الاتفاقيات، منها مع مصر والأردن وفرنسا، بالإضافة إلى الربط الكهربائي الخليجي ومشاريع الطاقة الشمسية، إلى جانب شركات كبرى لاستثمار الغاز العراقي وإنشاء خطوط ربط كهربائي، لكن أغلب هذه الاتفاقيات لم تطبق على أرض الواقع.

من جانبه، يؤكد الخبير النفطي حمزة الجواهري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق لا يملك منشأة لخزن الغاز، في حال تم استيراده من قبل قطر أو تركمانستان، فالغاز يحتاج إلى خزانات، بدرجة حرارة ناقص 168 مئوية، إضافة إلى أن نقله يتم عبر البحر من خلال السفن، ولا يمكن عبر الأنابيب فالطريق بعيد جداً وهذا مكلف أيضاً”.

ويوضح الجواهري أن “إنشاء العراق خزانات للغاز، يحتاج إلى مدة تصل لثلاث سنوات وهذا المشروع بدوره يكلف أموالا طائلة”، معتقدا أن “العراق غير قادر على إتمام مشاريع بهذا الحجم، ولهذا نستغرب من وجود مباحثات ما بين العراق قطر أو تركمانستان لاستيراد الغاز”.

ويكمل أن “العراق سيبقى معتمدا بشكل كلي على إيران في استيراد الغاز، فهذا الغاز يصل إلينا عبر أنابيب لقرب المسافة، بينما ينعدم هذا الأمر مع قطر أو تركمانستان”. 

وبحسب إدارة الطاقة الأمريكية فإن “70 بالمائة من الغاز العراقي هو غاز مصاحب، و30 بالمائة غاز طبيعي، وأن العراق يتلف 62 بالمائة من إنتاجه من الغاز، أي ما يعادل 196 ألف برميل من النفط، ولو كان سعر البرميل 70 دولارا في المعدل الطبيعي، فإن المبلغ المهدور هو 45 مليار دولار، وهو ما يكفي لانشاء صناعة غاز جديدة بالكامل.

وتنتشر حقول الغاز المصاحب والطبيعي في معظم المحافظات النفطية العراقية، بواقع 70 بالمائة في حقول البصرة (مجنون، حلفاية والرميلة)، 10 بالمائة في حقول كركوك، 20 بالمائة في المناطق الشمالية والغربية في البلاد، وذلك بحسب إحصائية كاملة حصلت عليها “العالم الجديد” ضمن ملف الغاز، الذي نشرته العام الماضي.

إقرأ أيضا