قروض ورعاية اجتماعية.. هل فضل السوداني الراتب “السهل” على مشاريع الشباب؟

قرارات عدّة اتخذها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، تخص بعض الشرائح، ومنها منح القروض للمشاريع…

قرارات عدّة اتخذها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، تخص بعض الشرائح الاجتماعية، ومنها منح القروض للمشاريع الصغيرة وزيادة عدد المشمولين بالرعاية الاجتماعية، لكن هذه الخطوات من وجهة نظر متخصصين بالاقتصاد تتصف بعدم الوضوح في الرؤية الاقتصادية، مؤكدين أنه يجب التوجه نحو فتح المعامل والاستثمار لتشغيل الشباب، بدلا من منحهم ما وصفوه بـ”القوت اليومي”، لكنهم رهنوا نجاح تلك المشاريع بمراقبتها وأن تكون مدرة للدخل وليست استهلاكية، بالمقابل فإن ائتلاف دولة القانون دافع عن الخطوات وعدها حلا للبطالة التي سببتها الحكومة السابقة.
 
ويقول الباحث المختص في الشأن الاقتصادي، ملاذ الأمين، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “إعطاء القروض التشغيلية الصغيرة وزيادة رواتب مستفيدي الحماية الاجتماعية ليس حلا جذريا، إنما هو معالجة مؤقتة تكفي لتوفير قوت يومي، لكن إذا ساهمت الدولة بفتح مشاريع أو شجعت في قوانينها القطاع الخاص والمستثمرين على إنشاء مشاريع سواء كانت صناعية أو زراعية أو سياحية فهذه المشاريع تحتاج إلى يد عاملة، ما يجعل سوق العمل متوفرة ونشطة بالتالي ستنشأ حالة اقتصادية صحية”. 
 
ويصف الأمين سياسات الدولة الاقتصادية بـ”عدم وضوح للرؤية، فالسياسة الاقتصادية، والمتسلطون عليها لا يعلمون كيفية التوجه نحو الطريق السليم، إضافة إلى انتشار الفساد الذي يشكل المعضلة الرئيسة، والسبب الحقيقي وراء تخلف الواقع الاقتصادي العراقي، ومتى ما قضينا على الفساد، فإن تنفيذ الخطط سيكون مريحا جدا”.
 
وكان السوداني، قرر في الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء يوم الاثنين الماضي، زيادة أعداد المشمولين بشبكة الرعاية الاجتماعية وزيادة نسبة الإعانة، كما قرر زيادة القروض الخاصة بدعم المشاريع الصغيرة.
 
وكانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أعلنت في تشرين الأول أكتوبر الماضي، أنه من خلال صندوق الإقراض الذي تأسس بموجب القانون رقم 10 سنة 2012 برأسمال 266 مليارا، تم منح قروض ميسرة للعاطلين عن العمل بدون فائدة بفترة سماح تصل إلى 5 سنوات، وبلغ عددها 60 ألف قرض، وما زالت تمنح من الأموال المستردة من القروض السابقة.
 
يشار إلى أن وزير التخطيط السابق خالد بتال، أعلن في تموز يوليو الماضي، عن مسح جديد أجري في العراق، وتبين فيه أن السكان بعمر 15 سنة فأكثر يشكلون نحو 64 بالمئة من إجمالي السكان، ويشكل الذكور منهم نحو 50 بالمئة والإناث 50 بالمئة تقريبا، وفئة الشباب بعمر 15-24 سنة شكلت 21 بالمئة، وبعمر 25 سنة فأكثر شكلت 43 بالمئة من إجمالي السكان، فيما بلغت نسبة البطالة، وفقا لبتال، 16.5 بالمئة.
 
من جانبه، يبين الباحث في الشأن الاقتصادي ضياء المحسن، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “زيادة قروض المشاريع الصغيرة خطوة إيجابية، لكن يجب ألاّ تكون هذه المشاريع كما يتصورها البعض من أنها استهلاكية وغير منتجة،  بل يجب أن تستغل بمشاريع مدرّة للدخل، تساهم في زيادة الإنتاج المحلي الإجمالي وتدخل في صناعة المنتجات التي يتم استيراد الكثير منها من الخارج، بشكل يثقل كاهل الموازنة ويسحب جزءا كبيرا من العملة الصعبة التي نحصل عليها نتيجة بيع النفط الخام”.
 
ويبين المحسن، أن “قرار منح القروض وزيادتها يحتاج إلى متابعة دقيقة للمشاريع والبرامج، لأن الكثير منها شابها الفساد وخاصة في ما يتعلق بدعم المشاريع الصغيرة، إذ كان منح القروض يتم على أساس المجاملات والترضيات منحصرا على المعارف والأصدقاء وخاصة في المصارف الخاصة”.
 
ويؤكد أن “العمل بهذه البرامج بالإمكان أن يكون مختلفا الآن إذا كانت هناك متابعة دقيقة لهذا النوع من المشاريع”، مشددا على “ضرورة وجود دراسات تخصص لمعرفة الجدوى الاقتصادية من هذا المشروع والقيمة الإضافية التي يضيفها إلى الاقتصاد الوطني، فضلا عن معرفة الفترة المحتملة لتسديد القرض وكمية الأرباح المتوقعة منه ومعرفة عدد العاملين الذين من الممكن أن يسحبهم هذا المشروع وخاصة من العاطلين عن العمل”.
 
وبشأن زيادة المشمولين بالرعاية الاجتماعية، يتابع المحسن، أن “كثيرا ممن كانوا مشمولين سابقا لا يستحقونها”، لافتا إلى أن “ما يحدث هو خروج أسماء مقابل دخول أعداد جديدة وبذلك لن يكون هناك فرق”.
 
ويتحدث الباحث في الشأن الاقتصادي عن أن “احتمالات انخفاض أسعار النفط بعيدة، لاسيما وأن سوق النفط الآن تحت تأثير السياسة ولا تتحكم به آليات العرض والطلب، فإذا اعتمد سوق النفط على آليات العرض والطلب سنجد أن أسعار النفط قد تتجاوز المئة دولار”، مشيرا إلى أن “الأسعار الآن أعلى من سعر الموازنة المقترح وهو بحدود 65 دولارا للبرميل، كما أن هناك توجها لزيادة الإيرادات غير الضريبية وتشجيع الصناعات المحلية وهذا أيضا جزء منه يتعلق بقروض المشاريع الصغيرة”.
 
يشار إلى أن حملات عديدة أطلقت من قبل وزارة العمل خلال السنوات السابقة، بهدف كشف المتلاعبين وغير المستحقين للراتب، ودائما ما يعلن أن عددهم يفوق العشرة آلاف وجرى إيقاف النسبة الأكبر منهم.
 
يذكر أن المدير العام لدائرة العمل والتدريب المهني في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، رائد جبار باهض، أعلن في وقت سابق، أن الوزارة لديها قاعدة بيانات رصينة تضم أكثر من مليون باحث عن العمل من مختلف الفئات ومن خريجي وزارتي التعليم العالي والتربية، تم تسجيلهم خلال المدة الماضية في بغداد والمحافظات ما عدا إقليم كردستان.
 
ويشهد العراق منذ سنوات طويلة، تظاهرات مستمرة وكبيرة يذهب ضحيتها العشرات من الشباب نتيجة قمع الأجهزة الأمنية، وغالبا ما تنحصر مطالب المتظاهرين بتوفير فرص عمل والقضاء على البطالة وتوفير الخدمات وحياة كريمة للمواطن.
 
من جانبه، يذكر النائب عن ائتلاف دولة القانون محمد الصيهود خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “البطالة واحدة من أهم المشكلات التي يعانيها مجتمعنا، ونسبة الفقر وصلت إلى 45 بالمئة، لذلك فأن الحكومة من خلال إجراءاتها ضمنت مشاريع بالبرنامج الحكومي لانتشال العاطلين من واقعهم وتوفير فرص عمل جديدة لاستيعاب الأيدي العاملة”.
 
ويرمي الصيهود تردي الأوضاع على “التركة الثقيلة التي خلفتها الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، إذ أن البطالة والفقر زادا بشكل واضح، لذلك جاءت هذه الإجراءات للمعالجة”، مبينا أن “تفعيل القطاع الخاص هو أحد من أهم الفقرات الرئيسية التي اعتمدتها الحكومة ببرنامجها”.
 
ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، الذي من المفترض أن يساهم بتشغيل شرائح عديدة من المجتمع، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوع تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل يستمر التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.
 
وفضلا عن القطاع الحكومي، فإن مشاريع القطاع الخاص، شهدت توقفا، بل وانهيارا كبيرا نتيجة لعدم توفر البنى التحتية للإنتاج، من تيار كهربائي أو حماية لازمة، خاصة في ظل الأحداث الأمنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول إلى مستهلك للبضائع المستوردة.

إقرأ أيضا