الذكرى الأولى للانسحاب الأمريكي.. الفصائل تدرك “الخسارة” والغطاء الجوي يقلق المراقبين

تمر هذه الأيام الذكرى الأولى، لانسحاب القوات الأمريكية من العراق وتحويل مهام المتبقي منها إلى…

تمر هذه الأيام الذكرى الأولى، لانسحاب القوات الأمريكية من العراق وتحويل مهام المتبقي منها إلى استشارية وتدريبية، وذلك بعد سلسلة مفاوضات وجولات حوار قادتها الحكومة السابقة، يأتي ذلك في ظل توقف الفصائل المسلحة عن استهداف القوات الأمريكية بعد صراع محتدم ومفتوح، وتغير خطاب الإطار التنسيقي المنادي بخروجها بشكل تام، استنادا إلى إدراك الأطراف الأخيرة (الفصائل والإطار) “لخسارة” معركة إخراج القوات الأمريكية، رغم انتقادهم لطبيعة المفاوضات التي أجراها رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، بالمقابل فان مخاوف أثيرت حول تغير مهام القوات الأمريكية، بشأ”الغطاء الجوي” والرادارات التي كانت توفرها.

ويعد ملف الفصائل المسلحة، من أبرز علامات هذا الملف، نظرا للاستهدافات المتبادلة التي كانت تجري بينها وبين واشنطن، وحول هذا الأمر وأسباب تغير المواقف وتوقف الهجمات، يقول المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي جاسم الموسوي خلال حديث لـ”العالم الجديد” إن “التحدي الحالي هو تحد داخلي أكثر من كونه تحديا خارجيا فضلاً عن أن فتح جبهة مع الأمريكان نتيجتها الخسارة”.

ويضيف الموسوي، أن “التقديرات السياسية في الوقت الراهن أفضل من السابق، وعدم مطالبة الإطار التنسيقي بخروج القوات الأمريكية ناتج عن تفكير عقلاني، وهذا تبين في توقف استهداف القوات والمؤسسات الأمريكية، من قبل مجاميع محسوبة على الحشد الشعبي والإطار التنسيقي”.

وكان رئيس الحكومة السابق، أعلن في 31 كانون الأول ديسمبر الماضي، انتهاء الدور القتالي للقوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي في العراق، وانه تم استلام كل المعسكرات من قبل القوات العراقية، وأكد آنذاك أنه “يتواجد حاليا عدد من المستشارين يعملون إلى جانب قواتنا الأمنية”.

وفي ما يخص المفاوضات التي جرت بين العراق وأمريكا بهذا الملف، يبين أن “المفاوضات التي أجريت إبان حكومة مصطفى الكاظمي لم تكن مثالية، فقد كانت مجرد اتفاقات شفوية، حافظت على وجود الأمريكان في العراق، وأعطوا غطاء قانونياً داخل العراق، في المقابل كانت النية تجديد ولاية أخرى الكاظمي”.

ويوضح أن “الضغط الكبير الذي سلطه مجلس النواب على الحكومة، حينما صوت على إخراج القوات الأمريكية، أجبر الحكومة على القيام بخطوة لامتصاص الغضب داخل المجلس، وفي الأوساط الشعبية، وهي خطوة شكلية، تمت بشروط الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يقدم العراق أي شرط أو طلب في تلك المفاوضات”.

ويتابع المحلل السياسي، أن “الأمريكان كانوا قد أبلغوا الوفد العراقي أنهم هم من وضعوا السياسيين الحاليين في مناصبهم، وهم من أزاحوا نظام صدام حسين، وأن القوات الأمريكية ليست موجودة في العراق وحده، وإنما هي متواجدة على مستوى الصراع في المنطقة”.

ويؤكد أن “الولايات المتحدة لديها خطوط حمر في الشرق الأوسط، لا يمكن تجاوزها، تتمثل بالقواعد العسكرية أولاً، الثروات ثانياً، المياه الدولية ثالثاً، وأخيراً أمن إسرائيل، وتتوفر الخطوط الثلاثة الأولى داخل العراق، تبعاً لذلك لم تجر المفاوضات على أساس انسحاب القوات الأمريكية، وإنما تحويل المقاتل الأمريكي إلى مستشار”.

ويردف الموسوي أن “القوات الأمريكية لا تنسحب من العراق بسهولة، السبب عائد لاستحالة إقناع القيادة الأمريكية دبلوماسياً بالانسحاب من العراق، وحتى الأساليب الأخرى كالعنف لن توصل العراق إلى نتيجة، فضلاً عن أن الكاظمي لم يكن مؤهلاً ليحمل ملفاً صعباً كهذا”.

كما يوضح أن “العراق تقدم بطلب سابق للقيادة الأمريكية بالاتفاق على المساعدة في مقاتلة داعش، وذلك إبان حكومة حيدر العبادي، فيما لم يتقدم العراق لاحقاً بإلغاء هذا الاتفاق، وبهذا فإن الاتفاقية سارية المفعول حتى هذه اللحظة، وإخراج القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي يحتاج لإلغاء هذا الاتفاق”. 

وجاء قرار تحويل مهام القوات الأمريكية إلى تدريبية، بعد جولات الحوار الاستراتيجي التي انطلقت بين بغداد وواشنطن منذ عام 2020، وانتهت بالجولة الرابعة العام الماضي، التي أسفرت عن هذا القرار.

يذكر أنه منذ عملية اغتيال واشنطن لكل من قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في 3 كانون الثاني 2020، صعدت الفصائل المسلحة من خطابها ضد الوجود الأمريكي وبرزت فصائل مسلحة بأسماء وهمية، تبنت أغلب عمليات الاستهداف التي بدأت بالعبوات الناسفة ضد أرتال الدعم اللوجستي لقوات التحالف الدولي والصواريخ ضد السفارة الأمريكية والقواعد الأخرى وخاصة في مطار بغداد، ومن ثم انتقلت إلى الطائرات المسيرة.

وقد أعدت “العالم الجديد”، إحصائيات سابقا، بشأن الفصائل الوهمية التي تتبنى استهداف القوات الأمريكية، وعدد عملياتها عبر سلسلة تقارير، وكانت أبرزها في عام 2020، حيث جرى تشكيل 9 فصائل جديدة، تبنت تنفيذ 76 استهدافا، وللإطلاع على التفاصيل الدقيقة لتلك الفصائل وتواريخ عملياتها، يرجى الضغط على العنوان التالي: 76 استهدافا بالكاتيوشا والعبوات.. “العالم الجديد” تحصي الجماعات المسلحة الجديدة وعملياتها في 2020 (فيديو وانفوغراف)

أمنيا

يشكل الملف الأمني، واحدا من أبرز المحاور في هذا الملف، وبشأنه يبين الخبير الأمني فاضل أبو رغيف خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “انسحاب القوات الأمريكية والتحالف الدولي من العراق جرى بعد مفاوضات بين الحكومة العراقية والتحالف الدولي من جهة أخرى، وأسفرت عن انسحاب تدريجي تكلل بإعادة تموضع داخل القواعد العسكرية ومسك الأراضي ثم تسليم القواعد للقوات العراقية”.

ويضيف أبو رغيف، أن “المفاتيح الأمنية في العراق لم تتغير حتى بعد عام من انسحاب قوات التحالف الدولي، وأن القوات العراقية هي التي تمسك الأرض، وتشرف على مراقبة الأجواء العراقية”، مشيرا إلى “وجود تنسيق بين سلاح الجو التابع للتحالف الدولي وجهاز المخابرات العراقي، فضلاً عن إشراف التحالف الدولي على تدريب العديد من قطعات الأجهزة الأمنية العراقية”.

وفيما يبدي قلقه “من إمكانية وقدرات سلاح الدفاع الجوي، الذي لا يمتلك الرادارات المتطورة، التي تمثل أسس الأمن القومي لكل بلد”، يؤشر “عدم قدرة البلد المتحالف مع الولايات المتحدة على امتلاك أسلحة الدفاع الجوي، لأن الولايات المتحدة ترفض شراء المتحالفين معها أسلحة مصنوعة في بلدان أخرى، مع رفضها لهذا النوع من الأسلحة”.

وعن مصير القوات الأمريكية، يشير الخبير الأمني إلى أن “القوات الأمريكية إذا ما انسحبت فإنها تتموضع بقواعد عسكرية قريبة من العراق، سواء في دول الخليج المجاورة، أو في الأردن وسوريا”.

وخلال العام الحالي، استلم العراق 5 رادارات أمريكية وفرنسية الصنع، وكانت “العالم الجديد” من أولى الصحف التي كشفت عن موعد وصولها وخارطة توزيعها، ولغاية الآن جرى نصب رادار واحد منها في قاعدة عين الأسد بالانبار.

يشار إلى أن خبراء في الأمن أكدوا سابقا أن الكثير من منظومات الدفاع الجوي الموجودة في العراق، هي من الأجيال القديمة، وأغلبها روسية الصنع، وذات مديات قصيرة توفر حماية للمناطق الحساسة، إضافة إلى بعض المعابر الأساسية التي نصبتها وزارة الدفاع، وهي ذات منشأ مختلف، فبعضها روسي والبعض الآخر غربي من فرنسا، ولكن في مجملها توفر مديات ذات حماية محدودة لبعض المناطق التي يجب توفير الحماية لها.

جدير بالذكر، أنه في 7 آب اغسطس 2021، أعلنت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، انسحاب قوات OTH التابعة لها من العراق إلى قواعدها الأصلية في الكويت، وتتكون هذه القوة من طائرتي هليكوبتر من طراز CH-47 من طراز Chinook وسرية مشاة تكون في وضع الاستعداد لمدة 24 ساعة لتتحول الى عجلات في غضون مهلة قصيرة هدفها إكمال المهام.

سياسيا

في سياق متصل، يرى المحلل السياسي غالب الدعمي خلال حديث لـ”العالم الجديد” بأن “القوات الأمريكية لم تنسحب من العراق، ولا يعتقد أنها في طريقها إلى الانسحاب، ولكن قواتها العسكرية القتالية انسحبت من الأرض، وبقيت قوات استشارية، فضلاً عن قوات التدريب، التي لا تزيد عن 2,500 مقاتل، مع الأسلحة التي تمتلكها”.

ويضيف الدعمي أن “هذا الانسحاب لن يغير شيئا على الصعيد السياسي بالنسبة للقوات الأمريكية، لكنه قلل من النفقات العسكرية لهم، كما أنه لم يحقق تغييراً في المشهد العراقي، حتى أن الكثير من القوات القتالية المنسحبة تمركزت في قاعدة التنف الأمريكية داخل الأراضي السورية”.

ويشير إلى أن “عدم تعاون الحكومات العراقية مع القوات الأمريكية يسبب مشكلات للعراق هو في غنى عنها”، لافتا إلى أن “إخراج القوات الأمريكية يجب أن يتم بطريقة ترضيها، أما إخراجهم بالإجبار ينعكس سلباً على القبول الدولي لحكومة السوداني”.

ويبين الدعمي أن “العراق من دون دعم سياسي بحجم الولايات المتحدة سوف يكون بموقف ضعيف دبلوماسياً، خاصة وأن الولايات المتحدة تفرض وصايتها على أغلب بلدان الشرق الأوسط، وبالأخص البلدان العربية، التي يشترك العراق معها باتفاقيات وبروتوكولات، زادت في الآونة الأخيرة بشكل واضح”.

يذكر أن السفيرة الأمريكية لدى العراق إلينا رومانوسكي، عقدت مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، لقاءات كثيرة، وكانت من أكثر الشخصيات الدولية التي التقت به، بداية من تكليفه بتشكيل الحكومة وبعد منحه الثقة من البرلمان.

وكانت واشنطن أكدت دعمها لحكومة السوداني، بأكثر من مناسبة، وعبر مسؤولين رسميين في وزارة الخارجية الأمريكية وغيرهم، وقبل أيام استقبل السوداني، قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا، وبحثا أوجه التعاون والتنسيق العسكري بين العراق والولايات المتحدة.

إقرأ أيضا