الصراع الفرنسي الإيراني حول العراق.. هل سيترك آثارا سلبية؟

ربطت تفسيرات متخصصين في الشأن السياسي دعوة فرنسا إلى “تقليص النفوذ الإيراني” في المنطقة بهدف…

دعوة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى “تقليص النفوذ الإيراني” في العراق وسوريا ولبنان، لتحقيق الاستقرار المنشود، أعادت الملف الإيراني، لتصدر الملفات الإقليمية والدولية، وهو ما قوبل بتفسيرات عدة طرحها متخصصون بالشأن السياسي، أبرزها الضغط على طهران كي تعود للملف النووي، متخوفين من تأثر العراق بهذا “التحول” نظرا لرفض حلفاء طهران في بغداد لأي تعاون مع باريس، أو خروجهم بتظاهرات ضدها.

ويقول المحلل السياسي خالد عبد الإله، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يدخل ضمن إطار حسابات الضغط على إيران بعد أن تغيرت الكثير من السياسات في المنطقة، لاسيما بعد التوافق الإيراني الخليجي في بعض الملفات، وكذلك بعد حديث وزير الخارجية الإيراني على هامش مؤتمر قمة بغداد 2 في الأردن، بأن إيران ترحب بأي تفاهم مع بلدان الخليج”.

ويعتقد عبد الإله، أن “السياسة الفرنسية تريد أن تبحث عن خيارات وبدائل لها في المنطقة، فعندما تأتي مثل هذه التصريحات بعد مواقف ايجابية من قبل أطراف أخرى شاركت في القمة فهذا يدل بشكل أو بآخر إلى محاولة خلط الأوراق من ناحية أو الضغط باتجاه تفعيل اتفاق الملف النووي مع مجموعة 4 زائد 1 بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية”، لافتا إلى أن “إيران تجد بأن هناك ضغوطا غربية عليها بشأن هذا الملف”.

ويتطلع إلى “الموقف الرسمي للخارجية العراقية تجاه هذه التصريحات خصوصا أنها تصدر من رئيس دولة على مستوى عال مثل ماكرون، إذ يتحدث عن العراق بمقابل الحالة السورية أو اللبنانية”، مشيرا إلى أن “الحالة العراقية لا تشبه كلا الحالين في البلدين الشقيقين، فلبنان مثلا يعيش حالة مختلفة وهو عرضة لتدخلات واسعة ويعاني عدم وجود اتفاق سياسي على منصب رئيس الجمهورية مع فشل مبادرة ماكرون لاحتواء الأزمة هناك”.

ولا يجد عبد الإله تفسيرا لتصريحات ماكرون “سوى محاولة لخلط الأوراق أو الضغط على إيران للعودة إلى الملف النووي”، لافتا إلى أن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيكون لها رد فهي حتى الآن تختبر وتحلل كل التصريحات لأن وزير الخارجية الإيراني كان مشاركا في قمة بغداد الثانية”.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قال خلال حوار أجرته معه صحيفة النهار اللبنانية، ونشر يوم أمس، “أنا مقتنع بأنه لا يمكننا إيجاد أي حل لمشكلة لبنان والعراق وسوريا إلا في إطار حوار لتقليص التأثير الإقليمي الإيراني”.

كما بين ماكرون خلال الحوار “لقد رأينا ابتداء من 2019 و2020 أن رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي يبدي رغبة في التقدم بالعمل، وعلى هذا الأساس وضعنا ابتداء من 2020 إستراتيجية معه ومع الرئيس السابق برهم صالح تهدف إلى مساعدتهم لتعزيز سيادة العراق مع إيران، وطلب الكاظمي وصالح المساعدة لإنشاء حلول على أساس مشاريع طاقة ضخمة تساعد على الانخراط في اللعبة الإقليمية التي تتيح للعراق التحاور مع إيران.

كما كشف ماكرون، أن بلده مكنت مشاريع الطاقة وتمويل بعض مشاريع الترابط الكهربائي مع الأردن وحافظت على الاستقرار في العراق، مؤكدا “شهد الصيف الماضي خطرا كبيرا وأمضيت وقتا طويلا مع المسؤولين العراقيين عبر الهاتف لمحاولة تجنب اشتعال الوضع”.

وعقد مؤتمر “بغداد 2” في 20 من الشهر الحالي، في مركز الملك حسين بن طلال للمؤتمرات على ساحل البحر الميت في الأردن، بعد دورة أولى أقيمت في بغداد في آب أغسطس 2021 بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والعراق.

باريس تسحب السوداني

إلى ذلك، يرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “فرنسا مهما كانت علاقاتها مقبولة مع إيران، لكن في النهاية باريس لا تستطيع أن تكون خارج إطار رؤية البيئة الدولية التي تجد أن إيران عامل تهديد للأمن الإقليمي والدولي لاسيما تدخلاتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهذه التصريحات تعد جزءا من سياسة الضغوط التي تُمارس تجاه إيران لتصحيح سلوكها الخارجي في المنطقة وهذه البلدان بالتحديد”.

ويتوقع الشمري أن “يؤثر هذا التصريح على العلاقات الفرنسية الإيرانية لاسيما أن إيران في الآونة الأخيرة باتت تستشعر الوحدة والعزلة وقد يكون التصريح الأخير للرئيس الصيني واستدعاء السفير الصيني في طهران ينم عن أن إيران مستفزة لأنها فقدت الحاضنة الدولية بشكل كامل، كما اعتقد أن التصريح سيكون ذا تأثير أيضاً في الداخل العراقي”.

وتعليقاً على تأثير تصريح الرئيس الفرنسي في العراق، يشير إلى أن “حلفاء إيران في الداخل العراقي سيعملون على أن لا يكون هناك تقدم في تطبيق الاتفاقات الحكومية مع الجمهورية الفرنسية بالتحديد، لأنهم بما لا يقبل الشك سيجدون في هذه التصريحات استفزازا واستهدافا لإيران حليفتهم، ولذلك وقعها سيكون أكبر على العراق”.

ويشدد الشمري على أن “الأهم ألاّ يقطع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني هذه العلاقة مع فرنسا على الرغم من أن داعميه قد يندفعون باتجاه مغاير، وفي النهاية هذه التصريحات موجهة ضد إيران، لذلك فأن أي تحرك ضد المصالح الفرنسية قد يكون عملا غير مدروس وستكون له تبعات”، لافتا إلى أن “ما يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار أن أي فرصة بالتظاهر ضد فرنسا ستكون أمرا واردا خصوصا إذا ما توترت العلاقة بين فرنسا وإيران”.

يذكر أن ماكرون، قال أيضا خلال الحوار، “جاء رئيس الحكومة السوداني المدعوم من غالبية معروفة بأنها اقرب إلى الإيرانيين، وعندما زارني العاهل الأردني في باريس أقنعته بضرورة عقد هذا المؤتمر لأنه لمصلحتنا جميعا، وعبد الله جازف بذلك، وقد تبادلنا الاتصالات الهاتفية العديدة خلال أسابيع ماضية مع رئيس السوداني، وقبول السوداني لهذا المؤتمر هو انتصار، وقد عقدنا اجتماعا في إطار مصغر دون الأتراك والإيرانيين وبدأنا نضع خطوطا للعمل بدءا من الشهر المقبل”.

يشار إلى أن الصحفي العراقي المعتمد لدى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “الناتو” حسين الوائلي، اكد لـ”العالم الجديد” سابقا، أن التوجه الفرنسي نحو العراق، مهم لباريس وليس لبغداد فقط، إذ أن فرنسا غارقة في أفريقيا وشرق المتوسط، وتحاول أن تحصل على متنفس لها لمنافسة تركيا، فوجدت منفذا في ما يخص التسليح.

يذكر أن العراق احتضن جولات حوار بين إيران والسعودية، وذلك بإشراف الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، لكن بعض المصادر أشارت إلى أن المفاوضات ستتوقف خلال المرحلة الحالية، لأسباب عدة منها عدم توصل طهران والرياض لنقاط التقاء.

رسائل دولية

من جانبه، يبين المحلل السياسي راجي نصير خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “هذا التصريح قد يكون جزءا من محاولة التمرد الأوروبية التي تقودها فرنسا وألمانيا على هيمنة أمريكا على أوروبا وحلف الناتو، كما أن ماكرون يحمل الكثير من التناقضات في سياسته الدولية والتي لم تشكل أثرا حتى في موضوع الأزمة الأوكرانية”.

ويضيف نصير أن “فرنسا تحاول الخروج من القيود الأمريكية التي وصلت حد الابتزاز من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وعليه فإن هذا التصريحات قد تدخل في إطار الرسائل السياسية للولايات المتحدة الأميركية، لكن فرنسا ليست من القوى المؤثرة في واقع الحال خاصة في العراق”.

ويوضح نصير أن “ماكرون كان في عمّان قبل أيام وكانت له تصريحات عن العراق تخالف ما قاله اليوم، وعليه فهي لن تحظى بثقل أو تأثير دولي كما هو الحال في تصريحات الرئيس الأمريكي أو الروسي التي تؤثر حتى على الاقتصاد العالمي، وعليه فهي لا تتعدى رسائل إعلامية وسياسية ولن يترتب عليها أي شيء”. 

جدير بالذكر، أن ماكرون حذر مطلع الشهر الحالي، من خطر أن تذهب أوروبا عموما وفرنسا تحديدا ضحية للتنافس التجاري الراهن بين واشنطن وبكين، معتبرا خلال لقاء مع أعضاء من الكونغرس الأمريكي أن برنامج الولايات المتحدة للاستثمارات والإعانات لمساعدة الشركات المحلية يهدد “بتفتيت الغرب”.

إقرأ أيضا