وساطة جديدة.. ما سر اختيار العراق كأرض حياد بين إيران ومصر؟

مرة أخرى، يتحول العراق إلى وسيط لتطبيع العلاقات بين إيران والدول العربية، وهذه المرة بين…

مرة أخرى، يتحول العراق إلى وسيط لتطبيع العلاقات بين إيران والدول العربية، وهذه المرة مع مصر، لاسيما بعد دور الوساطة الذي قاده بين إيران والسعودية، لكن هذه الخطوات، ومن وجهة نظر متخصصين بالشأن السياسي، لا تعكس قوة البلد، بل لثقة الأطراف المتنازعة وخاصة إيران بالدور الذي يلعبه، إلا أنهم أشاروا في الوقت ذاته إلى أن تلك الحوارات لن تؤدي إلى حلول جذرية وإنما تؤجل الصراعات فحسب.

ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري خلال حديث لـ”العالم الجديد” إن “العراق أرض صلبة على صعيد العلاقات الخارجية المتوازنة، ما يؤهله للعب دور الوساطة، لكن نجاح تلك الوساطة ودفعها للأمام مرهون برغبة الأطراف المتقاطعة أكثر من رغبة العراق”.

يذكر أن الرئيس التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية، عزت سعد، أعلن يوم أمس الثلاثاء، أن العلاقات بين مصر وإيران ليست طبيعية، نظراً لأن هناك عدداً من الملفات التي تقف عائقاً في طريق تطبيع تلك العلاقات، لكن الوساطة العراقية قد تفتح الباب لبداية المشاورات، إذ من الممكن أن يلعب العراق الدور نفسه (حوارات السعودية وإيران) لتقريب وجهات النظر، وبغداد مؤهلة بحكم علاقاتها الخاصة مع إيران بأن تقوم بدور الوساطة بين القاهرة وطهران.

ويضيف الشمري أن “اجتماعات غير منظورة عقدت بين كل من مصر وإيران، وبين تركيا والإمارات، وبين الأردن وإيران، واعتقد بوجود رغبة في استكمالها، سيما وأن إيران حضرت في مؤتمر بغداد2، على الرغم من التقاطعات الكبيرة بين الأطراف الحاضرة من جهة، وإيران من جهة ثانية”.

ويؤكد وجود “رغبة لطهران بضرورة إنهاء الخلافات إلى حد ما، أو العمل على تسوية تسمح لها بفتح صفحة جديدة من العلاقات مع كل من مصر والأردن والسعودية”، معتقدا أن “إيران هي من تدفع العراق بهذا الاتجاه، على اعتبار أن الحكومة الحالية يمكن أن تقوم بهذا الدور، وهي قريبة أكثر من سابقتها لإيران”.

وعن اختيار العراق دون سواه للعب دور الوسيط، يبين الشمري، أن “ذلك عائد لسياسة التوازن التي انتهجها العراق خلال السنوات الماضية، أما السبب الآخر فيعود لتأكد إيران من مقبولية العراق بالنسبة للسعودية، وتمتعه بعلاقات ثنائية مميزة على مستوى رئيس حكومة  ورئيس الوزراء التركي، فضلاً عن علاقات مميزة مع مصر والأردن، لذا أعتقد أن اختيار الوسيط فعل إيراني قبل أن يكون فعلاً عراقياً أو عربياً”.

ويردف أن “مصدر الثقة التي يتمتع بها العراق هي من تدفع الأطراف العربية لقبول العراق كوسيط، بعدما كان ناقلاً للرسائل، عبر جهد دبلوماسي، نتج عن قرب القوى السياسية الداخلية من إيران، وثقة الأخيرة بمعادلات السلطة داخل العراق”.

وحول لعب العراق دوراً محورياً في حل الأزمات داخل المنطقة يشير إلى أن “الأمر غير واضح بعد؛ نتيجة عدم امتلاك العراق لأدوات تؤهله للعب ذلك الدور، إلا أن فلسفة العراق للعب دور الوساطة قائم على إتباع سياسة الحياد، والنأي بالجغرافيا العراقية من أن تكون أرض تصادم”.

وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، كشف عن تقديم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مقترحا لبدء حوار مع مصر بوساطة عراقية لتحسين العلاقات معها، وأبدى ترحيبه به، مؤكدا أن السوداني اقترح خلال لقائه معه على هامش مؤتمر بغداد 2 في الأردن، بدء محادثات مع مصر لتعزيز العلاقات بين طهران والقاهرة.

من جانبه، يؤكد المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لصحيفة “العالم الجديد”، أن “المفاوضات التي تجري هنا وهناك بين البلدان العربية من جهة وإيران من جهة ثانية، هي مفاوضات لتأجيل الصراع، وتخدير القضية، إذ لا تقوم المفاوضات بحل جذري؛ وذلك عائد لاختلاف المناهج والعقائد السياسية”.

ويضيف الدعمي، أن “العراق يمكنه لعب دور المؤثر واللاعب حينما يتأكد العالم انه لا يصطف مع محور دون غيره، وذلك يجعله ذلك مقبولاً من جميع الأطراف، ويؤهله لإدارة الحوارات السياسية”.

ويشير المحلل السياسي إلى أن “المشكلة تتمحور في عدم وضوح المسارات السياسية للعراق كدولة، فعادة ما يتبع العراق سياسة رئيس الوزراء، ويتبع الجهة السياسية التي تدعمه، فمثلاً حكومة الكاظمي كانت قد نجحت في عدم الاصطفاف مع محور، وهذا ما يجب على حكومة السوداني إتباعه، إذا ما أراد الأخير أن يكون العراق لاعباً و وسيطاً مؤثراً في الخارطة السياسية للمنطقة”.

جدير بالذكر، أن إيران والسعودية شاركتا بمؤتمر بغداد 2، الذي عقد الأسبوع الماضي في العاصمة الأردنية عمان، بمشاركة فرنسا ودول عربية أخرى.

يشار إلى أن العراق، استضاف جولات سرية للحوار السعودي الإيراني على أرضه، منذ انطلاق أولى الجولات في 9 نيسان أبريل 2021، بحضور رئيس المخابرات السعودية خالد حميدان ونائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد عرفاني، وتبع هذا اللقاء في بغداد، توجه مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد إلى طهران، ضمن إطار مفاوضات إيرانية مع الإمارات، وذلك بحسب ما نقله مصدر عن وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف خلال لقائه زعماء القوى السياسية في بغداد.

ويجري الحديث مؤخرا عن محاولات لعقد الجولة السادسة من الحوار بين السعودية وإيران في بغداد، لكن الدولتين لم تتوصلا لاتفاق بشأن بعض النقاط الخلافية بينهما، وما تزال بغداد تحاول تهيئة أرضية مناسبة لاستئناف الحوار.

في سياق متصل، يرى المحلل السياسي راجي نصير، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الوساطة العراقية في زمن الحكومة السابقة أثبتت فاعلية، وبإمكان الحكومة الحالية التوسط بين مصر وإيران، تبعاً للمشتركات التي يتمتع بها العراق، مع المحيط العربي من جهة، ومع إيران من جهة أخرى”.

ويعتقد نصير، أن “نجاح هذه الوساطة يعتمد على شرطين رئيسين، الأول احتياج الحكومة لدعم داخلي، يمكن له تقوية موقفها في التفاوض، أو التوسط بين الأطراف المتخاصمة، أما الثاني فيشير إلى قبول دولي، يسمح لها بالتوسط”.

وحول اختيار العراق كوسيط لحل خلاف مصر مع إيران يرجع ذلك إلى تفسيرين “الأول سلبي، يلمح إلى وجود قناعة لدى أغلب الدول العربية باعتبار العراق على أنه جزء من السياسة الإيرانية، وأن إيران تتحكم بالداخل العراقي، عبر امتلاكها ولاءات سياسية عديدة في العملية السياسية، أما التفسير الثاني فهو إيجابي، يشير إلى وجود مشتركات للعراق مع محيطه العربي من جهة، ومع إيران من جهة أخرى، على الصعيد الجغرافي، الاقتصادي، السياسي، والديني”.

ويبين أن “العلوم السياسية أثبتت مسألة مهمة، تشير إلى انعكاس قوة الدولة داخلياً على الصعيد الخارجي، فإذا ما اختفت الأزمات، واختفت المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ارتفع سقف العراق على صعيد السياسة الخارجية، أما في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسة الراهنة فإن العراق يواجه صعوبات على مستوى السياسة الخارجية”.

وخلال العامين الماضيين، ومنذ عقد القمة الثلاثية بين العراق ومصر والأردن، شهدت العلاقة بين بغداد والقاهرة تطورا كبيرا، لاسيما بعد أن الاتفاق على إيصال النفط العراقي لها بغية تكريره، فضلا عن اتفاقيات اقتصادية أخرى معها ومع الأردن. 

جدير بالذكر، أن العراق وخلال الفترة الماضية عاد بقوة لمحيطه العربي، عبر عقد العديد من القمم في بغداد، فضلا عن مشاركته بالقمم التي عقدت في السعودية، بمشاركة أمريكا وأخرى بمشاركة الصين.

إقرأ أيضا