تعيينات السوداني.. هل تعيد الدولة إلى سياسة “التقشف والاقتراض”؟

بات الرأي العام في العراق ينظر إلى خطوات رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بفتح…

خطوات رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بفتح باب التعيينات على مصراعيه، أعادت للأذهان سياسات سلفه وزعيم تحالف السابق نوري المالكي، لكن متخصصين بالشأن الاقتصادي والسياسي، لاحظوا أن عدد موظفي الدولة في زمن حكومة الأخير لم يكن كما هو عليه اليوم، محذرين السوداني من “منزلق خطير” ينتظر الدولة، لا خيار فيها سوى التقشف أو الاقتراض في حال انخفضت أسعار النفط.

ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المقارنة بين حقبتي المالكي والسوداني لا تصح، ففي حقبة الأول كانت هناك تعيينات كثيرة، اعتمادا على أريحية مالية وفرتها أسعار النفط المرتفعة والمتطلبات كانت أقل مما هي عليه الآن، فعندما نتحدث عن الموازنة التشغيلية كانت في كل السنوات نفسها، لكن في فترة المالكي كانت هناك فوائض تتحقق نتيجة ارتفاع أسعار النفط يوجهها للمشاريع الاستثمارية والتي كان جزء كبير منها وهميا، إذ تصرف الأموال ولا تنفذ على أرض الواقع”.

ويضيف المشهداني، أن “أكثر من 50 بالمائة من التعيينات الموجودة هي من الملاك الوظيفي القديم للدولة في القوات الأمنية للدفاع والداخلية، أما التعيينات الموجودة الآن رغم أن قسما منها يخص القوات الأمنية أيضا لكن الجزء الأكبر منها موجود في عقود 315 أي متعاقدون يؤدون خدماتهم للدولة العراقية منذ عشر سنوات مثل المحاضرين”.

ويؤكد أن “الحل الحقيقي لهذا الملف ليس باستمرار فتح التعيين في القطاع الحكومي وإنما يفترض أن يُنشط القطاع الخاص لأنه الأجدر باستيعاب القوى العاملة”، مؤكدا أن “النفط هو المورد الأساسي للبلاد حيث يشكل أكثر من 90 بالمائة من إيرادات الموازنة، وبالتالي أي انخفاض في أسعاره سينعكس سلبا على الموازنة، وأسعار النفط ستبقى متقلبة ولا يمكن إطلاق تعيينات على أساسها”.

ويتابع أن “انخفاض أسعار النفط إلى أقل من المتوقع سيكرر تجربة ما حدث في عام 2020 عندما انخفضت الإيرادات النفطية، وتتبع الحكومة سياسة التقشف أو تغير سعر الصرف أو اللجوء للاقتراض لتمويل نفقاتها، وكل واحدة من هذه الخطوات أخطر من الأخرى”.

جدير بالذكر أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ومنذ تسمنه منصبه قبل شهرين، أصدر قرارات عديدة بشأن تعيين شرائح مختلفة، وكان آخرها قراره في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، والمتضمن “استحداث درجات وظيفية للمتعاقدين في جميع الوزارات، واستحداث 11031 درجة وظيفية، لتثبيت العقود العاملين في شركات التمويل الذاتي العائدة إلى وزارة النفط، وموافقته على تحويل المتعاقدين بصفة أجر يومي إلى عقود، للتشكيلات العائدة إلى وزارة النفط، واستحداث 3193 درجة وظيفية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لتثبيت العقود التشغيلية للمتعاقدين، وتثبيت جميع المحاضرين والإداريين في وزارة التربية، والبالغ عددهم تقريبا أكثر من 250 ألف شخص.

وكان النائب مصطفى سند، كشف يوم أمس، في تغريدة له، أن مجلس الوزراء سيضيف في كل جلسة وجبة جديدة من شرائح مختلفة لغرض تثبيتها.

وتأتي هذه الخطوات، بعد أن كشفت “العالم الجديد” في تقرير سابق أن موازنة العام المقبل ستتضمن نحو 600 ألف درجة وظيفية، وهذا يضاف إلى تعيين رئيس الحكومة محمد شياع السوداني حملة الشهادات العليا والأوائل البالغ عددهم 74 ألفا.

يشار إلى أن السوداني، أعلن سابقا عن التوجه لدراسة ملفات أكثر من مليوني طلب قدم إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لغرض قبولها برواتب الرعاية الاجتماعية، وهذا إلى جانب رفع مخصصات العاملين في الهيئة والمتخصصين بدراسة الملفات.

من جانبه، يتحدث الخبير في الشأن الاقتصادي نبيل جبار، لـ”العالم الجديد” عن أن “مؤسسات الدولة خلال حكم المالكي شهدت توظيفا واسعا وقد عد كثيرون أن هذا التوظيف جاء لمصالح سياسية وانتخابية”.

وعن المقارنة بما أطلق في عهد السوداني من تعيينات مع ما أطلق في عهد المالكي، يضيف جبار، “لا نستطيع اليوم أن نقول إن ما حدث في حكومة المالكي مطابقا لما يحدث حاليا، والسبب أن  اغلب المطالبين اليوم بتعيين أو تثبيت من المحاضرين أو أصحاب العقود وهم أساسا تركة الثماني سنوات الماضية منذ عام 2014 وحتى الآن”.

ويتابع أن “فترة ما بعد 2014 لم تشهد تعيينات، لكنها شهدت قرارات مثل تعاقدات مع أعداد كبيرة لكن السوداني غير مسؤول عنها بشكل مباشر، وكذلك القوانين الخاصة بقضايا التعيين كالقوانين المتعلقة بحملة الشهادات العليا والأوائل في الكليات كذلك السوداني غير مسؤول عنها مطالب بتنفيذها بحكم القانون”.

ويرى جبار أن “هذه التعيينات تسبب زيادة التضخم في النفقات التشغيلية خصوصا أن مؤسسات الدولة اليوم تشهد بطالة مقنعة وإنتاجية محدودة وعوائد صفرية مرهقة للموازنات فبدل أن تكون مؤسسات الدولة الخدمية وغير الخدمية والإنتاجية مدرة للأموال على اعتبار أنها تتوسع في عملها وتوظف العمال لكن الواقع الاقتصادي على العكس تماما فهي مؤسسات عابثة بالاقتصاد ومنهكة للواقع العراقي”.

يذكر أن مصدرا كشف في وقت سابق لـ”العالم الجديد”، أن الرواتب بلغت نحو 65 تريليون دينار من قيمة الموازنة، وهذا وسط اعتراض وزارة المالية على هذه التعيينات، بسبب عدم تحمل الموازنة لهذه الأعداد.

وشهدت فترتا حكم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، تعيينات كبيرة، وخاصة في وزارتي الدفاع والداخلية، فضلا عن الوزارات الأخرى، كما شهدت أكبر ميزانية وسميت آنذاك بـ”الانفجارية” بقيمة 118 مليار دولار وذلك في العام 2012.

إلى ذلك، يجد المحلل السياسي أحمد العبادي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التعيينات الحالية لا تشبه تلك التي أطلقت في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، فعدد الموظفين آنذاك لم يصل إلى هذا الحجم الهائل، لاسيما مع الفائض المالي والموازنات الانفجارية التي توفرت في زمن المالكي، لكن واقع اليوم مختلف فعلى الرغم من أن هذه التعيينات استوعبت شرائح كبيرة، لكنها مضرة كثيرا بالاقتصاد”.

ويواصل العبادي، أن “شعباً تعداده 40 مليونا لا يمكن وفق المعايير الاقتصادية العالمية أن تكون تعييناته أكثر من ثمانية ملايين أي أكثر بستة أضعاف تقريبا لما موجود وفق المقاييس العالمية، لأن كل مليون نسمة لها عدد معين من الموظفين”، وفيما يصف هذه التعيينات بأنها “مغامرة اقتصادية كبيرة لاسيما نحن نمر بأزمة اقتصادية عالمية كبيرة”، يشير إلى أن “تعيينات السوداني مستعجلة وغير مدروسة لأن المراد منها إثبات جدارة حكومته في البداية وهذه خطوة غير صحيحة، فلو التفت لمشكلات البلد الاقتصادية ومعالجة سعر الدولار والبطالة المقنعة، أفضل”.

ويرى أن “التعيينات الأخيرة إرهاق للموازنة العراقية لأن الواقع الوظيفي لا يحتمل هذه الأعداد الهائلة، ما يسبب تراكما للرواتب مع قلة المشاريع، لذلك فأن العراق متأخر كثيرا بالبنى التحتية والمشاريع، وستكون هناك تداعيات اقتصادية في الأيام المقبلة”.

وبرزت خلال السنوات الماضية، مسألة استخدام التعيينات في الحملات الانتخابية أو من قبل الحكومات التي تمر بأزمات، حيث يتم اللجوء إلى إطلاق الوعود بالتعيينات أو تعيين بعض الفئات، خاصة مع اشتداد التظاهرات المطالبة بفرص عمل من قبل الشباب في ظل ارتفاع نسب البطالة في البلد.

يذكر أن المستشار المالي لرئيس الحكومة مظهر محمد صالح، أكد في تصريح سابق له، أن فلسفة الدولة بعد عام 2003 اعتمدت توزيع عوائد النفط بين الموظفين، حيث كل موظف يعيل خمسة أفراد بهدف خلق رفاهية، لكن هذه الفلسفة على المدى البعيد تضر البلاد بشكل كبير.

يشار إلى أن وزير المالية السابق علي علاوي، وخلال مقابلة له مع وكالة الأنباء الرسمية “واع”، قد قال إن هناك سبعة ملايين موظف يتقاضون رواتب من الدولة.

إقرأ أيضا