القيمر العراقي.. كيف تحول إلى أيقونة لخليجي البصرة؟

تتصاعد أبخرة الشاي مع ساعات الصباح الأولى في شتاء البصرة الدافئ بالمونديال الخليجي، وسواء مع…

تتصاعد أبخرة الشاي مع ساعات الصباح الأولى في شتاء البصرة الدافئ بالمونديال الخليجي، وسواء مع “الكاهي” أو “الصمون” العراقي، فالقيمر تسيّد طاولات الإفطار هناك.

قيصر صادق (53 عاماً) وهو مشجع كويتي، يبتسم خلال حديث لـ”العالم الجديد”، ويقول إن “كرم أهل البصرة والقيمر أيقونات لازمت خليجي 25، إذ نحرص وبشدة على تناوله خلال تواجدنا في العراق، لاسيما مع الكاهي”.

ويضيف صادق “نشتاق إلى الأغذية الطبيعية بعيداً عن تدخّل المواد الحافظة”، مشيراً إلى أن “القيمر يتميز بمذاق لذيذ جدا، إذ لا يمر صباح دون حضوره على مائدة الفطور، فهو رقم 1 بالنسبة لنا، ولا يضاهيه طعم أيّ من المأكولات الحديثة والوجبات السريعة، ونحن نحسد اهلنا العراقيين على توفر هذه الأكلة المميزة”.

وتشهد محافظة البصرة حركة اقتصادية نادرة هذه الأيام بالتزامن مع احتضانها خليجي 25، فالأسواق انتعشت وأصحاب المحال ومنتجو الأطعمة يمارسون نشاطهم مضاعفا، ويقف في طليعة هؤلاء، منتجو القيمر الذين يبذلون جهدا كبيراً في سبيل إيصال هذا المنتج إلى مراكز المدن يوميا، لأنه تصدر موائد إفطار الضيوف هذه الأيام.

من جانبها، تقول أم دلال (34 عاما) وهي كويتية، جاءت لمؤازرة منتخب بلادها، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك أمرين رئيسيين في مسألة الإقبال الكبير على القيمر العراقي، وهي أن طبيعة دولتنا صحراوية، إذ لا يعيش فيها حيوان الجاموس، لذا لا تتوفر صناعة للقيمر، ويكون الاعتماد على القشطة المصنعة من عدة مواد، وهي بطبيعة الحال لا تضاهي القيمر العراقي، والسبب الآخر هو الرغبة بتجربة أكلات الشعوب الأخرى”.

وتضيف ام دلال “يصل لنا القيمر من العراق، وسعر الكيلو الواحد يعادل 90 ألف دينار عراقي مع خدمة التوصيل”، لافتة إلى أنها اشترت القيمر كهدية لأهلها وأصدقائها في الكويت.

وتفتقر المنتجات المحلية العراقية، إلى الدعم اللازم لغرض تصديرها بشكل منظم والاعتماد على مواردها كمصدر دخل إضافي للبلد أو الجهة المنتجة، وما يجري هو تصدير فردي، مثل ما يحصل مع التمور، التي انخفض إنتاجها، وتوقفت شركة تعليبها وتسويقها عن العمل.

 لكن أسعار القيمر هذه الأيام قفزت بشكل كبير، وبائعوه زادوا من ساعات عملهم حتى السابعة والثامنة مساء بعدما كانوا يودعون السوق بحدود الثالثة ظهرا.

ويقول أبو علي الساعدي (57 عاماً)، أحد مربي الجاموس في البصرة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”: “ننتج القيمر بشكل شبه يومي، ويتم بيعه إلى أصحاب المحال ومراكز التسوق والفنادق بسعر يتراوح ما بين 13 إلى 14 ألف دينار، لكن الطلب زاد في هذه الأيام مع وجود الخليجيين في البصرة من خلال كأس الخليج”.

ويؤكد الساعدي، أن “الإنتاج كان سابقا يصل إلى أكثر من كيلوغرامين في اليوم، وقد يصل إلى 10 نتيجة كثرة أعداد الجاموس ووفرة العلف المدعوم حكوميا”، لافتا إلى “توقف الدعم الحكومي في مادة العلف”.

ويشير الرجل الخمسيني، إلى أن “مهنة بيع منتجات الحليب لم تعد مكسبا مربحا لأصحابها وباتوا يبحثون عن فرص عمل أخرى، ومن الصعب الحصول على وظيفة حكومية”، داعيا “الحكومة الاتحادية إلى إعادة النظر في موضوع إيقاف الدعم، والعودة إلى ما كان الوضع سابقا في دعم المنتج المحلي والأيدي العاملة”.

وعن صناعة هذا المنتج الذي لاقى استحسان الضيوف في البصرة، يشرح إن “صناعة القيمر تتم من الحليب مباشرة من دون إضافة أي مادة مثل النشا أو غيرها كما يفعل البعض، ويستغرق حتى يكتمل ما يقارب خمس إلى ست ساعات حيث يتم تعريض الحليب إلى حرارة النار حتى يصل مرحلة الغليان ومن ثم يترك لفترة وبعدها يوضع تحته الثلج من أجل أن يتماسك”، لافتا إلى أن “صناعة القيمر تكون في وقت الظهيرة عادة ليكتمل في ساعات المساء ويتم توصيله إلى الزبائن خلال ساعات الصباح الأولى أو الفجر”.

ويضيف الساعدي، أن “وسائل نقل القيمر عادة ما تكون سيارات الهايلوكس (البيك آب)”، لافتا إلى “وضع أغطية على أوعية القيمر للحفاظ عليه من ارتفاع درجات الحرارة فضلا عن الأتربة خلال السير في الطريق”.

ويعد القيمر من أشهر منتجات الحليب في مختلف مدن العراق، ويزيد الإقبال عليه في صبيحة الأعياد، مثل عيد الفطر وعيد الأضحى، وتصل أسعاره في تلك الأيام إلى نحو 45 ألف دينار، لكونه جزءا من التقاليد المتوارثة في الأعياد.

وتشهد تربية الجاموس في العراق، تراجعا كبيرا، وقد انخفضت أعداد الجاموس من ملايين إلى آلاف بسبب الجفاف وشح المياه، بحسب تقرير سابق للصحيفة.

من جانبه، يذكر علاء حكمت (25 عاماً) الذي يعمل في محل مواد غذائية لـ”العالم الجديد”، أن “أسعار القيمر ارتفعت نتيجة زيادة الطلب، فقبل بطولة خليجي 25، كنا نعرض ثلاثة أوانٍ، تزن كل واحدة منها كيلوغرامين ويكتمل تصريفهن خلال يومين أو أكثر، أما حاليا وخلال أيام البطولة لم يعد الوضع نفسه، بل تنفذ جميعها خلال نصف نهار”.

ويؤكد حكمت، أن “الطلب على القيمر أصبح عبر الهاتف، فأغلب العوائل تشتري القيمر لضيوفها من الخليج”، مشيرا إلى أنه يزود محله بالمنتج من “أقاربي في منطقة المدينة شمال البصرة، ويصل إلينا دون أي إضافات”.

ونتيجة الطلب المتزايد على منتج القيمر، يتحدث صاحب المحل عن “الانتظار لأكثر من يوم حتى تصل وجبتنا التي نريد بيعها للزبائن”، لافتا إلى أن “السعر ارتفع بالنسبة لبقية المحال، وتجاوز حده الطبيعي الذي يكون بحدود عشرين ألف دينار، إذ وصل إلى أكثر من 25 ألفا”.

ويرجع حكمت هذه الزيادة في السعر إلى “تسلسل الباعة حتى تصل المادة إلى الزبون، أما نحن فملتزمون بالبقاء على السعر نفسه، دون زيادة كوننا نشتري من المصدر الأول”.

وأشارت تقارير إلى أن عدد الزوار الذين قدموا إلى مدينة البصرة في أول يومين من بطولة “خليجي 25″، عبر منفذي مطار البصرة الدولي ومنفذ سفوان الحدودي، بلغ نحو 34 ألف شخص، وذلك بفضل التسهيلات التي تم تقديمها لمختلف الوفود المشاركة من منتخبات وممثلي وسائل الإعلام والجماهير، وذلك بناء على توجيهات الحكومة، كما شهدت شوارع وطرقات مدينة البصرة حركة واسعة منذ الأيام الأولى للبطولة، حيث توافدت الجماهير من دول الخليج بشكل واضح سواء عن طريق البر أو الجو، وحضر مشجعو المنتخبات المشاركة في مدرجات البطولة، ما شجع المزيد من الجماهير الأخرى للسفر وحضور عرس الكرة الخليجية الذي يعود للعراق بعد غياب 44 عاما.

 بينما يضع أحمد علي (36 عاماً) يده على براد يرصف فيه أواني القيمر، حين يقول “نبيع القيمر من دون أي ربح كونه يصل إلينا بسعر 24 ألفا ونعرضه بالسعر نفسه”.

ويضيف علي، أن “الطلب كبير وغير مسبوق فلم يعد يبقى المنتج لمنتصف اليوم عكس الأيام السابقة التي يبقى فيها ليوم او يومين كحد أقصى”، لافتا إلى “أننا نحرص على توفيره بشكل كبير نتيجة طلب زبائننا عليه كما نحرص على جلبه من مصدر موثوق”.

وتعتبر البصرة عاصمة العراق الاقتصادية، وثاني أكبر مدنه من حيث عدد المساحة والثالثة بعدد السكان، كما تعدّ بوابة العراق البحرية، والمصدر الرئيس للنفط الخام الذي يعتمد العراق على بيعه.

وللمرة الأولى تشهد البصرة امتلاء الفنادق الرسمية وفنادق الخمس نجوم والشعبية بشكل تام دون وجود أي شاغر، في موسم أشبه بموسم الزيارات المليونية التي تشهدها كربلاء سنويا حينما تحتضن الملايين من الزائرين الوافدين من داخل وخارج العراق، وهو أمر لم يحدث سابقا في البصرة.

إقرأ أيضا