المستشارون الحكوميون.. قانون “مغيب” ومخالفات بـ”الجملة”

تحوّلت رئاسة الوزراء، إلى أكثر الأماكن التي تضم مستشارين، وأشهرها لكثرة التكاليف التي تصدر، وهذا…

تحوّلت رئاسة الوزراء، إلى أكثر الأماكن التي تضم مستشارين، وأشهرها لكثرة التكاليف التي تصدر، وهذا يجري رغم وجود قانون لتنظيم عمل المستشارين لكن تم “تغييبه” في أروقة رئاسة الجمهورية، وفيما كشف مستشار سابق عن وجود دوافع سياسية وراء عدم نشر القانون رغم إقراره، أشار إلى أن تكليف المستشارين لا توجد فيه مخالفة قانونية بسبب عدم إدراجهم ضمن الدرجات الخاصة، لكن خبيرا قانونيا أكد وجود مخالفة وأن القانون في “واد والتكاليف بواد آخر”، بمقابل وعود نيابية لتفعيل القانون وإيقاف الهدر بالمال العام.    

ويقول مستشار سابق في رئاسة الوزراء، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “دوافع سياسية تقف وراء عدم نشر قانون المستشارين، لاسيما أن هذه المناصب درجات خاصة تستخدم كجزء من عملية المحاصصة بالنسبة للرئاسات الثلاثة، ومازالت هناك تأثيرات سياسية من أجل عدم تفعيل هذا القانون حتى هذه اللحظة”.

وبشأن الموقف القانوني لأعداد المستشارين، يبين المستشار الذي طلب عدم ذكر اسمه أن “الرئاسات الثلاثة حتى هذه اللحظة لم ترتكب أي خطأ أو خرق قانوني لبنود قانون المستشارين بتجاوز العدد المسموح به، فالرئاسات الثلاثة عملت على اختيار مستشارين لها بعيدا عن الدرجات الخاصة المذكورة في القانون، بل من خلال صفة تنسيب أو عقد أو تكليف، أي أن جميع المستشارين هم حاليا غير مكتسبين الدرجة الخاصة، ولهذا لا توجد مساءلة قانونية حول تجاوز العدد المسموح بالمستشارين، فالمستشارون الحاليون يمتلكون عنوان المستشار فقط دون أي درجة خاصة”.

ويضيف أن “تعيين أي مستشار في الرئاسات الثلاثة يتطلب تصويت مجلس النواب، كونهم درجات خاصة، والأشخاص الذين يعملون بصفة مستشار في أي من الرئاسات الثلاثة لم يصوت لهم البرلمان وهم غير مكتسبين للدرجة الخاصة، وهذا يكون من خلال تنسيبهم من أي دائرة حكومية أو التعاقد معهم أو تكليف”.

يشار إلى أن كل رئيس حكومة جديد في العراق يعمد إلى تكليف بعض الشخصيات بصفة مستشار في رئاسة الوزراء، وبعضهم يتم إنهاء عقده من قبل رئيس الحكومة المقبل وبعضهم يبقى بمنصبه. 

وكان رئيس الحكومة الحالي محمد شياع السوداني، قد كلف العديد من المستشارين بعد تسمنه منصبه، بالإضافة إلى الإبقاء على بعض المستشارين الذين كلفهم رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي أو رؤساء الحكومات السابقين.

وقد عين السوداني بصفة مستشار كل من: عبد الكريم السوداني مستشارا أمنيا، رشيد العزاوي مستشارا للعلاقات العربية، حسن العقابي مستشارا لمكافحة الفساد، سناء الموسوي مستشارا لشؤون الحماية الاجتماعية، زيدان خلف مستشارا لحقوق الإنسان، عارف الساعدي مستشارا للشؤون الثقافية، فيما أبقى المستشارين السابقين وهم: إياد بنيان مستشارا للرياضة والشباب، عرفان الحيالي مستشارا عسكريا، فرهاد علاء الدين مستشارا للعلاقات الخارجية، مظهر محمد صالح مستشارا اقتصاديا، وحسين علاوي مستشارا أمنيا. 

من جهته، يؤكد الخبير في الشأن القانوني أمير الدعمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قانون تنظيم عمـل المستشارين نص بوضوح على أن لا يتجاوز عددهم في الرئاسات الثلاثة ستة مستشارين وفق مراسيم جمهورية وتصويت البرلمان، لكن الرئاسات الثلاثة لم تلتزم بهذا العدد، وهذا الأمر يعتبر مخالفة دستورية وقانونية، وبالتالي لا يمكن اعتبار ما يتم تعيينهم بصفة مستشارين يمتلكون الصلاحيات المؤهلة لممارسة هذا الصفة”.

ويوضح الدعمي أن “هناك شروطا في قانون تنظيم عمل المستشاريـن لاختيار أي مستشار، وهذه الشروط لا تنطبق على كثير من الأشخاص ممن يحملون صفة المستشار بأي من الرئاسات الثلاثة، كما أن ما يتم تسميتهم حالياً هم بصفة عقود تحت عنوان مستشار، وهذا الأمر يخالف القانون”.

ويضيف أن “قانون تنظيم عمـــل المستشاريـن في واد، وما يتم إصداره من أوامر لمنح بعض الأشخاص صفة مستشار بواد آخر، وهذه مخالفة قانونية تعارض فقرات وبنود القانون المقر من قبل مجلس النواب العراقي في سنة 2017”.

وكان مجلس النواب، أقر في عام 2017 قانون تنظيم عمل المستشارين، وتضمن: لكل من مجلس النواب ورئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء عدد من المستشارين بمكاتب مختصة لكل مستشار وبدرجة خاصة عليا ألا يزيد عددهم على ستة، يرتبطون ارتباطا مباشراً برئاسة الجهة المعنية، كما ورد في المادة الرابعة منه: يعين المستشار في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة بمرسوم جمهوري بناء على موافقة مجلس النواب على توصية مجلس الوزراء بتعيين المستشار المقترح من رئاسة الجهة التي يعين فيها.

كما اشترط القانون تعيين المستشارين بالشروط العامة للتوظيف وهي: أن يكون حاصلا على الشهادة الجامعية الأولية في مجال اختصاصه في الأقل، وأن تكون لديه خدمة فعلية وخبرة في مجال تخصصه مدة لا تقل عـن 15 سنة للحاصل على شهادة الدكتوراه و18 سنة للحاصل على شهادة الماجستير و20 سنة للحاصل على شهادة البكالوريوس وعلى ان تكون بضمن هذه المدد خدمة وظيفية فعلية في مجال تخصصه لا تقل عن خمس سنوات، وتكون الاولوية في التعيين بصفة مستشار لمن شغل منصب وزير أو درجة وزير.

جدير بالذكر، أن هذا القانون ورغم إقراره بمجلس النواب في عام 2017، لكنه لم ينشر بالجريدة الرسمية لغاية الآن، وقد أصدرت المحكمة الاتحادية قرارا في كانون الأول ديسمبر الماضي، بناء على دعوى رفعت أمامها، بإلزام رئيس الجمهورية بإصدار ونشر قانون تنظيم عمل المستشارين المصوت عليه من قبل مجلس النواب، لكن لم ينشر أيضا حتى الآن.

بدوره، يرى النائب المستقل باسم خشان، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الرئاسات الثلاثة عملت طيلة الفترة الماضية على خرق قانون تنظيم عمـــل المستشارين، وأصبحت تمنح صفة المستشار وفق الأهواء والمحاصصة والمصالح الحزبية والسياسية وهذا أمر يخالف القانون ويعرض أي جهة مخالفة للمحاسبة”.

وعن خطوات البرلمان تجاه هذا الموضوع، يذكر خشان “سنعمل من خلال مجلس النواب على تطبيق القانون وفق ما شرعه المجلس بعيداً عن أي مجاملات وضغوطات سياسية وأي مخالفة بتطبيق القانون، وسيكون الفيصل بحسم هذا الملف الجهات القضائية المختصة، فلا يمكن بقاء هذا القانون المهم معطلا لسنين طويلة”.

ويتابع أن “رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني كرر ما عمل عليه من سبقه من خلال منح صفة المستشار في رئاسة الوزراء، دون النظر بفقرات قانون تنظيم عمـل المستشاريـن”، لافتا إلى أن “تطبيق هذا القانون بالشكل الصحيح، سوف يوفر أموالا كبيرة لخزينة الدولة، فهناك جيوش كاملة من المستشارين في الرئاسات الثلاثة، وهم بلا أي عمل حقيقي”.

وقد كشفت سابقا العديد من الوثائق حول رواتب المستشارين، والتي تتراوح بين 5 – 9 ملايين دينار في الشهر، فيما بلغ عددهم بالمئات في مجمل الرئاسات الثلاث، وغالبا ما يكونوا من النواب الذين لم خسروا في الانتخابات. 

ولعل من أبرز الشخصيات السياسية الشهيرة التي عينت بصفة مستشار، هو هيثم الجبوري، رئيس اللجنة المالية النيابية سابقا، الذي كلف بصفة مستشار اقتصادي في حكومة الكاظمي.  

وتخضع المناصب الرفيعة لنظام المحاصصة منذ أول حكومة عراقية بعد 2003، ومن ثم تطور الأمر وبات مرهونا بعدد المقاعد والثقل السياسي الذي تمثله كل كتلة.

إقرأ أيضا