تطبيق قانون الضمان الصحي.. أزمة أم حل؟

يثير قانون الضمان الصحي، الجدل مجددا، مع نية الحكومة البدء بتطبيقه بشكل تجريبي هذا العام،…

يثير قانون الضمان الصحي، الجدل مجددا، مع نية الحكومة البدء بتطبيقه بشكل تجريبي هذا العام، وفيما وصف من قبل وزارة الصحة ولجنة الصحة النيابية، بأنه سيحقق العدالة الاجتماعية ويسهم بتحسين الواقع الصحي، شن نواب وأطباء هجوما على القانون، وأكدوا وجود دعاوى ضده أمام المحكمة الاتحادية لم تحسم حتى الآن، تخص مبالغ الاشتراك، مؤكدين صعوبة تطبيقه في ظل غياب الأتمتة، بالإضافة إلى وجود ثغرات عديدة فيه. 

وتقول ممثلة إعلام وزارة الصحة ربى فلاح، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الضمان الصحي هو مشروع لتقليل العبء الملقى على عاتق المواطن العراقي المتأتي من مساهمة الدولة بجزء كبير في الخدمات الصحية، عبر مبادرة صندوق الضمان الصحي الذي يحقق مبدأ العدالة الاجتماعية، ويحسن من جودة الخدمات الصحية والطبية للمؤسسات الحكومية والخاصة”.

وتضيف فلاح، أن “الضمان الصحي يستهدف جميع شرائح المجتمع، لكن الاستقطاعات الشهرية تختلف بحسب الحالة والعمر ومصدر الدخل، إذ يلزم قانون الضمان الصحي جميع الموظفين الحكوميين وموظفي الشركات المسجلة في الضمان الاجتماعي بدفع نسبة من المرتب الشهري قدرها 1 بالمئة على أن يكون حصول أسر الموظفين الحكوميين على الضمان اختيارياً، ويعفى من تلك الاستقطاعات الشرائح الآتية: المشمولون بالرعاية الاجتماعية، المصابون بالسرطان، المصابون بالأمراض النفسية أو العقلية، المصابون أمراض الدم الوراثية، المصابون بأمراض الكلى، المصابون بالعوق الجسدي أو الذهني، والمصابون بداء التوحد، معاقو القوات الأمنية، من تتجاوز أعمارهم 60 عاماً، والأطفال دون سن الخامسة”.

وتوضح أن “العام الحالي سيكون تجريبيا للمشروع، بعد أن يحصل المواطنون على بطاقات للضمان الصحي، تمكنهم من اختيار الأفضل لعلاجهم، ما سينعكس على جودة المستشفيات، والمنافسة في تقديم الخدمات وتقليل الأسعار”.

وتشير فلاح إلى أن “الضمان الصحي لن يقتصر على المستشفيات والمؤسسات الصحية الحكومية، بل ستشترك المستشفيات الأهلية (الخاصة)، وتحصل على أجورها من صندوق الضمان الصحي، الذي تتحكم به الجهات الرسمية الحكومية، وبنسبة قدرها 75 بالمئة، فضلاً عن إسهام المواطن بنسبة قدرها 25 بالمئة”.

وكان مجلس النواب، أقر قانون الضمان الصحي في تشرين الأول أكتوبر 2020، وصادقت رئيس الجمهورية في حينها عليه، لكن لم ينفذ لغاية الآن.

يشار إلى أن وزير الصحة الحالي صالح الحسناوي، وعندما كان نائبا في لجنة الصحة النيابية في الدورة السابقة، هاجم قانون الضمان الصحي، وأكد في حينها انه يحول القطاع الصحي التي ترعاه الدولة الى قطاع صحي تجاري ويدفع من جيب المواطن، خاصة وأن الصحة حق مكفول لكل مواطن في الدستور، وبهذا القانون فان تخلي الدولة عن مسؤولياتها يعد جريمة كبرى.

يذكر أن نقيب الأطباء العراقيين جاسم العزاوي أكد في حديث متلفز سابق، أن مبلغ الإنفاق الصحي العام للفرد في العراق 200 ألف دينار سنويا يتم توزيع 160 ألفا منه ما بين الأجور التشغيلية والخدمات الصحية، وتبقى 40 ألفا أو أقل لكل مواطن.

بدورها، تؤكد عضو لجنة الصحة سهام الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قانون الضمان الصحي، من القوانين الخدمية المهمة للمواطنين، وهذا القانون معمول به بكل دول العالم والعراق تأخر كثيراً في تفعيل القانون، والحكومة الحالية جادة بالعمل بهذا القانون لما له من أهمية كبيرة للمواطنين بجانب القطاع الصحي”.

وتبين الموسوي، أن “الحكومة ستعمل خلال الفترة القليلة المقبلة، على تطبيق هذا القانون بشكل تدريجي حيث سيشمل موظفي بعض الوزارات في بغداد، كذلك سوف يشمل جزءا قليلا من المشمولين بشبكة الرعاية الاجتماعية، وبعد ذلك سوف يطبق القانون بشكل أوسع، ليشمل كل الفئات التي ذكرت بالقانون”.

وتتابع أن “تطبيق قانون الضمان الصحي، بشكل فعلي يعد من أوليات المنهاج الوزاري لحكومة محمد شياع السوداني، والمواطن سوف يلمس أهمية وفائدة هذا القانون عند تطبيقه على ارض الواقع، خصوصاً ان القانون سوف يسهم بقضية تحسين الواقع الصحي في العراق وهذا الملف أيضا من أوليات السوداني وحكومته”.

يشار إلى أن وكالة رويترز، كشفت في تقرير نشرته قبل نحو عامين، أن الحكومة خصصت 2.5 في المئة فقط من موازنة الدولة البالغة 106.5 مليار دولار لوزارة الصحة في عام 2019، وهو عام شهد هدوءا نسبيا، ويعد هذا مبلغا ضئيلا مقارنة بما يتم إنفاقه في دول أخرى بالشرق الأوسط.

وتظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن الحكومة العراقية أنفقت خلال السنوات العشر الأخيرة مبلغا أقل بكثير على الرعاية الصحية للفرد من دول أفقر كثيرا، إذ بلغ نصيب الفرد من هذا الإنفاق 161 دولارا في المتوسط بالمقارنة مع 304 دولارات في الأردن و649 دولارا في لبنان وفقا لتقرير سابق.

موقف مضاد

إلى ذلك، يؤكد عضو لجنة العمل ومنظمات المجتمع المدني النيابية أمير المعموري، خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “قانون الضمان الصحي أقر في مجلس النواب خلال دورته الرابعة، لكن لحقته مجموعة من الشكاوى أمام المحكمة الاتحادية، لتتم مناقشته خلال أكثر من ثلاثين جلسة دون حسم الملف، وعلى الرغم من ذلك باشرت وزارة الصحة بتنفيذه ومخاطبة كافة الوزارات والجهات المعنية لغرض تطبيقه”.

ويضيف المعموري أن “الشكاوى التي رفعت ضد إقرار هذا القانون تمحورت حول قيمة الاشتراك وإلزامه، حيث رفض العديد من موظفي القطاع الحكومي إلزامية هذا القانون، وطالبوا على أقل تقدير بأن يكون هذا القانون اختيارياً، كما تخوف العديد من الموظفين من إعطاء المشروع لشركات خاصة بالضمان والتأمين، وبالتالي سيكون المشروع بوابة لفساد جديد”.

ويبين أن “وزارة الصحة تملك الغطاء القانوني في المباشرة بتنفيذ قانون الضمان الصحي، تبعاً لتشريعه والمصادقة عليه من قبل رئيس الجمهورية، حينما كانت رؤية مجلس النواب تتجه نحو ضمان جودة الخدمة الصحية وسد الحاجة لها، فضلاً عن تخفيف العبء على المواطن، عبر تحقيق العدالة الاجتماعية”.

ويبلغ عدد الأطباء والممرضات في العراق مقارنة بعدد السكان أقل بكثير من دول أخرى، بل إن عددهم أقل بكثير من دول أفقر مثل الأردن وتونس وفقا لتقرير رويترز، ففي العام 2018، كان لدى العراق 2.1 ممرضة وقابلة لكل ألف نسمة مقارنة مع 3.2 في الأردن و3.7 في لبنان، وذلك وفقا لتقديرات كل بلد.

وبلغ عدد الأطباء 0.83 فقط لكل ألف نسمة، أي أقل بكثير من الدول المماثلة في الشرق الأوسط، فقد بلغ العدد في الأردن على سبيل المثال 2.3 طبيب لكل ألف نسمة.

من جانيه، يبين أستاذ طب الأسنان في جامعة بغداد مصطفى مهدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مشروعاً كهذا ليس من السهل تطبيقه على أرض الواقع، في ظل انعدام التخطيط على كافة الأصعدة، فضلاً عن غياب الأتمتة والأنظمة المعلوماتية، التي ستكون العمود الفقري لمشروع الضمان الصحي في العراق”.

ويردف مهدي “كانت لي تجربة سابقة في تمشية معاملات الضمان الصحي، وضمان الموافقات الرسمية للحصول عليه، وكان الفساد غالباً ما يسيطر على المشهد؛ لأنه على تماس مباشر مع المال العام، تبعاً لذلك أعتقد ان الفساد سوف يكون حجر عثرة في طريق هذا المشروع”.

ويضيف، أن “الثغرة الواضحة في هذا المشروع هو عدم تكامله مع مشروع الضمان الاجتماعي، وبالتالي لن يحصل جيش من العاملين في القطاع الخاص على ضمان صحي إلزامي، بل ستبقى المسألة معلقة في خانة الاختيار، لذا ينبغي على الحكومة إحصاء الشركات وتسجيلها، لتوفير الضمانات الخاصة بالعاملين في القطاع الخاص، أسوة بالقطاع العام”.

وكانت نقابة الأطباء أعلنت أن 320 طبيبا على الأقل سقطوا قتلى منذ العام 2003، فيما فقد البلد نحو 20 ألف طبيب، أي حوالي ثلث الأطباء المسجلين في العراق البالغ عددهم 52 ألفا، منذ تسعينيات القرن الماضي.

يشار إلى أن الواقع الصحي في العراق يعاني من مشاكل عدة، بداية من تقادم المستشفيات وعدم تأهيلها، إضافة إلى الإهمال في الجوانب الخدمية والسلامة وعدم توفر الأدوية.

إقرأ أيضا