تعيين العلاق.. كيف وضع السوداني نفسه بمواجهة سلاح ذي حدين؟

جاء قرار تغيير محافظ البنك المركزي حاملا وجهين، إذ عرّض رئيس الحكومة محمد شياع السوداني…

عرّض قرار تغيير محافظ البنك المركزي، رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، للإشادة والانتقاد في الوقت ذاته، ففيما امتدح مختصون تلك الخطوة، مع تصاعد أزمة سعر صرف الدولار، واجه السوداني هجوما من قبل مراقبين رأوا في اختيار علي العلاق للمنصب، إعادة لتمكين حزب الدعوة من مفاصل الدولة، ملمحين إلى وجود اتفاق مسبق يمنح السوداني فرصة إخلاء مسؤوليته من الأزمة وتحميلها الحزب.

 ويقول المحلل السياسي محمود الحسيني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “السوداني، وجد نفسه ملزما بإحداث تغيير في المنظومة المالية في البلاد، وأراد امتصاص سخط الشارع من خلال تغيير محافظ البنك المركزي”.

يشار إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، قرر أمس الاثنين، إعفاء محافظ البنك المركزي مصطفى مخيف من منصبه بناءً على طلبه، وكلف علي محسن العلاق بإدارة البنك المركزي بالوكالة، كما أحال مدير المصرف العراقي للتجارة على التقاعد، وكلف بلال الحمداني لإدارة المصرف العراقي للتجارة إضافة إلى مهامه.

ولا يستبعد الحسيني، أن “يكون السوداني قد أخذ تعهدات من العلاق، لإنهاء هذه الأزمة قبل إسناد المنصب له”، موضحا أن “العلاق ينتمي إلى حزب الدعوة الإسلامية، وهذا الحزب هو من أكثر الأحزاب التي تضغط على السوداني لإنهاء هذه الأزمة، لذا فإن إسناد منصب محافظ البنك المركزي لشخصية تابعة للحزب يتواءم مع رغبة الأخير في إنهاء هذه الأزمة”.

ويتابع “هذا الإجراء الذي اتخذه السوداني نوع من إخلاء عاتقه من المسؤولية، بتحميلها حلفاء معينين لإنهاء الأزمة”، مشيرا إلى أن “هذه المهمة لا يمكن أن تنجح إلا من خلال مساعدة الحلفاء، وخاصة أصحاب النفوذ منهم”.

وكان العلاق قد شغل منصب محافظ البنك المركزي سابقا، وأقيل منه في العام 2018 بعهد رئيس الحكومة، عادل عبدالمهدي، بعد تظاهرات كبيرة انطلقت للمطالبة بإقالته، على خلفية فضيحة غرق 7 مليارات دينار في خزينة مصرف الرافدين، بسبب مياه الأمطار، كما أكد العلاق في حينها.

يشار إلى أن اجتماعا عقده الإطار التنسيقي ليلة أمس الأول الأحد، بحضور السوداني، في منزل رئيس تحالف الفتح هادي العامري، وجرى خلاله مناقشة أزمة سعر صرف الدولار، وذلك قبل ساعات من صدور قرار تغيير محافظ البنك المركزي.

ويرى المحلل السياسي، فلاح المشعل، خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “الإجراء الذي اتخذه رئيس الوزراء بتغيير محافظ البنك المركزي هو محاولة لفك الضغط بشأن سعر الدولار، ولكن لا يمكن أن يرقى استبدال المحافظ إلى حل للمشكلة الاقتصادية، بل الحل يكمن في القضاء على مافيات التهريب وغسيل الأموال”.

ويضيف المشعل، أن “وجهة تهريب الدولار معروفة، والموضوع أن هذه المافيات تمثل اليد الضاربة للدولة العميقة التي تسيطر على المال تحديدا وتتحكم بسعر الصرف”.

ويتابع أنه “عندما بدأت إجراءات الحد من تهريب الدولار عبر المصارف الأهلية وبعض الحكومية اتجهت هذه المافيات إلى سحب الدولار من الشارع والمصارف التي تبيعه، وهو ما سبّب شحة بحسب العرض والطلب، وهذه المعادلة ترتبط بنفوذ مافيات التهريب، لكن خفض سعر الدولار وإعادته إلى سعره السابق يتم بوقف عمليات التهريب وعدم السماح بخروج المال”.

 ويعتقد المشعل أن “البنك المركزي لم يحظ بمحافظ مهني بعد رحيل سنان الشبيبي، فقد كان الرجل خبيرا ويملك السيطرة على إدارة الأموال، إذ تمكن من خفض سعر الصرف إلى 120 ألف دينار لكل مائة دولار”، مشيرا إلى أن “استبدال المحافظ لا يعالج الأزمة الحالية والأزمة ستبقى ويمكن أن تتفاقم أكثر من الآن”.

وحول المحافظ الجديد، يستدرك “المعروف عن العلاق أنه قيادي بارز في حزب الدعوة، وقد تهدف الخطوة لتمكين الحزب للعودة إلى مراكز النفوذ والمال، كما أنه لم يثبت نجاحه سابقا، وحصلت مشكلات عديدة خلال فترته، خرجت خلالها تظاهرات عدة ضده، بوصفه غير مهني”.

وأثار العلاق لغطا أيضا خلال وجوده سابقا في المنصب ذاته، من خلال وضع اسمه على العملة العراقية، إلى جانب صفته، في خطوة مغايرة لما هو معروف، حيث يتم الاكتفاء بوضع الصفة فقط وهي محافظ البنك المركزي. 

يذكر أن هشام الركابي، مدير المكتب الإعلامي لرئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، نشر تغريدة بعد قرار تعيين العلاق، قال فيها “بعد التغييرات التي أجراها رئيس الوزراء في البنك المركزي العراقي والمصرف العراقي للتجارة، هناك قرارات مهمة أخرى ستتخذها الحكومة ستعيد الأمور إلى نصابها تدريجيا”.

وكان ائتلاف دولة القانون، قد اجتمع مساء أمس مع السوداني، وصدر بيان رسمي بالاجتماع، تضمن أن رئيس الحكومة قدم شرحا مفصلا عن المعالجات التي تقدمت بها الحكومة بهدف تقليل تأثير ارتفاع سعر الصرف على الشرائح الفقيرة والمهمشة، بالإضافة إلى إجراء التغييرات المناسبة والمطلوبة في المواقع التي لها صلها بتقلبات الدينار العراقي.

من جانبه، يبين الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي علي كريم اذهيب، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مشاكل العراق الاقتصادية والمالية، يعود أساسها إلى تدوير الشخصيات في المناصب المهمة وخاصة المتحكمة بالسياسة النقدية مثل البنك المركزي العراقي، وليس البحث عن حلول جذرية لمعالجة الأزمة”.

ويتساءل عن “كيفية تكليف العلاق وهو الذي شغل منصب محافظ البنك في عهد الحكومات السابقة والتي شهدت وقتها أيضا أخطاء كبيرة؟، مضيفا “لكن هذه القرارات التي أتخذها السوداني منها تكليف العلاق، ممكن أن تكون بداية جيدة، إلا أنه يجب تعضيدها بإجراءات إضافية وحازمة للسيطرة على السوق الموازية”.

ويشهد سعر الدولار تقلبا حادا منذ قرابة الشهرين، حتى بلغ مؤخرا 167 ألف دينار لكل مائة دولار قبل أن ينخفض بعد تغيير محافظ البنك المركزي إلى 158 ألف دينار، وهذا الأمر عزي إلى مراقبة واشنطن لحركة الدولار، للحد من تهريبه وفرضها إجراءات صارمة على بيع الدولار بمزاد العملة، حيث انخفضت مبيعات البنك المركزي من 300 مليون دولار يوميا إلى نحو 60 مليونا يوميا.

إقرأ أيضا