الأهوار وشط العرب ونخيل البصرة.. واجهات ساحرة لجذب سواح الخليج

هذه المرة، لن يقضي الكويتي محمد جابر (59 عاماً)، عطلته الصيفية في بلدان كتركيا أو…

هذه المرة، لن يقضي الكويتي محمد جابر (59 عاماً)، عطلته في بلدان كتركيا أو لبنان أو الدول الأوربية، كما هو معتاد، لأن ما شاهده في البصرة غيّر وجهة نظره وجعله يعيد التفكير مرة أخرى، كما يعبّر.

وهو يرتشف شايه المهيّل، يتحدث جابر لمراسل “العالم  الجديد”، عن “مزايا البصرة التي تنعدم في بقية المدن، وفي مقدمتها طيبة أهلها وكرمهم وعزة أنفسهم”.

وينقل جابر حادثة صادفته خلال تجواله في البصرة أيام بطولة الخليج العربي، بالقول “في أحد فروع منطقة العشار التجارية وسط المحافظة، أردت شراء بعض المستلزمات الكمالية الرجالية من محل صغير، فرفض صاحبه اخذ المقابل رغم إصراري وترغيبي له بأن الدينار الكويتي أعلى قيمة من الدولار الذي يرتفع حاليا مقابل الدينار العراقي” لكن الرد كان هادئا مصحوبا بابتسامة جميلة من الرجل: نحن لا نهتم بالمال بقدر الأخوة والترحاب بالأشقاء، المال يأتي ويذهب، لكن الأواصر الأخوية هي الأهم”، لافتا إلى أن “هذه السلوكيات النادرة تعزز الرغبة في تجديد الزيارة للعراق مرات وليس مرة واحدة”.

وعن الجانب السياحي، يلفت إلى أن “هناك مرافق سياحية متنوعة ومتجمعة في المحافظة، فهناك الكورنيش وسحره المطلّ على شط العرب والجسر المعلق الذي يشبه إلى حد ما، ما نشاهده في تركيا”، مشيرا إلى أن “البصرة لها ريف وأهوار وصحراء ومدن متطورة وأماكن ترفيه، فضلا عن ملامح لمشاريع إضافية تلوح في الأفق قد يكتب لها الاكتمال في غضون فترة قصيرة”.

ويوضح السائح الخليجي، أن “الأهوار فيها من الجمال الطبيعي الكثير، والبعيد عن تدخل الصناعة والتكنولوجيا فالحيوانات تعيش جنب السكان، والقصب والبردي يتسور حولهم وصوت الطيور بمختلف الأنغام، والطعام يخلو من المواد الحافظة فهو من أصل المنشأ يأتي”، معرجا على “مذاق الألبان والأجبان والقيمر الطبيعي الذي لم يتذوقه قط رغم انفتاح الاستيراد، فمن النادر تذوق مادة غذائية مثل تلك التي تتوفر من أيدي سكنة الأهوار والريف في البصرة”.

جابر، تمشى بين نخيل أبي الخصيب وتبادل أطراف الحديث مع سكنة هذا القضاء الذي تتشابه مفردات لهجتهم إلى حد كبير مع اللهجة الكويتية، كما لم يدع فرصة التجول في الأهوار تفوته، إذ استقل زورقا داخل الماء وهو يلامس أعمدة القصب التي تمايلت هي الأخرى، فأدرك أن وجهته السياحية المقبلة هنا في البصرة، و”دون شك سيكون معي رفقة من أبناء بلدي بعد أن يستمعوا ويشاهدوا ما رأيته بأم عيني”، كما يقول.

وبدت بطولة “خليجي البصرة” مادة دسمة لوسائل الإعلام الخليجية والعربية، إذ غطى الصحفيون العرب جوانب مختلفة من المدينة، وولجوا إلى عوالمها الحضرية والريفية، فيما جرى إعداد تقارير متنوعة تناولت الفن والثقافة والسياحة في المدينة. ويعد برنامج المجلس في قناة الكأس القطرية أهم البرامج التي غطت البطولة بعدما تم نقل أستوديو متكامل داخل البصرة، وضيّف شخصيات ثقافية وفنية على مدار أيام البطولة متناولا الحياة الاجتماعية للمدينة وإرثها الحضاري.

من جانبه، يشبّه العماني جوهر سالم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بلده بـ”البصرة لأنها شاملة للعديد من المزايا الجغرافية، وأسبوعان لا يكفيان لمشاهدة أماكنها”، متمنيا أن “يكون هناك عمل من الآن على إنشاء مناسبات خليجية، بالإضافة إلى بطولة أخرى تسهم في دعم الوصل بين الأشقاء وفي البصرة تحديدا”.

ووجد سالم كما يعبّر “أماكن طبيعية تركت كما هي، ولم تتدخل الأيدي الصناعية في تغيير ملامحها، وهذا ما نبحث عنه، ولقد وجدناه هنا في أهوار وريف البصرة، ونريد لأبنائنا مشاهدته، فالقدوم إلى العراق، وبالتحديد البصرة يخلو من جهد ومشقة طريق السفر، ولا يتطلب الكثير ولقد تشجعنا وبشكل كبير لتجديده”.

ويؤكد أن “كورنيش البصرة لم يعد مكانا للترفيه فقط، بل للتقارب الدولي والثقافي والتعرف على التقاليد، فلقد استطاع أن يكون إحدى أيقونات البطولة الخالدة في التاريخ”.

وشهدت البطولة حضورا إعلاميا كبيرا، إذ سجلت إحصائية نشرتها “العالم الجديد”، أن عدد الإعلاميين العراقيين والعرب ومراسلي القنوات بلغ 2475 إعلاميا وهو رقم كبير قياسا ببطولات الخليج السابقة.

وسواء في شط العرب أو الأهوار، فأن أصحاب وسائل النقل النهرية انتعش عملهم، ومنهم أبو حمزة (51 عاما) الذي يملك زورقا للتجوال في شط العرب، إذ يقول لـ”العالم الجديد”: “شهدنا إقبالا غير مسبوق، فخلال أيام قليلة حصلنا على ربح يعادل موسما كاملا، وانتبهنا إلى أن الضيوف يشبهون أجواء البصرة والكورنيش بأجواء تركيا”.

ويؤكد أبو حمزة، أنه سيعيد “النظر بمظهر وخدمات الأبلام (الزوارق) وإدامتها وتطويرها وتجديدها بالشكل الذي يليق”، لافتا إلى أن “الجميل هو أن العائلات البصرية بدأت تنتبه لجمال النزهة النهرية، وبدأوا يقبلون عليها، ونتوقع أن تتدفق علينا عوائل من خارج المحافظة بعد الصورة المشرفة التي ظهرت عليها بصرتنا مؤخرا”.

وتعتبر البصرة عاصمة العراق الاقتصادية، وثاني أكبر مدنه من حيث عدد المساحة والثالثة بعدد السكان، كما تعدّ بوابة العراق البحرية، والمصدر الرئيس للنفط الخام الذي يعتمد العراق على بيعه.

من جانبه، يرى مدير مكتب هيئة السياحة في البصرة، حسين التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك الكثير من الأماكن لو جرى الاهتمام بها ومنحت فرصة لأصبحت قبلة سياحية تستحق أن تنظم لها سفرات سياحية دولية”، مؤكدا “العمل على دعم مثل هكذا مواقع من خلال إثارة الانتباه إليها وتوفير مستلزمات النجاح السياحي لها”.

ويضيف التميمي، أن “الفرق التابعة لنا تتابع وتدعم كل المساعي الحكومية والدولية والمنظمات التي تركز على جانب السياحة الآثارية والحضارية والفولكلورية، ومن بينها ما تعمل عليه منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة والتي تهتم بتأهيل بيوت الشناشيل ونهر العشار، كونهما يتمتعان بماض مميز في مدينة البصرة”.

ويكشف عن “التخطيط لعمل جديد بعد نجاح بطولة خليجي 25 سينعكس في تحسين المواقع السياحية”، متوقعا أن “تشهد البصرة نشاطا غير مسبوق في الفترة الزمنية المقبلة”.

وللمرة الأولى تشهد البصرة امتلاء الفنادق الرسمية وفنادق الخمس نجوم والشعبية بشكل تام دون وجود أي شاغر، وهو أمر لم يحدث سابقا في المنطقة الجنوبية، باستثناء مواسم الزيارات المليونية التي تشهدها محافظة كربلاء، حين تحتضن الملايين من الزائرين الوافدين من داخل وخارج العراق

إلى ذلك، يؤكد الخبير الاقتصادي علي الكعبي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحياة عادت إلى شط العرب بعد صراع مع مرض الملوحة والإهمال ونتوقع أن يكون نقطة جذب في واقع السياحة وبابا لتعظيم الموارد للمحافظة والبلد”.

ويشير إلى الحاجة لـ”دراسة تخصصية عاجلة لإنعاش المفاصل السياحية بعدما شاهدناه من تفاعل خلال الأيام الماضية، وإن لم تتدارك الحكومة ما حصل من مخرجات ايجابية وتطويرها بشكل متسارع سوف يكون حالها مثل حصل مع الاهوار حينما دخلت الملف الدولي ولم تحصل على الرعاية الحكومية وبالتالي لم يستفد العراق من هذه الفرصة الكبيرة لجذب السياح”.

ويعتقد الكعبي، أن “الأوان قد حان لإعادة النظر بالسياسة الريعية وإنهاء التركيز على المورد النفطي الوحيد فلابد من تعزيزه بموارد إضافية كالسياحة والزراعة، فالسياحة الدينية نجحت إلى حد ما في جذب الأضواء والآن الدور على السياحة التراثية والطبيعية والترفيهية لتأخذ مكانتها”.

يذكر أن المشجعين من دول الخليج، تجولوا في البلد، وقد شوهدت عجلاتهم وخاصة التي تحمل لوحات تسجيل دولة الكويت في العاصمة بغداد، حيث زاروا أبرز معالمها.

إقرأ أيضا