عقدان من فشل التعداد السكاني.. هل حان وقت الإجراء؟

مساع حثيثة بدأت لإجراء التعداد السكاني، خاصة وأن قضية إجرائه فشلت سابقا لأكثر من مرة…

مساع حثيثة بدأت لإجراء التعداد السكاني، رغم فشل الأمر طوال العقدين الماضيين لأسباب مالية وأمنية وصحية، بحسب وزارة التخطيط، لكن الأخيرة، بدت متفائلة بتشكيل لجنة لتحقيق هذا الغرض، فيما كشف متخصصون بالاقتصاد والاجتماع، عن تدخلات سياسية حالت دون إجراء التعداد، نظرا لتأثير ذلك على الحصص والموازنات المالية، في ظل إيجابيات ستترتب على إجراء التعداد، والتي تشمل كافة جوانب الحياة وتصحح مسار تعامل الدولة مع فئات المجتمع والمحافظات.

ويقول المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد” إن “في كل مرة يحصل معرقل يختلف عن سابقاته، ففي عام 2010 كان المعوق سياسيا بسبب ملف المناطق المتنازع عليها وما يتعلق بالقومية كما انه في عام 2020 فان المعوق هو الظرف الصحي إضافة إلى عدم وجود موازنة والعام 2022 أيضا عدم وجود موازنة هو العائق في إجراء التعداد السكاني إضافة إلى تأخر تشكيل الحكومة.

ويضيف أن “مهمة الهيئة التي شكلت والتي تمثل كل مؤسسات الدولة توفير الظروف المناسبة وتحديد الموعد الذي يجري فيه التعداد، حيث ان توفير الظروف يتطلب توفير التخصيصات المالية واستكمال متطلبات مشروع التعداد وصولا لتحديد الموعد”.

ويبين أن “هدف الهيئة تشكيلها هو النجاح في ما شكلت من اجله ولم تشكل لكي تفشل، وستكون هناك جهود كبيرة داعمة لعمل الوزارة لتمكينها من إجراء التعداد السكاني”.

وكانت وزارة التخطيط، أعلنت يوم أمس، عن إعادة تشكيل الهيئة العليا للتعداد العام للسكان والمساكن في العراق، برئاسة وزير التخطيط محمد علي تميم، فيما بينت أن الهيئة ستعمل على تهيئة الظروف المطلوبة وتحديد الموعد المناسب لتنفيذ التعداد.

يشار إلى أن رئيس الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط، ضياء عواد كاظم، أعلن في العام 2020 عن بدء العمل الفعلي للتعداد العام للسكان، وأن كوادر الجهاز باشرت برسم الحدود الإدارية لكل محافظة، وكوادر نظم المعلومات الجغرافية انطلقت بالعمل في محافظة بغداد.

ومطلع العام الحالي، كشفت وزارة التخطيط أن عدد سكان العراق لسنة 2022 بلغ 42 مليونا و248 ألفا و883 نسمة، بحسب التقديرات، بمعدل زيادة سنوية بلغ 2.5 بالمئة.

يذكر أن آخر إحصاء للسكان في العراق كان عام 1997، وأظهر أن عدد السكان هو 22 مليون نسمة، ولم يجر أي إحصاء بعد ذلك لغاية الآن.

من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي ضياء المحسن، خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “عملية التعداد السكاني مهمة وذات فوائد متعددة فأنها تحدد التنوع الديموغرافي للمناطق، إذ تفصل المناطق الريفية والحضرية ومساحة الأراضي الزراعية، كما تحدد القوى العاملة استنادا إلى العمر والشهادة وكذلك تبين المستوى المعيشي للعائلة العراقية”.

ويضيف المحسن أن “الأرقام التي يخرجها التعداد هي نقطة انطلاق لوزارة التخطيط والوزارات الساندة لتحديد الحاجة لقطع الأراضي أو المجمعات  السكنية للمواطنين لكون التعداد يحدد فيما إذا كانت الأسرة تمتلك وحدة سكنية أم تسكن بالإيجار”.

ويشدد على الحاجة إلى “إجراء تعداد سكاني فمنذ عام 1997 لم يتم إجراء تعداد سكاني، وهذا التعداد ضروري جدا كما انه موضوع يتعلق بتحديد نسبة المحافظات من الموازنات، فتحديد احتياج المحافظات في الموازنة مازال تحديدا كيفيا وخاصة في ما يتعلق بالمحافظات الشمالية الثلاثة أربيل والسليمانية ودهوك، ومن ضمنها حلبجة، مشيرا إلى أن “هذه المحافظات تأخذ نسبة ١٣ بالمئة من الموازنة وقد ترتفع هذه النسبة أو تنخفض إذا ما أجرينا التعداد العام للسكان، ولذلك نرى أن بعض الكتل السياسية تعترض على إجراء التعداد لأنه قد لا يصب في مصلحتها”.

ويضيف المحسن أنه “منذ سنوات يتم تشكيل لجان لإجراء التعداد العام للسكان وتخصيص مبالغ، ولكن في نهاية الأمر هذه اللجنة لا تنفذ أي شيء في ما يتعلق بالتعداد السكاني”، متابعا أن “اللجنة قد تحتاج إلى ضغط، وهذا خلل حتى في السلطة التنفيذية فليس كل شيء يجب أن ينفذ بالضغط، فالمفترض أن تكون هنالك آليات مهنية ووظيفية تتبع سياق عمل لتنفيذ الخطط والمشاريع، فالضغط لن يأتي بنتيجة”.

يذكر أن المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة، مظهر محمد صالح، أكد في حديث سابق، أن المنحنى السكاني في العراق ما زال يؤشر نموا مرتفعا وبما لا يقل عن 2.6 بالمائة سنويا، وهو الأعلى عالميا، كما أن الدخل الوطني المرتفع حاليا والذي مصدره النفط، والذي تمثل وارداته تشكل 93 بالمئة من إجمالي إيرادات الموازنة العامة قد لا يستمر.

إلى ذلك، يبين الباحث الاجتماعي عبد المنعم جبار  خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك مجموعة ايجابيات يمكن أن يقدمها التعداد السكاني وأولها الوقوف على عدد سكان العراق، خاصة وأن التعداد كان يجري كل عشر سنوات”.

ويتابع أن “التعداد السكاني ينفع في قضية استحقاق البطاقة الانتخابية وتمعالجة قضية إحصاء الدولة واحتياجها للوحدات السكنية المنخفضة الكلفة، لأن التعداد سيشمل الجميع بما فيها العشوائيات، لاسيما وأن الأخيرة لم يتتم تناولها بأي بحث متخصص، فهناك احصائيات بعدد العشوائيات وليس بعدد سكانها”.

ويردف أنه “ربما للتعداد السكاني سلبيات إذا كان قائم على تحديد لأاقليات أو الطوائف أو الأعراق، ففي هذه الحالة سيكون سببا في تفريق الشعب بأعطاء المكون الفلاني حصة معينة واعطاء مكون آخر حصة مختلفة، وهذا ليس بصالح الوحدة الوطنية”، مبينا أنه “لذلك نأمل أن يجرى بمهنية وشفافية عالية وأمانة، وأن تكون فيه فائدة للشعب عبر تقديم بيانات دقيقية”.

ويؤكد أن “التعداد السكاني ليس بمعجزة كبيرة ولا يحتاج الى حكومة محترفة لكي تنفذه، فهو يحتاج إلى موظفين لا أكثر، وبإمكان وزارة التخطيط وبكافة دوائرها إنجاز هذا التعداد”.

جدير بالذكر، أنه عند إقرار كل موازنة في البلد، تظهر خلافات حادة بين إقليم كردستان وبغداد من جهة، والمحافظات وبغداد من جهة أخرى، وتتلخص هذه الخلافات حول نسبة كل جهة في الموازنة وذلك بناء على عدد السكان، وهي أرقام تقديرية تقدم وعلى أساسها يتم احتساب نسبة الموازنة لكل جهة. 

كما أثير جدل في الانتخابات السابقة، حيث زودت مفوضية الانتخابات بقوائم المشمولين بالانتخابات من قبل وزارة التجارة، بالاعتماد على البطاقة التموينية، لكن هذه القوائم لم تكن دقيقة بالكامل، حسب ما تناولت “العالم الجديد” في تقارير عدة هذا الأمر، حيث تبين وجود وفيات ومهاجرين ما زالت أسماؤهم في البطاقة التموينية، ما كشف عن افتقار البلد لأي قاعدة بيانات للمواطنين.

إقرأ أيضا