“علاء الدين” و”نهر خوز”.. كيف أنعشتا أسواق البصرة بعيدا عن كرة القدم؟

يفتح الكويتي جاسم صادق (43 عاما)، يديه ويغلقهما، فوق مدفأة نفطية قديمة عراقية الصنع، ليتدفأ…

يفتح الكويتي جاسم صادق (43 عاما)، يديه ويغلقهما، فوق مدفأة نفطية قديمة عراقية الصنع، ليتدفأ في يوم ممطر لم تشهد مثله البصرة خلال عقد من الزمن.

ويقول صادق ونظرة الإعجاب بادية على وجهه أمام المدفأة التي يطلق عليها محليا بـ”علاء الدين”، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، “استهوتنا أشكال (الصوبات) التي لا نراها في بلدنا، فكثيرا ما كنا نسمع عن هذه الأجهزة منهم حينما كانوا يزورون العراق في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي”.

ويضيف “اشتريتها كتحفة لتوضع في إحدى زوايا منزلي، كما اشتريت 5 قطع غيرها لأوزعها كهدية لأهلي وأصدقائي”، لافتا إلى أن “العودة إلى البصرة قادمة لا محالة بعد أن نرتب وضعنا”، وفيما يشير إلى أن “السوق العراقية مفتوحة على كل شيء يمكن أن تحتاجه”، يؤكد أن “الكويتيين يعتبرون أنفسهم الأقرب إلى العراق والبصرة بالتحديد، إذ نأتي بمركباتنا الخاصة، بحكم صلة الرحم بالإضافة إلى أن الكثير منا من مواليد البصرة”.

لم يقتصر الانتعاش الاقتصادي في البصرة التي احتضنت فعاليات كأس الخليج العربي بنسخته الأخيرة، على قطاع السياحة والفندقة، إنما تعدى إلى باقي الأسواق المحلية التي لا تزال تشهد وجود مواطنين من الخليج يبحثون عن هدايا يعودون بها إلى بلادهم، رغم الانحسار التدريجي لهم بعد انتهاء تلك الفعاليات.

ويوضح شوقي محمد، أحد تجار الأجهزة الكهربائية، خلال حديث لـ”العالم الحديد”، أن “أجهزة التدفئة ذات الشكل المخروطي المعروفة شعبيا بصوبة علاء الدين يتم شراؤها كأنتيكة، وكذلك يتم الاستفادة منها خلال رحلات الصيد البرية في دول الخليج”.

ويضيف محمد، أن “فرق العملة بين العراق والكويت ساهم بشكل كبير في عملية الطلب على هذه البضائع، فالأسعار مناسبة للخليجيين جدا”، مشيرا إلى أن “هذه النوعيات من الأجهزة لا تتوفر في بلدهم، كونها لا تطابق معايير السيطرة النوعية السائدة لديهم”.

وعن أبرز البضائع التي حازت اهتمام الخليجيين، يلاحظ أن “بعض الأصناف الغذائية نالت طلب الكويتيين مثل الكيمر وحلاوة نهر خوز والشاي ذي الخلطة وكعك البقصم”.

وللمرة الأولى تشهد البصرة امتلاء الفنادق الرسمية وفنادق الخمس نجوم والشعبية بشكل تام دون وجود أي شاغر، وهو أمر لم يحدث سابقا في المنطقة الجنوبية، باستثناء مواسم الزيارات المليونية الدينية التي تشهدها محافظة كربلاء، حين تحتضن الملايين من الزائرين الوافدين من داخل وخارج العراق.

من جانبه، يتحدث أحد أصحاب المحال وهو وليد خالد، لـ”العالم الجديد”، عن أن “أيام بطولة خليجي 25 كانت فرصة مناسبة لإنعاش السوق في وقت يعيش حالة من الموت السريري بسبب ارتفاع الدولار، إذ تمنينا لو أن البطولة أيامها أكثر مما هي عليه حتى تتدفق المزيد من الوفود الخليجية وتحرك عجلة التسوق”.

ويضيف أن “ارتفاع الدولار مقابل الدينار العراقي ألقى بظلاله على السوق بشكل كبير واليوم بأكمله قد نبيع فيه سلعة إلى سلعتين”، مشيرا إلى أن “الناس باتت تخشى على أموالها وانتابها القلق جراء التصريحات والتحليلات الاقتصادية التي تنقل عبر وسائل الإعلام والتي أثرت بشكل سلبي  على السوق”.

حلاوة نهر خوز

ليست فقط الأنتيكات والأجهزة القديمة والتراثية كانت تستهوي الخليجيين، فالحلويات والأطعمة البصرية كانت أبرز الهدايا التي أخذوها معهم، وتقف في مقدمتها حلاوة نهر خوز الشهيرة.

ويقول الكويتي فهد عبيد، “اشتريت كميات كبيرة من هذه الحلوى، والجميل فيها أنها لا تتلف وبالإمكان الاحتفاظ بها لسنوات، كونها خالية من المواد الحافظة، إنها من الأكلات الشعبية التي تحمل سحر التراث العراقي الأصيل وطيبة أخوالنا البصريين”.

ويضيف عبيد ـ”العالم الجديد”: “إننا في الكويت نعتبرها شيئا مختلفا، ويمكن أن نقدمها كهدية للأقرباء والأصدقاء، وأتمنى أن تحظى بالاهتمام وتصبح علامة تجارية مسجلة ومعتمدة على المستوى العالمي”.

وعن طبيعتها ومكوناتها، يشرح صادق الموسوي، وهو صاحب معمل لصناعة تلك الحلوى الشهيرة جنوبيا وخليجيا، في مركز قضاء ابي الخصيب، أن “المفردات الغذائية المكونة لها هي زيت السمسم الموصلي وعصير التمر (الدبس) البصراوي، حيث يطبخان معا من خلال مكائن خاصة بعد أن كانت تصنع يدويا، واكتسبت اسمها من منطقتها الواقعة في قضاء أبي الخصيب”، لافتا إلى أن “اسمها اقترن كذلك بعائلة عبد الرحمن محمد إبراهيم الذي توفي وترك سرها لذريته وبدورهم حافظوا عليها وحرصوا على أن تكون سمة ملازمة لهم”.

ويستطرد الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بالقول “مع اتساع شهرتها، لم تعد صناعتها مقتصرة على عائلة الحاج عبد الرحمن، فقد امتلأت معامل صناعتها في قضاء أبي الخصيب والكل يدعي بأنها الأصلية أو النسخة الأصل”.

من جهته، يفيد أبو علي، وهو من سكنة منطقة نهر خوز، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أول من ابتكر هذه الحلوى هو الحاج عبد الرحمن قبل حوالي 100 عام وحافظ أحفاده على سر صناعتها وامتدادها ليومنا الحاضر”، منوها إلى أن “كثيرين يقصدون المنطقة للوصول إلى المنشأ الأصلي لصناعتها، ونحن نرى العديد منهم من محافظات اخرى ودول مجاورة”.

ويرى أبو علي، أن “الحلوى وصانعيها ساهمت بإذاعة صيت المنطقة وأصبح اسمها علامة تجارية معروفة”.

لكن ذلك لم يستنهض الحكومة والمسؤولين المحليين في الالتفات لمثل هذه الصناعات الفريدة، إذ يعلق الخبير في ملف الأمن الغذائي، علاء البدران، حول مستوى الدعم الحكومي لمثل هذه الحالات، بالقول إنه “لا قروض للصناعات الزراعية حاليا ولا انتباه حكومي لمسألة الجدوى الاقتصادية، وهناك معرقلات تحتاج إلى إعادة نظر تقف حائلا أمام تطور القطاع الزراعي، وفي مقدمتها التعامل البيروقراطي وقانون الاستثمار”.

ويؤكد البدران، أن “نظام التسويق مفقود في البلاد ومن الصعوبة إنشاء أسواق تستوعب ما ينتج وما سوف يصدر”، مشيرا إلى أن “الخطط التي تعدها وزارة الزراعة ما هي إلا تكرار لخطط السنوات الماضية دون أن تتطور أو أن تنشئ خطة جديدة مختلفة”.

يذكر أن المشجعين من دول الخليج، تجولوا في البلد، وقد شوهدت عجلاتهم التي تحمل لوحات تسجيل دولة الكويت في العاصمة بغداد، حيث زاروا أبرز معالمها.

إلى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “من المهم تشجيع رأس المال الخليجي والعربي على الاستثمار في العراق ومحاولة تكوين شراكة بين المستثمرين العراقيين والخليجيين، ومن الضروري أن يصاحب إقامة أي مسابقة رياضية، توجيه دعوات إلى بعض رجال الأعمال الخليجيين وإطلاعهم على الفرص الاستثمارية المتاحة في العراق وإعطائهم التطمينات اللازمة للمحافظة على أمن استثماراتهم، والعمل من جهة أخرى على تشجيع الصناعات التراثية في العراق ومحاولة عرضها على الضيوف في معارض تجارية خاصة، ومن ثم تسويقها إلى الدول الخليجية أو الآسيوية، وضرورة تخصيص مواقع خاصة لتقديمها بشكل شعبي كما هو الحال في شارع الإسكان في أربيل”.

ويلفت إلى أن “الاستثمار في الرياضة مهم، فكلفة إقامة خليجي 25 في البصرة قدرت بـ33 مليون دولار لكنها ستؤثر ايجابيا على حركة التجارة والاستثمار بين العراق والدول الخليجية بصورة أفضل من كل الموازنات الضخمة التي صرفت على هيئات الاستثمار المحلية والوطنية منذ عام 2006”.

وتعتبر البصرة عاصمة العراق الاقتصادية، وثاني أكبر مدنه من حيث عدد المساحة والثالثة بعدد السكان، كما تعدّ بوابة العراق البحرية، والمصدر الرئيس للنفط الخام الذي يعتمد العراق على بيعه.

إقرأ أيضا