المادة 140.. العودة للواجهة تثير الجدل من جديد

خطوات جدية بدأت الحكومة باتخاذها لتطبيق المادة 140 من الدستور، بشأن المناطق المتنازع عليها مع…

خطوات جدية بدأت الحكومة باتخاذها لتطبيق المادة 140 من الدستور، بشأن المناطق المتنازع عليها مع إقليم كردستان، وحسم مصيرها الإداري، وفيما رحبت أوساط سياسية كردية بالخطوة الحكومية، أكدت عدم كفايتها وشددت على ضرورة تطبيق مراحل المادة الثلاث (التطبيع، الإحصاء، الاستفتاء)، لكن أوساطا تركمانية وعربية في كركوك، رفضت بشدة تطبيق المادة، ونبهت لضرورة تصحيح الأوضاع بسبب “استغلال” أحزاب كردية لتلك المادة أدت لاستقدام الآلاف من خارج المنطقة.

ويقول مصدر حكومي مسؤول، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “توجيه وزارة الداخلية بشأن إعادة قيود نفوس المواطنين من وإلى المناطق المشمولة بأحكام المادة 140 من الدستور وكذلك إيقاف نقل القيود ضمن هذه المناطق، هو تطبيق لجزء من ورقة الاتفاق السياسي، التي على إثرها شكلت حكومة محمد شياع السوداني”.

ويبين المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “هذه الخطوة هي بداية لتطبيع الأوضاع في المناطق المتنازع عليها، وهناك خطوات سيتم اتباعها في المرحلة المقبلة، من أجل حسم قضية تلك المناطق وإدارتها، إما أن تكون تحت إدارة حكومة الإقليم أو الحكومة الاتحادية لفض النزاع عليها”.

ويضيف أن “رئيس الوزراء محمد شياع السوداني جاد بحل هذه القضية، من خلال تطبيق الفقرة الدستورية، لكن هناك اعتراضا من قبل أطراف سياسية في الإطار التنسيقي، إضافة لفصائل مسلحة ترفض حل هذا الخلاف، كونها تسيطر على تلك المناطق ولا تريد تركها، فبعض هذه المناطق ربما ستعود في الإدارة إلى إقليم كردستان”.

وتسرب قبل يومين، أمر من وزارة الداخلية لمديرية الجنسية والأحوال المدنية، يقضي بوقف عملية نقل القيود (سجل النفوس) للمناطق المتنازع عليها المشمولة بالمادة 140 من الدستور، كما نص الأمر على إعادة سجلات المواطنين الذين نقلت لهذه المناطق، إلى مناطقهم الأصلية.

يشار إلى أن المحور التنفيذي بالمنهاج الوزاري لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وفي الفقرة 15 منه، ورد التأكيد على تطبيق المادة 140 وتفعيل اللجنة الخاصة بها، خلال شهر واحد من تشكيل الحكومة، كما تضمنت الفقرات التي سبقتها، التأكيد على إعادة انتشار قوات البيشمركة وعودة الأحزاب الكردية إلى محافظات كركوك ونينوى وديالى وصلاح الدين، وإخلاء مقراتها التي شغلت من جهات أخرى، كما ورد في المنهاج.

وتعد المادة 140 من أبرز المواد الخلافية بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، حيث تطالب الأخيرة دائما بتطبيق هذه المادة الخاصة بالمناطق المتنازع عليها، بين المركز والإقليم.

وتتركز هذه المادة، حول محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى، وهي المحافظات التي تعرضت للتغيير الديموغرافي ولسياسة التعريب على يد النظام السابق، حيث نصت المادة على آلية تضم ثلاث مراحل: أولاها التطبيع، ويعني علاج التغييرات التي طرأت على التركيبة السكانية في كركوك والمناطق المتنازع عليها في النظام السابق وبعده، والثانية الإحصاء السكاني في تلك المناطق، وآخرها الاستفتاء لتحديد ما يريده سكانها.

إلى ذلك، يرى السياسي الكردي محمد زنكنة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أي حكومة عراقية لا يمكنها أن تقرر مصير المادة 140 غير المادة نفسها من خلال مراحلها الثلاثة وهي (التطبيع، الإحصاء، الاستفتاء)، والشعب في المرحلة الأخيرة هو من يقرر أن هذه المناطق تكون تحت إدارة الإقليم أو إدارة الحكومة الاتحادية، والتطبيع هناك يعني العودة لأوضاع تلك المناطق قبل مجيء حزب البعث إليها”.

وبين زنكنة، أن “المحكمة الاتحادية العليا، أقرت في سنة 2019 حكما يقضي بتنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي، وهذه المادة كان يجب أن ينفذ في سنة 2007، لكنها متوقفة بسبب الأجندة السياسية حتى حصل تغيير ديموغرافي واضح في المناطق المتنازع عليها بعد 2017”.

ويضيف أن “حكومة السوداني تتحرك الآن من أجل تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي، خصوصاً أن تطبيقها كان ضمن بنود ورقة الاتفاق السياسي داخل ائتلاف إدارة الدولة”، عادا “خطوة إعادة قيود المواطنين من وإلى المناطق المشمولة بأحكام المادة 140 من الدستور، خطوة مهمة، لكنها لا تكفي، فعلى الحكومة الاتحادية تطبيع الأوضاع في تلك المناطق وإعادة الموظفين المنقولين والمفصولين وإعادة النازحين الذين نزحوا الى السليمانية وأربيل”.

ويتابع أن “الشيء المهم هو مطالبة الحكومة الحالية بتنفيذ ما نص عليه الدستور العراقي، فالتحركات الحالية ربما تكون وفق ضغوط، أو من أجل ترضية الأطراف السياسية الكردية، لكن هذا التحرك لا يكفي فهناك حلول دستورية يجب أن تباشر جميع الأطراف بها، وخلاف ذلك ستبقى هذه المشكلة عالقة ولن يكون للعراق استقرار إلا بحل هذه المشكلة، التي لا تخص كركوك فقط، بل الكثير من المدن والمحافظات التي تعرضت للتغيير الديموغرافي بعد مجيء البعث إلى السلطة”.

وشكلت لجان لتطبيق أحكام المادة 140، في ظل حكومة إبراهيم الجعفري، حيث أسندت رئاسة اللجنة إلى حميد مجيد موسى، وفي حكومة نوري المالكي شكلت لجنة أخرى برئاسة وزير العدل السابق هاشم الشبلي، لكنه استقال من منصبه، ثم حل محله رائد فهمي، وأسندت رئاسة اللجنة التي أعيد تشكيلها في آب أغسطس 2011 إلى رئيس تحالف الفتح ووزير النقل الأسبق هادي العامري.

من جهته، يذكر القيادي التركماني نيازي اوغلو، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المادة 140 من الدستور العراقي خلقت فتنة في المناطق المختلطة والمجاورة لإدارة إقليم كردستان التي تضم مكونات وأطيافاً عراقية بحدود ثمانية ملايين نسمة، فالمادة 140 انتهت صلاحيتها وفق النص الدستوري بتأريخ 2007/12/31 ولا يمكن تفعيلها إلا بنص دستوري”.

ويوضح أوغلو، وهو مقرر مجلس النواب السابق، أن “طموح إدارة إقليم كردستان يستهدف ما موجود تحت الأراضي المختلطة من الثروات النفطية الهائلة والتي تسمى بالمتنازع عليها للأسف الشديد، كما أن المادة 140 تحتوي محاور إدارية وقانونية بخصوص شمول المرحلين والمهجرين في عهد النظام السابق بالمنح المالية وقطع أراض سكنية وإعادة الأراضي المستملكة والمصادرة إلى أصحابها وإلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، لكن للأسف تم استغلال هذه المادة الدستورية لأغراض التغيير الديموغرافي الهائل وخصوصاً في كركوك وبعض المناطق الأخرى نسبياً، بعد إدخال وإسكان مئات الألوف فيها”.

ويلفت إلى أن “أعداد المشمولين لا تتجاوز العشرين ألف نسمة ممن هم أصلاً يقيمون فيها ومنح أغلبهم هويات أحوال مدنية وبطاقات سكن وبطاقات تموينية وبهذا تغيرت موازين نسب المكونات وسجلات الناخبين بغية الحصول على الأغلبية”.

ويضف القيادي التركماني: “إننا مع إيقاف نقل القيود إلى هذه المناطق ونطالب بتدقيق سجلات النفوس وسرعة انجاز وإصدار البطاقة الوطنية الموحدة، كما على وزارة التجارة تدقيق المشمولين بالبطاقات التموينية وحجب واسترداد المستحقات من مزدوجي البطاقة التموينية”.

ويؤكد أوغلو أن “المادة 140 ليست حلاً لهذه المناطق ومن المستحيل تطبيقها، والحل الأمثل أن تبقى هذه المناطق تحت المظلة المركزية كما هي الآن، وخصوصاً بعد عملية فرض النظام والقانون في 16 تشرين الأول أكتوبر 2017، كما أنه رغم كل ما حصل ويحصل إلا أن هناك مادة دستورية تنص على أنه: يحق لكل عراقي العيش على أية بقعة من أرض العراق بشرط أن لا يعتبر  تغييراً ديموغرافياً”.

ويردف “كلما تم تداول المادة 140 في الأوساط السياسية والمجتمعية وخصوصاً في اشتراط الكرد لتشكيل الحكومة ودخلت المنهاج الحكومي، كلما تضاعف الحراك المناطقي الرافض بشدة لكونها غير مقبولة ومرفوضة من قبل المكون العربي والتركماني”، لافتا إلى أن “الحل الجذري للمشكلة هو تعديل الدستور وجعل هذه المناطق المختلطة إقليماً خاصاً تحت السيادة الوطنية لننتهي من هذه الأزمة الخطيرة”.

وتعد كركوك من أبرز مناطق الصراع بين بغداد وأربيل، وخضعت لسيطرة الأحزاب الكردية في عام 2014 بعد أن اجتاح تنظيم داعش محافظات عدة.

بدوره، يجد القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني محمود خوشناو، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المادة 140 تتكون من التطبيع والإحصاء والاستفتاء، ولا توجد بهذه المادة أي فقرة للاجتهاد السياسي، وإجراءات الحكومة الحالية واضحة فهناك إحصائية 57 وإحصائيات أخرى يجب أن تعتمد في العراق، وهناك سجل وقيود يجب أن تتم إجراءاتها وفق القانون”.

ويشدد خوشناو، على ضرورة أن “تنفذ المادة 140 فهي قضية دستورية، أما الاتفاق السياسي، فهو تم لتطبيق نص دستوري وليس اتفاقا سياسيا لتطبيق قضية أو أمر يخالف الدستور، ونحن مع أي حلول تتناسب مع الدستور العراقي وهذا هي رؤية القوى السياسية الكردستانية”.

ويتابع أن “تنفيذ الاتفاقيات السياسية، يجب أن يستند إلى تنفيذ الدستور، والقوى السياسية الكردستانية تطلب تنفيذ المادة 140 حسب ما نص عليها الدستور العراقي، بعيدا عن أي أجندة سياسية وغيرها من الاجتهادات”.

يذكر أن الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق، أجرى استفتاء فاشلا للانفصال في العام 2017، شاملا بذلك مناطق الإقليم ومحافظة كركوك التي تم تنفيذ عملية عسكرية لاستعادتها من سيطرة أحزاب الإقليم بأمر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي، وخلالها تم إبعاد الأحزاب الكردية وغلق مقارها، لكنها عادت تدريجيا في الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي.

إقرأ أيضا