ما علاقة إيران بعرقلة اتفاق العراق مع توتال الفرنسية؟

كشفت التوترات بين الحكومة العراقية وشركة توتال الفرنسية، وتوجه الأخيرة لسحب موظفيها من العراق، عن…

كشفت التوترات بين الحكومة العراقية وشركة توتال الفرنسية، وتوجه الأخيرة لسحب موظفيها من العراق، عن خفايا سياسية تقف خلف ما يجري، وأبرزها الصراع الإيراني- الفرنسي، إذ أرجع متخصصون بالسياسة والاقتصاد ما جرى إلى تدخل إيراني عبر شخصيات عراقية مقربة منها عملت على عرقلة تمرير الاتفاقية مع توتال، ردا على المواقف الفرنسية المعادية لإيران، وأبرزها في الملف النووي، وفرض المزيد من العقوبات، محذرين من تداعيات سلبية اقتصادية جراء خسارة الشراكة مع عملاق النفط الفرنسي.  

ويقول المحلل السياسي أحمد الشريفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “توتر العلاقات الفرنسية الإيرانية، مرتبط بتوتر العلاقة بين شركة توتال الفرنسية والحكومة العراقية من جهة أخرى، إذ تغلف كلا التوترين عوامل اقتصادية وسياسية عديدة، فمن جهة أن فرنسا تعد إيران دولة مساعدة للروس الذين قطعوا عليهم تدفقات الغاز، بالمقابل تعمل إيران على مضايقة الشركات الفرنسية داخل العراق”.

ويبين الشريفي أن “الإطار التنسيقي يعتبر الامتداد الإيراني داخل العراق، وهو الذي شكل الحكومة العراقية الحالية، فمن الطبيعي أن تصطف الحكومة مع إيران على حساب فرنسا”.

ويتابع أن “هذه التوترات مرتبطة بملفات دولية عديدة، من ضمنها ملف الاتفاق النووي، ووضع الحرس الثوري على لائحة الإرهاب، فقد عرقل الموقف الأوروبي المتشدد من إيران مؤخراً توقيع أي اتفاق نووي جديد، على عكس ما كان في السابق، كما أن مناقشات الاتحاد الأوروبي بشأن إدراج الحرس الثوري على لائحة الإرهاب، ثم تصويت فرنسا على ذلك، عززت من حدة الخلافات، التي سرعان ما انعكست على المصالح الاقتصادية للبلدين”.

وكانت وكالة “رويترز”، كشفت أمس الأول، أن العراق وشركة النفط الفرنسية “توتال إنرجيز” لم يتوصلا بعد لتوافق على تسوية نقاط رئيسية عالقة في الاتفاق بينهما، والذي قيمته 27 مليار دولار، وذلك نتيجة لخلافات بين سياسيين عراقيين والشركة حول شروطه، وأبرزها مطالبة العراق بأن تكون حصته 40 بالمئة من مجموع المشاريع وهو ما رفضته الشركة.

وأكد التقرير، أن شركة توتال طلبت من موظفيها الأجانب مغادرة العراق ومن موظفيها المحليين العمل من المنزل.

يذكر أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وخلال زيارته مؤخرا إلى فرنسا وقع اتفاقية شاملة عدت الأكبر بتاريخ البلدين، ومن ضمنها التعاون بمشاريع الطاقة بما فيها شركة توتال، كما التقى السوداني الرئيس التنفيذي لشركة توتال، باتريك بويان، لكن الخلاف على حصة العراق في المشروع ألقى بظلال قاتمة على المحادثات، وفقا لما ذكرت رويترز.

بدوره، يؤكد الخبير النفطي كوفند شيرواني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “شركة توتال وقعت اتفاقية مع الحكومة العراقية تتضمن ثلاثة مجالات، الأول يتضمن استخراج النفط، والمجال الثاني يتضمن استخراج الغاز الطبيعي، والمجال الثالث هو مجال الطاقة النظيفة/ المتجددة، المتمثلة بتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية”.

ويضيف شيرواني أن “الاتفاق يختلف عن العقد، فالأول يمثل غطاء عاماً يشمل العديد من المشاريع المستقبلية، التي لم تتحول إلى عقود ملزمة، كان لزاما على الجانب العراقي الاستعجال في توقيعها بمراحل سابقة، تبعاً لذلك فإن الجهات الحكومية العراقية طالبت بالمشاركة في المشاريع بنسبة 40 بالمئة قبيل توقيع العقود، وهذا ما رفضته الشركة الفرنسية”.

وعن الخلاف الحاصل بين شركة توتال والحكومة العراقية، يؤكد “وجود عاملين معرقلين، يتمثل الأول بالسياسة المتشابكة على المستوى الإقليمي والدولي، التي تلعب في أحيان كثيرة دورا سلبيا على ديمومة المشاريع الاقتصادية، أما العامل الثاني فيتمثل باختلاف التقديرات بين الحكومتين السابقة والحالية، إذ من المرجح أن الحكومة السابقة قدمت تسهيلات كبيرة لشركة توتال، تبعاً للظرفين الاقتصادي والسياسي، تراها الحكومة الحالية مجحفة بحق العراق في مرحلته الراهنة”.

ويشدد على أن “خسارة شركة عملاقة مثل توتال سوف يكون عائقاً أمام رفع الإنتاجية النفطية إلى أكثر من 6 ملايين برميل يومياً، بحسب ما تطمح له الحكومة العراقية، كما أن ذلك سوف يكون عائقاً أمام تطوير مشاريع الغاز الطبيعي المتأخرة في العراق، الذي تتجاوز احتياطاته 120 تريليون قدم مكعب، مع تحويل العراق من مستورد إلى مصدر، فضلاً عن تضييع فرصة الاستثمار بالطاقة البديلة، مع رفد منظومة الكهرباء الوطنية بالمزيد من الطاقة”.

يشار إلى أن عقد شركة توتال وقعته الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، وفيه جرى تحديد حصة العراق بـ40 بالمئة، كما أن رئيس شركة نفط البصرة، توقع أن تستحوذ قطر على حصة تتراوح بين 20 و25 بالمئة في المشروع وأن يجري تفعيل الاتفاق في غضون ثلاثة أشهر. 

وتضمن اتفاق العراق مع توتال، الممتد لـ25 عاما، تطوير حقول الغاز، حيث تضمن استثمار أربعة مشاريع، أولها تطوير مجمع وتكرير الغاز في كافة الحقول، خارج اتفاقية غاز البصرة وهي حقول (أرطاوي، غرب القرنة/ 2، مجنون، الطوبة، واللحيس)، وثاني المشاريع إنشاء مجمع الغاز المركزي الكبير في حقل أرطاوي، والمشروع الثالث، إقامة منشآت لإنتاج 1000 ميغاوات من الطاقة الكهربائية بالاعتماد على الطاقة الشمسية، بينما المشروع الرابع، هو تطوير حقل أرطاوي بهدف تعظيم إمكانيات إمدادات الغاز.

من جانبه، يتهم المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، “اليد الإقليمية في منع العراق من دخول رؤوس الأموال، وإنعاش الاقتصاد المحلي، ورفع الإمكانات ذات العلاقة، يترافق ذلك مع وجود عناوين حكومية تعمل لأجندات خارجية، وتعمل على تقويض تنفيذ مشاريع لشركات رصينة من قبيل توتال وغيرها”.

ويضيف البيدر أن “على رئيس الوزراء الغوص عميقاً في هذه التفاصيل، وإطلاع الشارع العراقي، الذي بدأ يشكك بقدرة الحكومة على التصدي لقطاع الاقتصاد الوطني، مع وضع الخطط اللازمة لتفادي الانزلاقات الخطيرة، وطمأنة المواطنين”.

ويؤشر أن “انسحاب موظفي شركة توتال أو أي شركة أخرى يمثل رسالة مباشرة للشركات الاستثمارية التي تنوي الدخول للسوق العراقية، مفادها أن العراق بلد تغلفه الصراعات الداخلية”.

وتشهد العلاقة بين فرنسا وإيران، توترا كبيرا، وعمد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مهاجمة إيران طيلة الفترة الماضية، بدءا من تصريحه بضرورة الحد من نفوذها بالمنطقة بعد مؤتمر بغداد 2 أواخر العام الماضي، وصولا إلى تصريحه يوم أمس الأول حيث ندد بـ”الاندفاع المتهور لإيران في برنامجها النووي”، وشدد على ضرورة إبداء “الحزم اللازم في وجه اندفاع إيران المتهور الذي إذا استمر ستكون له حتما عواقب”، وحيال غياب “الشفافية في هذا البلد تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

ويسعى العراق، حسب تصريحات الحكومتين السابقية والحالية، إلى رفع الطاقة الإنتاجية اليومية من النفط، وذلك بهدف رفع مستوى الإيرادات، كما قال السوداني في مؤتمر له قبل فترة وجيزة.

إقرأ أيضا