بعد حملة الاعتقالات.. “المحتوى الهابط” يثير الجدل والمخاوف

أثارت حملة اعتقال صناع “المحتوى الهابط” التي قادتها وزارة الداخلية إلى جانب القضاء، تخوفا وانقساما،…

أثارت حملة اعتقال صناع “المحتوى الهابط” التي قادتها وزارة الداخلية إلى جانب القضاء، تخوفا وانقساما، بين المدونين والمتخصصين بالاجتماع والقانون، ففيما رأى بعضهم أن القانون واضح في ما يخص تعريف المحتوى المخلّ للذوق العام والآداب وعرضه على خبراء في حال اللبس، وجد آخرون أن الحملة مخالفة للدستور وأن المحتوى الذي يراه البعض “تافها” يراه الآخر “معبرا”، في ظل غياب الإبداع والضوابط الاجتماعية وضعف التعليم.

ويقول الخبير القانوني عدنان الشريفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “القضاء أصدر مذكرات القبض بحق صناع المحتوى تبعاً للمادة 403 من قانون العقوبات العراقي، التي تنص على المعاقبة بالحبس لمدة لا تزيد عن سنتين لكل من وضع أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز، أو نقل، بقصد الاستغلال أو التوزيع لكتاب أو مطبوع أو رسوم أو صور أو أفلام أو رموز أو غير ذلك من الأشياء إذا كانت مخلة بالحياء أو الآداب العامة، ويعاقب العقوبة ذاتها كل من أعلن عن شيء من ذلك، أو عرضه على الجمهور”.

وعن تخوّف الناشطين والصحفيين من التضييق على حرية التعبير في المستقبل يوضح الشريفي أن “التضييق لا يكون على انتقاد السلبيات، لكن إذا ما وجه اتهام لجهة معينة أو لفرد، فإن القضاء سوف يطلب ممن وجهه الإثبات، عدا ذلك فإنه سيوضع في خانة التشهير”.

ويضيف أن “القانون العراقي واضح تماماً، والمحتوى المخل بالآداب والذوق العام واضح تماماً، لكن عند حصول لبس أو شك معين في قضية من هذا القبيل يستعينون بخبراء ومختصين لتقييم الحالات، ويتم على أساس ذلك تقدير العقوبة أو الإفراج”.

وخلال الفترة الماضية، أطلقت وزارة الداخلية بالتعاون مع القضاء، حملة لاعتقال صناع “المحتوى الهابط”، كما أطلق عليه، وبدأت الحملة بإطلاق وسم “تصحيح”، ودعوة المواطنين إلى حذف متابعة صناع هذا النوع من المحتوى، ومن ثم انتقلت سريعا إلى مرحلة الاعتقال وإصدار أحكام قضائية بحقهم.

ولغاية الآن جرى اعتقال العديد من صناع المحتوى، سواء نساء أم رجال، وصدرت أحكام بالسجن تتراوح بين 6 أشهر وعام، وجرت بعض عمليات الاعتقال عبر مداهمة المنازل. 

وأثار اعتقال “عبودي سكيبة” يوم أمس لغطا كبيرا، نظرا لطبيعة محتواه القائم على تقليد اللكنة الأمريكية باللغة الإنكليزية، وجرت حملة للمطالبة بإطلاق سراحه، وهو ما جرى وأطلق سراحه إلى جانب 3 من صناع المحتوى الآخرين، الذين لم تثبت إساءتهم للذوق العام. 

يذكر أن العديد من المدونين والصحفيين، أبدوا تخوفهم من أن تطال هذه الحملة كل من يبدي رأيا في مواقع التواصل الاجتماعي، وأن تستخدم سياسيا لتصفية أصحاب الرأي المعارض لبعض الجهات أو المؤسسات الرسمية.

من جانبه، يؤكد رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة مصطفى ناصر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الاعتقالات التي طالت صناع المحتوى تمثل مخالفة دستورية واضحة، لأن الدستور في المادة 38 منه كفل حرية الإعلام والإعلان والنشر بكل أشكاله، وعندما ينص الدستور على ضمانة وكفالة النشر فهو يفتح فضاء واسعاً أمام صناع المحتوى والمدونين والشعراء والكتاب وأصحاب الرأي، فعملياً لا تنسجم الاتهامات الموجهة لصناع المحتوى مع الدستور إطلاقاً”.

ويضيف ناصر أن “السلطات إذا كانت تستند في اعتقال ومحاسبة صناع المحتوى على المادة 403 من قانون العقوبات، فهذه المادة ينبغي أن تعدّل في بداية الأمر، لأنها لم تشر إلى السوشيال ميديا وصناعة المحتوى بصريح العبارة، والقانون نفسه سن في ستينيات القرن الماضي، لذا أشعر بالاستغراب من إدانة القاضي لفرد تبعاً لفقرة لا ينص عليها القانون نصاً واضحاً وصريحاً”.

ويتابع “من الناحية الفنية ليس هنالك محتوى هابط ومحتوى صاعد، لأن السوشيال ميديا متاحة للمجتمع ككل، والمجتمع عادة ما يكون متنوعاً في طبقاته وفئاته وأذواقه وتوجهاته، فمن غير الممكن الإجماع على محتوى معين بأنه هابط، فعلى سبيل المثال قد يعتبر البعض أن صانع المحتوى (عبودي سكيبه) موهوب، وقادر على تأدية اللهجة الأمريكية دون معرفة الانجليزية أو دراستها، بأسلوب ساخر يقرب المتلقي من بعض مشاهد الأفلام، وقد يعتقد بعض الصحفيين والباحثين الاجتماعيين بأن (حسن صجمه) يسلط الضوء على ظواهر اجتماعية لم يطلع عليها أحد، لذا يعد محتواه مفيدا بالنسبة لهم، وهنا تنتفي الشمولية في تسمية محتوى على أنه هابط”.

ويشير إلى أن “هناك خشية من أن يتحول القرار إلى ردعٍ لكل من لديه رأي يخالف السلطة والأحزاب، وهناك خشية أيضا من تكرار تجربة مصر في السنوات الماضية عندما شنت حملة على ما أسمته المحتوى الهابط وانسحب على أصحاب الرأي والصحفيين، وبات الآن معظمهم في السجون، بالتالي التخوف هو من أن يكون هذا التحرك سياسيا وضحيته هم المدونون”.

وخلال هذه الحملة، ظهرت العديد من المناشدات لشمول مقدمين برامج بها، وخاصة من قبل جماهير الأحزاب السياسية، فكل منهم هاجم الإعلامي حسب توجهه السياسي وطبيعة تعاطي الإعلامي مع الأحداث أو الحزب الذي يبعه هذا الجمهور.

يشار إلى أن المادة 38 من الدستور تنص على: تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً:- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً:- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً:- حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.

وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، أكد الشهر الماضي لـ”العالم الجديد”، خلال حديثه عن هذه الحملة، أن القانون بصورة عامة وجد منذ البداية لتقنين وتحديد الحريات، ولهذا يجب أن تكون حرية الإنسان منسجمة مع حرية الآخرين، ولا تتعارض معها، عادا مذكرات القبض، وسيلة من وسائل الردع والحد من هذه المحتويات التي فيها تهديد وتحريض وإثارة في بعض الأحيان للطائفية.

وفي السنوات الأخيرة، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي انتشار ظاهر “صناع المحتوى”، والبعض منهم اتجه نحو محتوى عد “هابطا ولا أخلاقيا”، خاصة وأنه يتركز فقط على الإيحاءات الجنسية أو استعراض الفتيات وبعض الممارسات الأخرى، أو الحديث مع تعدد العلاقات والخوض بتفاصيلها الجنسية.

وكان تطبيق تيك توك، من أشهر التطبيقات التي ضمت هذا المحتوى، وفيه توجد فيديوهات لأطفال يمارسون أفعالا فيها إيحاءات أيضا، وأغب أصحاب الفيديوهات باتوا “مشاهير” نظرا لعدد المشاهدات الكبير الذي يحظون به.

من جانبه، يعرّف الباحث الاجتماعي خلدون جبار السوداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد” مصطلح التفاهة بأنه “حالة نقص في الإبداع والأصالة، وعرض الموضوعات غير المهمة، وعلى ذلك فإن صاحب هكذا محتوى يعد تافهاً، وينقسم المحتوى التافه إلى كتابات وصور ومقاطع الفيديو، تبعاً لذلك تتبادر إلى الأذهان بعض الأسئلة الاجتماعية حول سبب انتشار التفاهة، وهل يوجد جمهور متابع للتفاهة، وما أثرها على المجتمع؟”.

ويجيب السوداني عن هذه الأسئلة بالقول إن “سبب انتشار المحتوى الهابط والتفاهة هو انكماش حالة الإبداع في المجتمع، وقلة تأثير المبدعين في مختلف المجالات، من ناحية أخرى يغيب عامل الضبط الاجتماعي، الذي يحدّد المسموح أو الممنوع عن الظهور إلى العلن، فإذا ما ضعفت عناصر الضبط الاجتماعي ظهرت في المجتمع ظواهر مختلفة من السلوكيات غير المنضبطة، إذ يمثل الضبط الاجتماعي مجموعة من القيم، تفرضها الأسرة عبر التنشئة، لتكوّن لاحقاً ثقافة الفرد”.

ويضيف أن “العامل الحاسم والأخير في انكماش الإبداع وظهور المحتوى الهابط هو نظام التعليم، فنسبة كبيرة من ناشري المحتوى والمتابعين لهم يعدون أشباه متعلمين، إن لم يكونوا أميين بالفعل، فالتعليم والتربية التي توجدها المؤسسة الأسرية والتعليمية تخلق وعياً متصاعداً، أما إذا انهارت منظومة التعليم، كما هو الحال عليه اليوم، فسيكون الناتج أشباه متعلمين وأناسا محدودي الوعي”.

يشار إلى أن العديد من دول العالم اتجهت الى حظر تطبيق “التيك توك” أو مراقبة المحتوى المنشور فيه، وذلك نظرا لارتفاع معدلات الفيديوهات المخلة بالآداب أو المسيئة للمجتمع، وخاصة من قبل المراهقين، فضلا عن تدخل الإدعاء العام وخاصة في مصر، باتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب هذا النوع من المحتوى.

ومنذ سنوات ينشغل كثير من الناس حول العالم بين فترة وأخرى بـ”تحد أو صرعة جديدة” في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا الأمر كان بداية منذ سنوات عديدة، بهدف جمع الاموال لصالح المؤسسات الإنسانية وقد شارك فيه نجوم كبار، لكنه تحول إلى مادة دسمة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة بين المراهقين، حيث يتجه أغلب المراهقين إلى تقليد الفيديوهات من دول أمريكا اللاتينية وأوروبا، ومن بينها تبديل الملابس أمام الكاميرا أو عمل المقالب بالأهل أو تصوير الزوجين لأنفسهم وهما في الفراش.

يذكر أن مجلس النواب يطرح بشكل مستمر مسودة قانون جرائم المعلوماتية، المثيرة للجدل، لما تضمنته من عقوبات غليظة، تخص التعبير عن الرأي في وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يمرر نتيجة للاعتراضات عليه من قبل المنظمات والناشطين والإعلاميين، وكان آخر مرة طرحها قبل فترة وجيزة وأيضا لم تمرر بسبب حملة الاعتراضات التي رافقتها.

إقرأ أيضا