ضرائب المنظفات.. قرارات “غريبة” دون بديل

قرارات مفاجئة أتخذها مجلس الوزراء، تمثلت بفرض ضرائب على منتجات أساسية وأغلبها خاصة بالغسل والتنظيف…

قرارات مفاجئة اتخذها مجلس الوزراء، تمثلت بفرض ضرائب على منتجات أساسية، وأغلبها خاصة بالغسل والتنظيف، فضلا عن السكائر والمشروبات الكحولية، ما أثار استغراب متخصصين بالشأن الاقتصادي، ففيما أكدوا أنها سترفع الأسعار في السوق المحلية، أشاروا إلى أن هذه الخطوة لا يمكن لها النجاح دون توفر بديل محلي، لافتين إلى أن غياب العملات الصغيرة دون الـ250 دينارا، سترهق كاهل المواطن بشكل أكبر.

ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الرسوم الجمركية العالية التي فرضت هي لحماية المنتج الوطني أولا  وللضغط على التجار ليدخلوا عن طريق النافذة الالكترونية ثانيا وذلك لأن تكاليف استيرادهم ستكون عالية جدا، خاصة مع عدم انتظام هؤلاء التجار بالنافذة”.

ويضيف المشهداني أن “بعض المنتجات الأساسية قد لا يستطيع السوق المحلي تغطيتها مثل الشامبو ومسحوق غسيل الملابس ومسحوق غسيل الأواني، فالإنتاج المحلي غير كاف وبالتالي سوف يتضرر المواطن نتيجة ارتفاع أسعار هذه السلع”.

ويتابع: “ستكون الكلفة الجمركية ٦٥ بالمائة من قيمة البضاعة كرسم جمركي خاصة وان الاستيراد بعملة الدولار، ولا نقصد هنا الحساب بالوحدة وإنما الحساب عن طريق تقديم قائمة استيراد بآلاف الدولارات فمثلا إذا كانت قيمة البضاعة المستوردة ٢٠٠ دينار إضافة إلى الضريبة الجمركية ستكون ٣٣٠ دينارا، وجعلها ٣٥٠ دينارا”.

ويلفت المشهداني إلى أن “فرض مثل هذه الضرائب على السجائر والمشروبات الكحولية أمر ليس فيه مشكلة، ولكن فرضها على مواد أساسية للعائلة العراقية مثل مساحيق الغسيل والشامبو فالأمر سوف يسبب ضررا آخر للمواطنين ولذلك يجب أن نفصل بين المواد الأساسية والمواد الثانوية”.

ويؤكد أن “مثل هذه القرارات تزيد عمليات التهريب، فكلما زادت الضرائب والجمارك تتفاقم عمليات التهريب خاصة وان إقليم كردستان لا يلتزم بهذه القرارات ولذلك سوف تدخل البضائع عن طريق الإقليم، ففي السابق كانت هناك سيطرة الصفرة التي تشكل مرحلة ثانية للجمرك أما الآن فعندما تدخل البضائع عن طريق أربيل ستصل إلى بغداد، فالتاجر سيرى أن العملية سهلة وقد يدفع عن طريق الإقليم ١٠ بالمائة فقط بينما في بغداد يدفع من ٢٠ -٢٠٠ بالمائة إضافة إلى تكاليف النقل فتكون عن طريق الإقليم أقل كلفة بكثير”.

وكان مجلس الوزراء، صوت يوم أمس، على فرض ضرائب 65 بالمئة على المنتجات المستوردة التالية: أصباغ الايبوكسيات والأصباغ الحديثة، شامبو غسيل الملابس الملونة والسوداء والداكنة، معطر أرضيات وملابس ومنعّم ومطرٍّ للمنسوجات بنوعيه: السائل والجل، جل أرضيات منظف عام ومعجون تنظيف الأواني والصحون.

كما مدد العمل بالضريبة المفروضة على السكائر ونسبتها 100 بالمئة، وفرض ضريبة إضافية على المشروبات الكحولية ونسبتها 200 بالمئة، فيما فرض ضريبة قدرها 100 بالمئة على منتج كارتون معرّج أو سادة على شكل علب أو طبق أو فواصل مطبوعة أو غير مطبوعة، وأخرى قدرها 20 بالمئة على منتج الأنابيب البلاستيكية وملحقاتها  PPR&PPRC، وتضمن القرار بأنه ينفذ بعد 120 يوما من تاريخ صدوره. 

يذكر أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ألغى أواخر العام الماضي الضريبة المفروضة على بطاقات التعبئة البالغة 20 بالمئة فقط، مع الإبقاء على الضرائب الأخرى التي فرضها رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي.

من جانبه، يعتقد الباحث بالشأن الاقتصادي ملاذ الأمين، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هذا القرار سيؤثر على السوق، لكن فيه نوعا من المصلحة وهي تشجيع أصحاب معامل القطاع الخاص بجعلهم يتجهون نحو تصنيع المواد التي فرض على استيرادها ضرائب، وهذا يعني أن أصحاب رؤوس الأموال أو المعامل الموجودة لدينا والتي إنتاجها قليل أو لا يضاهي المنتجات المستوردة سوف يندفعون نحو تطوير عملهم ويحاولون أن ينتجوا هذه المنتجات بجودة أكبر وقد يسيطرون على السوق ويحققون أرباحا”، لافتا إلى أن “هذه القرارات تدعم الاقتصاد من ناحية التصنيع المحلي وتشجع أصحاب رؤوس الأموال والصناعة المحلية”.

ويضيف الأمين أن “هذه الضرائب قد توفر لأصحاب البيع المفرد فائدة ولكن في حالة بقاء الاستيراد والتصنيع المحلي على هذه الحال فذلك قد يسبب ارتفاعا في الأسعار، ولكن النقطة الايجابية هي أن أصحاب رؤوس الأموال سيتجهون نحو تصنيع هذه المنتجات مرتفعة السعر، لكن بسعر مخفض”.

وكان العبادي، وخلال مرحلة التقشف ورفد إيرادات الدولة في عام 2015، قرر فرض ضرائب عدة بمختلف المجالات، وتوزعت كالتالي: ضريبة استيراد السيارات 15 بالمئة، ضريبة العقار 12 بالمائة، ضريبة خدمات تعبئة الهاتف والانترنت 20 بالمئة، ضريبة رسم المطار بنسبة 25 ألف دينار للتذكرة الخارجية و10 آلاف دينار للتذكرة الداخلية، ضريبة الفنادق والمطاعم 15 بالمئة، ضريبة الوقود 10 بالمئة، ضريبة المشروبات الكحولية 200 بالمئة، ضريبة السكائر والمعسل 100 بالمئة، ضريبة خدمات امانة بغداد 10 بالمئة للعقار أو قطعة الأرض، ضريبة صيانة الطرق والجسور 8 بالمئة من قيمة المركبة.

جدير بالذكر، أن المادة 18 ثالثا في قانون الموازنة الاتحادية لعام 2021، نصت على التالي: على وزارة المالية إصدار طابع ضريبي بمعايير ومواصفات دولية يتضمن فرض ضريبة على السكائر والتبوغ بنسبة 100 بالمئة والمشروبات الكحولية والروحية بنسبة 200 بالمئة، على أن يلصق ذلك الطابع على كل مفردة مستوردة من تلك المفردات، لتجبي من مستوردي هذه البضائع.

إلى ذلك، يرى الصحفي الاقتصادي علي كريم إذهيب، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عملية فرض الضرائب على المواد الاستهلاكية حالة اقتصادية صحية لتنشيط السوق في حال كان لدينا منتج محلي، لكن في العراق نظام الضرائب يشوبه خلل كبير، ففي النظم الاقتصادية المتطورة تكون جباية الضرائب مقابل خدمات تقدم للمواطن ، وفي العراق لا يحصل هذا”.

ويؤكد إذهيب أن “فرض الضرائب سيرفع الأسعار بشكل جنوني في السوق المحلية، فالمواد التي فرضت ضريبة على دخولها لا توجد لها نظائر منتجة محليا، وعليه في الوقت الحالي لا جدوى اقتصادية من هذه الخطوة بسبب سيطرة المستورد على السوق المحلية بأكثر من ٩٠ بالمئة من المنتجات”، مشددا على ضرورة “دعم المنتج المحلي، إذ أن العديد من المصانع معطلة بفعل فاعل ونسبة مساهمتها بالناتج الإجمالي ضئيلة جداً ما يجعلنا نستورد من الخارج”.

ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، الذي من المفترض أن يساهم بتشغيل شرائح عديدة من المجتمع، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوع تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل يستمر التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.

وفضلا عن القطاع الحكومي، فإن مشاريع القطاع الخاص، شهدت توقفا، بل وانهيارا كبيرا نتيجة لعدم توفر البنى التحتية للإنتاج، من تيار كهربائي أو حماية لازمة، خاصة في ظل الأحداث الأمنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول إلى مستهلك للبضائع المستوردة. 

يشار إلى أن “العالم الجديد” تناولت في تقرير سابق، أهمية عودة العمل بالفئات الصغيرة من العملة (الفكة)، نظرا لارتفاع الأسعار بشكل مضاعف بسبب غياب هذه الفئات عن التداول.

إقرأ أيضا